–
أعادت انتهاكات وتجاوزات وقعت في قرية الدالية في ريف اللاذقية غربي سورية قبل أيام، وما رافقها من حشود أمنية كبيرة وحظر تجوال في المنطقة ونزوح الأهالي إلى الجبال المجاورة، الخوف من تكرار أحداث السادس من مارس/آذار الماضي، وما رافقها من عمليات قتل وتجاوزات بحق مدنيين في الساحل السوري على يد فصائل عسكرية تابعة لوزارة الدفاع وصفت بأنها “غير منضبطة”. بدأت أحداث قرية الدالية بريف مدينة جبلة جنوبي اللاذقية، التي تضم سوريين من الطائفة العلوية، بخلاف بين مدير مركز الاتصالات وموظفين، تطور إلى استدعاء الأمن الداخلي وحديث عن “مسلحين خارج نطاق القانون”، ما استدعى إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة إلى المنطقة من وزارة الدفاع، ولا سيما أن المنطقة كانت نقطة الانطلاق لأحداث السادس من مارس الماضي.
تزايد القلق في الساحل السوري
وقال عزازيل ديب، وهو من سكان المنطقة وناشط مدني في توثيق الأحداث، لـ”العربي الجديد”، إنه لم يحصل أي هجوم على أي مركز أمني أو عسكري أو حاجز أمني في الدالية، وكان الأهالي متعاونين مع الأمن الداخلي وقوات وزارة الدفاع، لكن رغم ذلك حصلت انتهاكات وتجاوزات. وأكد أنه وثق مقتل ثلاثة مدنيين ليس لهم أي ذنب في العملية، كذلك أحرقت خمسة منازل وخمس سيارات وسرقت ست أخرى خلال العملية واعتقل أربعة مدنيين آخرين، بعضهم من أمام منزله أو من على الطرقات. وأضاف أن المشكلة بدأت بين مدير مقسم اتصالات الدالية وموظفين مفصولين، واستدعى المدير قوات الأمن بزعم وجود “مسلحين خارج نطاق القانون”، ووصلت تعزيزات ضخمة للأمن الداخلي وقوات وزارة الدفاع، وأكد أنه لم تخرج أي رصاصة واحدة ضد القوى الأمنية.
مهيار بدرة: “القوات 400” قتلت ثلاثة أشخاص وأحرقت ستة منازل وسيارات وممتلكات عامة
وسبق أحداث الدالية عدد من الحوادث الأمنية التي أثارت الخوف لدى سكان الساحل السوري إذ إنه في 26 مايو/أيار الماضي، قُتل خمسة مدنيين وأصيب آخرون في منطقة مشقيتا بريف اللاذقية، في هجوم مسلح استهدف مزارعين في المنطقة. كذلك قتل في السادس من مايو الماضي أربعة مدنيين على يد مسلحين اثنين مجهولين كانا يستقلان دراجة نارية، في أثناء عملهم في منطقة جبلية تابعة لقرية عين الجوزة، الواقعة في الساحل السوري ضمن ناحية صلنفة في ريف اللاذقية.
وقال الناشط في مجال السلم الأهلي باللاذقية مهيار بدرة، لـ”العربي الجديد”، إن المشكلة في قرية الدالية كانت في طريقها للحل، لكن بعد مغادرة قوات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية للمنطقة، توجهت ثلاث سيارات من فصيل تابع لوزارة الدفاع من منطقة قرفيص تدعى “القوات 400” قتلت ثلاثة أشخاص وأحرقت ستة منازل وسيارات وممتلكات عامة. وأضاف بدرة أن تغييرات أمنية حدثت أخيراً في ريف اللاذقية أسهمت بتفاقم الوضع، ولا سيما أن القيادات الجديدة لم تتواصل مع وجهاء المنطقة لحل المشكلة كما كان يحدث سابقاً واحتواء أي تصعيد، مضيفاً أن أهالي المنطقة كانوا متعاونين لدرجة كبيرة مع المسؤولين الأمنيين السابقين. ورأى بدرة أن الحل لتلافي هذه الانتهاكات هو تفعيل قنوات التواصل مع الوجهاء والأشخاص الفاعلين الذين يريدون السلام في المنطقة، وتفعيل المخافر الشرطية في ريف جبلة، وشدد على ضرورة ضبط تصرفات “الفصيل 400” التابع لوزارة الدفاع المنتشر في منطقة قرفيص والكلية البحرية في مدينة جبلة، وهو المسؤول عن ارتكاب معظم هذه التجاوزات.
وحاولت “العربي الجديد” التواصل مع مسؤولين لاستيضاح ما حصل في الدالية والاتهامات الموجهة للفصيل المذكور، لكنها لم تتلق أي إجابة. ورغم زيارات مسؤولين مدنيين وعسكريين من الحكومة السورية المتكررة واجتماعاتهم مع سكان ريف اللاذقية وطمأنتهم، تبقى هذه الانتهاكات المتكررة حجر عثرة في إعادة الأمن والهدوء واستئناف الناس لحياتهم وأعمالهم اليومية والتنقل في ظل حالة الخوف من تكرار هذه الحوادث. ولفت المحامي علي نصور، وهو من سكان جبلة وأحد القائمين على مبادرات اجتماعية لصون السلم الأهلي، إلى أن هناك حالة خوف لا تزال قائمة من أعمال انتقامية وثأرية لدى قسم كبير من أهالي الساحل السوري في ظل تكرار هذه الانتهاكات، رغم وجود تحسن نسبي في تعامل الحواجز العسكرية مع سكان هذه المناطق. وأضاف نصور في حديث لـ”العربي الجديد” أن الثقة لا تزال غائبة بسبب غياب سلطة الأمن والقانون وتفعيل المحاسبة لمرتكبي الانتهاكات، وفي ظل غياب إعلام رسمي موثوق ينقل ما يحدث بحيادية. وأكد أن هناك حالة خوف من تقديم شكوى عند حصول انتهاكات، وهذا الأمر يعوق تحقيق العدالة للضحايا.
غزوان قرنفل: لماذا لم يتم ضبط هذه الفصائل غير المنضبطة ومحاسبتها؟
مصير لجنة التحقيق في أحداث الساحل
ورغم مرور ثلاثة أشهر على أحداث مارس الماضي وإعلان تشكيل لجنة تقصي حقائق في هذه الأحداث من السلطات السورية، ينتظر كثير من سكان الساحل السوري محاسبة الجناة ومرتكبي الانتهاكات والتوصل إلى نتائج ملموسة، تعيد الأمل بتحقيق العدالة، إذ من المنتظر إعلان نتائج التحقيق خلال الأيام القليلة المقبلة. ووفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قُتل في تلك الأحداث ما لا يقل عن 889 شخصاً، من بينهم 51 طفلاً و63 سيدة على يد قوى مسلحة مرتبطة بالحكومة، و445 شخصاً، من بينهم تسعة أطفال و21 سيدة على يد المجموعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة والمرتبطة بنظام الأسد المخلوع. وحول الانتهاكات ودور وزارة الدفاع والسلطة السورية في إيقافها، قال المحامي السوري غزوان قرنفل، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه لا يمكن قبول شيء اسمه “فصائل غير منضبطة” إلا في سياق تقديم مبررات لفشل السلطة في ضبط الأوضاع الأمنية وحماية الناس من تجاوز الأجهزة على القانون. وتساءل قرنفل: “هذه الفصائل غير المنضبطة لماذا لم يتم ضبطها إلى الآن ومحاسبتها على ما ترتكبه من جرائم؟”. وأكد أن “مبدأ المحاسبة اليوم غائب ويد القضاء مغلولة، وهذا ما أسهم في تفلت هذه الفصائل المزعومة وتحولها إلى سلوك ممنهج تتحمل السلطة نفسها مسؤولية ما ترتكبه من جرائم”.
وحول ما أصدرته وزارة الدفاع السورية أخيراً من ميثاق أخلاقي للمنتسبين إليها وتحذيرها من المحاسبة، أجاب قرنفل بأن ما أصدرته وزارة الدفاع لوائح قيمية أكثر مما هي محظورات قانونية، والجريمة لا يحتاج منعها إلى مدونة سلوك، بل إلى إجراءات قانونية عقابية وصارمة، وهذا ما لا يراد فعله أو لا تستطيع السلطة فعله، وفي الحالتين لا يخلي ذلك مسؤوليتها عما يرتكب من جرائم. وأضاف أنه لم يلمس أي جدية من قبل السلطات السورية الجديدة لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، مستشهداً بواقعة الاعتداء على قاضٍ في حلب وطريقة حلها بأنها تشي بذلك. وأكد أن الفصائل العسكرية على اختلاف مسمياتها لا تزال فوق القانون والمساءلة، معتبراً أنها ستبقى كذلك لأسباب كثيرة تتعلق بنمط السلطة وبنيتها، التي يراد بها إدارة البلاد وشؤون الناس.