يمثل قيام جماعة الحوثي باختطاف سفينة تجارية (غالاكسي ليدر) على صلة بإسرائيل (لم تعرف بعد طبيعة الصلة بدقة لجهة الملكية او الشحنة او الشراكة) تطورا بارزا جدا في سياق الحرب الدائرة في غزة بين إسرائيل وحركة حماس ومعها فصائل أخرى مثل حركة الجهاد الإسلامي. انه تطور بارز نطرا لأنه وبسبب حصول عملية الاختطاف قرب جزيرة كمران الواقعة على البحر الأحمر شمالي محافظة الحديدة يشكل مؤشرا لما يمكن ان يحصل في حال نشوب نزاعات متصلة بالمصالح الإيرانية من تهديد لأمن الملاحة الدولية التي تعبر من باب المندب نحو المحيط الهندي او نحو قناة السويس. لا نتوقف كثيرا عند الخطاب الرسمي لجماعة الحوثي التي ربطت الحادثة أولا ببيان سبق العملية بوقت قصير يتحدث فيه الناطق الرسمي العميد يحيى سريع نيابة عن قوات الحوثي عن نيتها استهداف جميع السفن التي تحمل علما إسرائيليا، او تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية، او تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية. ثم قاموا باختطاف السفينة واقتيادها الى مرفأ يسيطرون عليه. لكن يجدر التوقف عند ما هو ابعد من الحرب في غزة التي قد تنتهي بعد أيام او أسابيع. المهم ماذا بعد الحرب بالنسبة الى خطوط التجارة الدولية عبر باب المندب والبحر الأحمر ونسبتها العالمية 13 في المئة. هذا خطر كبير لاسيما ان القرار ليس حوثيا، بل إيرانيا بامتياز. وهو لا يهدد السفن الإسرائيلية وحدها، انما يهدد كل المنطقة بدءا من دول الخليج العربي وصولا الى مصر والاردن.
ما سبق يهدف الى فصل الابعاد عن الحدث الآني الذي يكشف تماما خطورة الوضع في اليمن. فالحوثيون لم يستحوذوا على صواريخ ومسيرات إيرانية فحسب، بل انهم طرحوا انفسهم يوم امس طرفا في موقع القوة المهيمنة على باب المندب. وبالتالي فإن الحسابات الدولية لا تقتصر على مسألة السفن الإسرائيلية، بل على مسألة الملاحة البحرية الدولية برمتها. فالطرف الإيراني يطرح أوراقه على الطاولة في مرحلة يمكن ان تشهد مفاوضات على مساحة الإقليم. فرفع وتيرة المناوشات مع الإسرائيليين على جانبي الحدود بين لبنان وإسرائيل يشكل ورقة إقليمية تتعدى بفاعليتها اطار الحرب في غزة. واستهداف الفصائل العراقية القواعد الأميركية في كل من العراق وسوريا فضلا عن تعطيل العملية السياسية من خلال دفع المحكمة الاتحادية العليا الى الغاء نيابة رئيس مجلس النواب الممثل للمكون السني محمد الحلبوسي كلها عناصر تشعلها طهران في لعبة رفع مستوى الرهانات في لعبة عض الأصابع مع واشنطن. اما ورقة الحوثيين فليست جديدة، حيث جرى استخدامها على مدى سنوات طويلة ضد المملكة العربية السعودية والنظام الأمني الخليجي بشكل عام. واليوم يستخدمها الإيرانيون تحت شعار الدفاع عن قطاع غزة الذي يتعرض لحرب إسرائيلية طاحنة.
من هنا فإن الولايات المتحدة وشركاءها في حلف شمال الأطلسي يواجهون تحديا كبيرا، وخصوصا ان شركاءهم في الخليج يراقبون باهتمام ردة الفعل على ما يقوم به الحوثيون بالوكالة عن الإيرانيين في احد اهم ممرات ومعابر الملاحة الدولية. والاستيلاء على السفينة الإسرائيلية ليس الحادثة الأولى. ففي 26 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي هاجم الحوثيون قاعدة إسرائيلية في احدى جزر أرخبيل دهلك التابع لأريتريا في البحر الاحمر. ومعلوم ان القاعدة التي تتمدد فوق ثلاث جزر من الارخبيل تستقبل دوريا سفنا وطائرات مقاتلة ومسيرات أميركية.
لذلك كله يمثل الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية حدثا ابعد من حرب غزة. انه حدث بأبعاد استراتيجية في منطقة حساسة على اكثر من مستوى.