ملخص
يتفق المسؤولون اللبنانيون والإسرائيليون والأميركيون على أن حجر الزاوية للهدنة الدائمة يكمن في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي أنهى الجولة السابقة من الصراع بين “حزب الله” وتل أبيب عام 2006 بطريقة أفضل
قالت سبعة مصادر إن تكثيف الجهود للتوصل إلى هدنة في لبنان سلط الضوء على دور الجيش الذي من المفترض أن يحمل على عاتقه مهمة ضمان خلو جنوب البلاد من أسلحة “حزب الله”، لكنه غير مستعد ولا قادر على مواجهة الجماعة المدعومة من إيران.
وعلى رغم العمليات الإسرائيلية المستمرة منذ عام التي أضعفت قوة “حزب الله”، فإنه لا يزال أقوى عسكرياً من القوات المسلحة اللبنانية التي ظلت على هامش الصراع حتى بعد أن أرسلت إسرائيل قوات برية إلى جنوب البلاد في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وبينما من المرجح أن يكون الجيش مطالباً بنشر آلاف الجنود في الجنوب بعد أي اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن ذلك سيحتاج إلى موافقة من “حزب الله”، وسيتجنب الجيش أي مواجهات قد تؤدي إلى صراع داخلي، بحسب ما قالت المصادر التي تضم ثلاثة أشخاص مقربين من الجيش وأربعة دبلوماسيين من دول مانحة.
وقال العميد اللبناني المتقاعد حسن جوني إن “الجيش اللبناني في موقف حساس وصعب، لا يستطيع أن يمارس المهمات العادية مثل جيوش الدول الأخرى لأن هناك قوة عسكرية أخرى في البلاد”، في إشارة إلى “حزب الله” الذي يتمتع بوضع عسكري شبه رسمي باعتباره قوة مقاومة.
وقال مسؤول لبناني كبير لـ”رويترز” إن الحكومة و”حزب الله” وافقا هذا الأسبوع على اقتراح هدنة أميركي، لكنه لفت إلى أن لبنان لا تزال لديه “تعليقات” على المسودة، وموافقة “حزب الله” ضرورية لتنفيذ أي وقف لإطلاق النار، نظراً إلى ترسانته ونفوذه على الدولة اللبنانية.
وأوضح مسؤول ثانٍ أن كيفية نشر الجيش في الجنوب بصورة محددة لا تزال قيد المناقشة.
وذكر دبلوماسيان غربيان وأحد المصادر المقربة من الجيش أن الولايات المتحدة حريصة على رؤية الجيش يواجه “حزب الله” مباشرة على نحو أكبر، وعبرت عن هذا الرأي للمسؤولين اللبنانيين.
لكن المصادر أردفت أن القوة العسكرية لـ”حزب الله” والتمثيل الذي يتمتع به في مجلس الوزراء والبرلمان ونسبة المسلمين الشيعة بين قوات الجيش تعني أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى صراع داخلي.
وقال أحد الدبلوماسيين إن أي مشاهد “لاقتحام الجيش للمنازل بحثاً عن أسلحة ’حزب الله‘” كفيل بأن يشعل حرباً أهلية، مضيفاً أن الجيش يمكنه بدلاً من ذلك أن يعمل جنباً إلى جنب مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة للقيام بدوريات في الجنوب من دون أن يخوض أي مواجهة مباشرة مع الحزب.
ولم يردّ الجيش أو “حزب الله” أو الجيش الإسرائيلي على أسئلة تتعلق بهذه التغطية.
والأسبوع الماضي، أكد مسؤول العلاقات الإعلامية بـ”حزب الله” محمد عفيف للصحافيين خلال مؤتمر صحافي أن علاقة “حزب الله” بالجيش لا تزال “متينة”، وأضاف مخاطباً من قال إنهم يحاولون دفع الجيش إلى مواجهة الجماعة أنهم لن يستطيعوا “فك الارتباط بين الجيش والمقاومة”، وقُتل عفيف بغارة إسرائيلية على بيروت أول من أمس الأحد.
وامتنع البيت الأبيض كذلك عن الإدلاء بتعليق لإضافته إلى هذا التقرير، ورداً على سؤال عن دور الجيش اللبناني، قالت وزارة الخارجية الأميركية إنها لا تستطيع التعليق على “مفاوضات سرية جارية”.
ويتفق المسؤولون اللبنانيون والإسرائيليون والأميركيون على أن حجر الزاوية للهدنة الدائمة يكمن في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي أنهى الجولة السابقة من الصراع بين “حزب الله” وتل أبيب عام 2006 بطريقة أفضل.
وينص القرار 1701 على خلو جنوب لبنان من الأسلحة في ما عدا أسلحة الجيش اللبناني، وعلى نشر ما يصل إلى 15 ألف جندي لبناني في الجنوب، ولم ينفذ أي من الجانبين القرار بالكامل، واستطاع “حزب الله” تسليح نفسه وبناء التحصينات في الجنوب بعد عام 2006.
أبراج مراقبة غير مستخدمة
قال دبلوماسيون ومصدر مطلع إن الغبار تراكم على أبراج مراقبة تبرعت بها بريطانيا للجيش لإقامتها في الجنوب وهي موجودة في مستودع قرب بيروت منذ أشهر تنتظر التوصل إلى هدنة، في وقت يتفاوض دبلوماسيون على طريقة لنصبها بما لا يثير غضب إسرائيل أو “حزب الله”.
وتسلط أزمة أبراج المراقبة الضوء على بعض التحديات التي سيواجهها الجيش مع أي انتشار للقوات على الحدود الجنوبية.
وكثيراً ما تجنب الجيش القتال ضد “حزب الله”، ولم يحرك ساكناً حين سيطرت الجماعة الشيعية وحلفاؤها على بيروت عام 2008.
وحرص الجيش اللبناني على عدم الاصطدام بإسرائيل، فانسحبت وحداته من الحدود حين كانت القوات الإسرائيلية تستعد للتوغل في أكتوبر الماضي، وامتنعت عن إطلاق النار حتى حين وجهت إليها إسرائيل ضربات مباشرة أسفرت عن مقتل 36 جندياً لبنانياً حتى الآن.
ويتزايد الموقف تعقيداً بالنسبة إلى الجيش بتزايد اعتماده على التمويل الأجنبي، بخاصة على مئات ملايين الدولارات من واشنطن.
وفي العام الماضي، بدأت واشنطن ضخ أموال لتعزيز رواتب القوات التي انخفضت بسبب الأزمة المالية في لبنان بعد أن توقف الجيش عن تقديم اللحوم في طعام جنوده، ولجأ إلى تقديم جولات سياحية بطائراته المروحية لجمع الأموال.
وقال اثنان من المصادر المطلعة على تفكير الجيش إن احتمال فقدان الدعم الأميركي يمثل مصدراً للقلق البالغ لقائد الجيش جوزيف عون، وكذلك الحفاظ على وحدة الجيش لنشر قواته بمجرد التوصل إلى هدنة، وأوضح أحدهما أن “أولويتهم الآن هي البقاء سالمين بلا خسائر بانتظار ما هو آتٍ”.
ورداً على أسئلة حول دور الجيش في لبنان، أكدت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الذي يتولى منصبه في يناير (كانون الثاني) عام 2025، أن ترمب بمجرد عودته للبيت الأبيض سيعمل على استعادة “السلام بدعم من القوة في أنحاء العالم”.
ورشح ترمب شخصيات مؤيدة بشدة لإسرائيل لمناصب دبلوماسية مؤثرة، مثل المطور العقاري ستيف ويتكوف كمبعوث إلى الشرق الأوسط الذي لم يردّ على طلبات للتعليق.
وقال أحد المصادر المقربة من الجيش إنه ليس أمام الجيش إلا الانتظار حتى انتهاء الصراع لتقييم حال القوة العسكرية لجماعة “حزب الله” ومن ثم يتضح دوره.
وتأسس الجيش اللبناني عام 1945 وتنقسم قواته بالتساوي تقريباً بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة والمسيحيين، مما يجعله رمزاً راسخاً للوحدة الوطنية.
وأوضح مصدر أمني لبناني ومصدران مطلعان على تفكير الجيش أن الجيش الذي يتألف من نحو 40 ألف جندي يعتبر نفسه في المقام الأول الضامن للسلم الداخلي، بخاصة مع تزايد التوترات نتيجة نزوح مئات آلاف الشيعة إلى مناطق ذات غالبية مسيحية أو سنية أو درزية في الحرب الحالية.
وخاض الجيش أيضاً حرباً ضد جماعات سنية متشددة في المخيمات الفلسطينية عام 2007 وعلى طول الحدود اللبنانية مع سوريا عام 2017.
وانقسم الجيش على أسس طائفية عام 1976 خلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً، مما أدى إلى وقوع لبنان في قبضة حكم الميليشيات الذي انتهى عام 1990 بتخلي الجماعات المسلحة عن أسلحتها باستثناء “حزب الله”.
تأخر المساعدات
وقال ثلاثة دبلوماسيين آخرين إن بعض المساعدات الدولية للجيش جرى تعليقها بالفعل، إذ كانت قوى عالمية تعهدت في باريس الشهر الماضي تقديم 200 مليون دولار للجيش من المتوقع أن تخصص لتجنيد قوات جديدة، لكن ظهرت خلافات.
وذكر دبلوماسي أوروبي ودبلوماسي كبير في الأمم المتحدة أن المسؤولين الأميركيين سعوا إلى وقف التمويل إلى حين الاتفاق على وقف إطلاق النار للضغط على لبنان لتقديم تنازلات، بينما يقول لبنان إنه يحتاج إلى التجنيد أولاً حتى يتمكن من تنفيذ وقف إطلاق النار.
ونفى مسؤول أميركي استخدام واشنطن المساعدات وسيلة للضغط، وأكدت وزارة الخارجية أن واشنطن ملتزمة دعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها السيادية، فيما أحجم البيت الأبيض عن التعليق.
وأوقف المشرعون الأميركيون عام 2010 لفترة وجيزة تمويل الجيش اللبناني بعد اشتباك حدودي مميت بين لبنان وإسرائيل. وفي أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، قدم أحد النواب الجمهوريين في الكونغرس الأميركي مشروع قانون يهدف إلى وقف كل المساعدات المالية، بما في ذلك الرواتب، للجيش حتى تحظر الدولة اللبنانية العمل السياسي لجماعة “حزب الله”.
ومنحت البيانات الوزارية منذ عام 2008 “حزب الله” الشرعية ككيان مسلح في البلاد إلى جانب الجيش، من دون تفصيل واضح للقيود المفروضة على دوره.
وقال العميد المتقاعد حسن جوني “الوضع يحتاج إلى تفاهمات سياسية داخلية لتحديد دور ’حزب الله‘ في المجال الأمني والعسكري بلبنان”.