رفض إسرائيل وقف النار في غزة، لا يعني سوى المضي في الضغط على المدنيين الفلسطينيين قتلاً وقصفاً ومحاصرة 2.4 مليون شخص في شريط ضيق من جنوب غزة وسط انعدام أي مقوم من مقومات العيش، لا غذاء ولا ماء ولا كهرباء ولا اتصالات ولا مستشفيات.
هذه بيئة من المستحيل العيش فيها ولن يلبث أن ينتشر الجوع والأوبئة، كل ذلك من أجل دفع الفلسطينيين دفعاً إلى الخروج من غزة في اتجاه سيناء. وعندها ستقول إسرائيل للعالم إن الفلسطينيين هم من اختاروا الانتقال إلى سيناء وإنها ليست المسؤولة عن تهجيرهم قسرياً، بل هم اختاروا بملء إرادتهم الخروج من هذا الجحيم الذي صنعته آلة الحرب الإسرائيلية.
مضحكة تلك المواقف التي تصدر عن مسؤولين أميركيين وأوروبيين وكلها ترفض “الهجرة القسرية” للفلسطينيين. لكن ماذا يفعل هؤلاء لوقف المجزرة بكل أشكالها. لا شيء… ما من أحد منهم يتجرأ على الطلب من إسرائيل وقفاً للنار. كلهم يطالبون بالهدن الإنسانية التي هي عبارة عن تورية لاستمرار القتل، ليس إلا… أين قرار مجلس الأمن الذي تحدث عن “هدنة إنسانية ممتدة”؟
قالها وزير الزراعة الإسرائيلي آفي ديختر، إن ما ينتظر غزة هو نكبة على غرار نكبة 1948، هكذا “سينتهي الأمر” في القطاع. وبينما يجري المسؤولون في الولايات المتحدة مداولات في شأن مستقبل غزة، لا يعبأ نتنياهو ولا يوآف غالانت أو بيني غانتس بكل هذا الكلام، وتواصل “حكومة الحرب” الضغط على الفلسطينيين بهدف واحد هو دفعهم إلى سيناء، فكم بالحري ببقية الشركاء القوميين والمتدينيين من أقصى اليمين أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وعميحاي إلياهو صاحب “الخيار النووي”.
بكلام ملطف، يطلب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، وهو يجول على مستوطنات غلاف غزة تضامناً مع إسرائيل، ألا “تعميها الرغبة في الانتقام” خلال شنها الحرب على غزة. 45 يوماً ليست كافية كي تشفي إسرائيل غليلها بعد. أما المستشار الألماني، فيتصل بنتنياهو ليلفت نظره إلى أن “هناك حاجة ملحة” إلى تحسين الوضع الإنساني للمدنيين في غزة. أما الرئيس الأميركي جو بايدن فلا يزال يعتقد أنه من المبكر أن يبادر إلى الدعوة إلى وقف لإطلاق النار. متى تحين هذه اللحظة، هذا تقدير عائد فقط إلى سيد البيت الأبيض راعي “الأنظمة الديموقراطية” ومناهض “الأنظمة الاستبدادية” في العالم. ويبدو أن أطفال غزة يقعون في التصنيف الثاني حتى قبل أن يولدوا.
هذا “العالم الديموقراطي” الذي تقوده أميركا، لا يفعل شيئاً سوى إتاحة الوقت أمام إسرائيل كي تنتهي من خطتها الفعلية التي أعدتها لغزة، وهي أن تكون أرضاً بلا سكان. هذا شرط المستوطنين في غلاف غزة، وغداً سيكون هذا شرط المستوطنين في الضفة الغربية. وما دامت أميركا ومعها أوروبا هما من تقرران الصح والخطأ في هذا العالم، فمن سيحاسب إسرائيل إذا ما دفعت الفلسطينيين إلى نكبة ثانية؟
جعل نتنياهو من الحرب على غزة بمستوى “حرب الاستقلال الثاني” لإسرائيل. وكما أدى “الاستقلال الأول” إلى تهجير 750 ألف فلسطيني من ديارهم عام 1948، فإن نتنياهو في حرب “الاستقلال الثاني” يعمل على دفع ملايين الفلسطينيين إلى الخروج من ديارهم في غزة والضفة الغربية.
يعمل نتنياهو وشركاؤه في “حكومة الحرب” على أن القتال لن يتوقف ما دامت غزة تشكل تهديداً لإسرائيل. متى لا تعود غزة تشكل مثل هذا التهديد… فقط في حالة واحدة وهي أن تكون قد فرغت من سكانها.
ومن أين سيحظى نتنياهو بلحظة مثل هذه يقف فيها رئيس أكبر دولة في العالم، ليقول له إن الولايات المتحدة تقف مع إسرائيل بلا حدود ومن دون أي قيود!!!