لا يشكل انخفاض معدل التأييد الشعبي للرئيس الأميركي بايدن إلى أدنى مستوى خلال رئاسته (40 في المئة)، سوى جزء واحد من الخطر المحدق به في انتخابات الرئاسة الأميركية 2024، فهناك ثلاثة أسماء مشهورة أعلنت ترشحها، وقد ينضم إليها اسم آخر أكثر أهمية، وكل هؤلاء يمكنهم سحب عديد من أصوات الليبراليين والديمقراطيين، ما يجعل فرص فوز بايدن في مهب الريح، ويضع الرئيس السابق دونالد ترمب الذي يعد أوفر المرشحين حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري على بعد خطوة من العودة إلى البيت الابيض ، فمن هم هؤلاء البدلاء؟ وكيف يمكنهم تغيير مسار السباق الرئاسي الأميركي؟
الخطر الأولي
حتى الآن، يبدو من المرجح أن يواجه الرئيس جو بايدن الرئيس السابق ترمب في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وهي معركة ستكون من دون شك ساخنة للغاية وغير مأمونة العواقب في ظل تقارب فرص هذين المرشحين اللذين لا يريد غالبية الأميركيين أن يفوز أي منهما بدورة رئاسية ثانية، بحسب استطلاعات رأي عدة، فالرئيس الحالي يعاني من فضائح نجله هانتر الذي يواجه تحقيقات فيدرالية وتحقيقات أخرى من لجان الكونغرس، التي قد تؤدي إلى مساءلة بايدن نفسه من قبل الجمهوريين في مسعى لعزله.
كما أنه بمناسبة عيد ميلاده الـ81 الذي احتفل به الإثنين الماضي، ثارت مجدداً عديد من التساؤلات حول أهليته للحكم بسبب تقدمه في السن وضعف بنيانه الجسدي، ومخاوف من ألا يتمكن من استكمال دورة رئاسية ثانية تنتهي في عمر 86 سنة، بينما تعد كامالا هاريس نائبة الرئيس التي ستحل محله في البيت الأبيض في حال وفاته أو عجزه عن الحكم، سبباً آخر للمخاوف، كونها تحظى بشعبية تماثل تأييد بايدن المتدهور.
وزاد على ذلك، عدم موافقة أغلبية كبيرة من جميع الناخبين الأميركيين على تعامله مع السياسية الخارجية والحرب بين إسرائيل و”حماس”، وفقاً لأحدث استطلاع أجرته شبكة “أن بي سي نيوز”، إذ تجلى تآكل شعبية بايدن بشكل أكثر وضوحاً بين الديمقراطيين، الذين يعتقد أغلبهم أن إسرائيل قد ذهبت بعيداً جداً في عملها العسكري في غزة، بخاصة بين الناخبين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 34 سنة، إذ رفض 70 في المئة منهم طريقة تعامل بايدن مع الحرب، وهو نذير خطر كبير له.
أما الرئيس ترمب، فيواجه عديداً من القضايا التي يمكن أن تنتهي واحدة منها أو أكثر بإدانته وربما إيداعه السجن لسنوات عدة، وهو ما يهدد فرصة فوزه بالانتخابات ضد أي منافس ديمقراطي، سواء كان بايدن أو غيره.
الخطر الأكبر
لكن على رغم رهان فريق الرئيس الانتخابي على إمكانية تحسن معدل تأييده بين الديمقراطيين والمستقلين بعد 11 شهراً من الآن، حينما يحين موعد الانتخابات، ظناً منهم أن ما يحمله البديل الآخر، وهو فوز ترمب بدورة حكم ثانية، سيدفع الديمقراطيين إلى التصويت لبايدن، إلا أن هناك خطراً أكبر يتمثل في عدد من بدلاء بايدن الذين ترشحوا بالفعل أو يحتمل أن يترشحوا عبر حزب ثالث أو كمستقلين، مما ينذر بتقسيم أصوات الديمقراطيين، وقد يكلف جو بايدن الانتخابات الرئاسية ويمنح الفوز لمنافسه الجمهوري ترمب.
ويشعر الديمقراطيون بقلق بالغ من أن أي مرشح لحزب ثالث أو مرشح تدعمه مجموعة “بلا تسميات” التي تميل لاستقطاب الوسطيين من غير الحزبين، سيشكل خطراً على حظوظ بايدن الانتخابية، بالنظر إلى التجارب التي شهدتها الانتخابات الرئاسية الأميركية خلال العقود الأربعة الماضية.
دروس التاريخ
وعلى سبيل المثال، خسر المرشح الديمقراطي آل غور نائب الرئيس بيل كلينتون الانتخابات عام 2000، بفارق 537 صوتاً في ولاية فلوريدا، الذي تسبب فيه بشكل رئيس وجود مرشح لحزب الخضر وهو رالف نادر الذي فاز في فلوريدا بنحو 100 ألف صوت، كان من المؤكد أن غالبيتهم سيصوتون للمرشح الديمقراطي المهتم أصلاً بقضايا البيئة والمناخ.
وفي 2016 خسرت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون الانتخابات الرئاسية ضد الرئيس ترمب في بنسلفانيا بفارق 48 ألف صوت، وفي ميشيغان بفارق 11 ألف صوت، وفي ويسكنسن بفارق 23 ألف صوت، في حين حصلت مرشحة حزب الخضر جيل شتاين على أصوات أكثر من هذه الهوامش في الولايات الثلاث، التي كان من الممكن أن تذهب لهيلاري كلينتون.
أما بالنسبة إلى الجمهوريين، فقد خسر الرئيس الراحل جورج إتش بوش (الأب) الانتخابات عام 1992، ضد الرئيس بيل كلينتون، بسبب وجود مرشح شعبوي قريب من توجه الجمهوريين، وهو رجل الأعمال الملياردير روس بيرو الذي حصل على 18.9 في المئة من الأصوات الشعبية، التي من دونه كان يمكن أن يذهب أغلبيتها إلى الرئيس بوش الذي حصل على 37.4 في المئة من الأصوات مقابل 43 في المئة حصل عليها كلينتون وفاز من خلالها بالبيت الأبيض.
وبالنظر إلى خريطة المرشحين الحاليين والمحتملين الذين يمكن أن يجتذبوا أصوات الديمقراطيين والوسطيين الذين يميلون للتصويت للحزب الديمقراطي، تبدو الصورة غير مريحة للرئيس بايدن، وفي ما يلي أسماء هؤلاء المرشحين:
روبرت كينيدي جونيور
يعد روبرت كينيدي (الابن) وهو نجل السيناتور والمرشح الرئاسي الليبرالي روبرت كينيدي الذي اغتيل عام 1968، المرشح الأكثر تأثيراً في السباق، والأصعب بقياسه في الوقت نفسه، إذ إنه استهل ترشحه ببداية قوية ضد بايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي مدعوماً بتاريخ واسم عائلة كينيدي الشهير، الذي لا يزال يحظى بقدر كبير من الاحترام والتقدير بين الأميركيين، لكنه بعد أسابيع من انطلاق حملته، استقر تأييده عند نقطة معينة في استطلاعات الرأي، ما دفعه إلى إطلاق حملة مستقلة في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ومع ذلك، فإن ترشحه كمستقل سوف يجذب أصوات بعض الديمقراطيين والجمهوريين، حيث يشير استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك في الأول من نوفمبر، إلى أنه في سباق ثلاثي بين بايدن وترمب وكينيدي، قد يحصل سليل عائلة كينيدي على عدد أكبر من الناخبين من الجمهوريين مقارنة بالديمقراطيين، إذ يميل 14 في المئة من الجمهوريين إلى التصويت لصالح كينيدي في هذا السيناريو، مقارنة بنحو 12 في المئة من الديمقراطيين.
وتعود أفضلية كينيدي بين الجمهوريين إلى شكوكه العميقة في اللقاحات، كما أن ميله إلى الإشارة نحو نظريات المؤامرة، يتناسب تماماً مع خطاب ترمب ونظرته للعالم، بخاصة مع فكرة أن النخب في أميركا تتآمر ضد مصالح الناس العاديين، كما أن وجهة نظر كينيدي للحرب في أوكرانيا تركز في الأساس على أن الغرب تبنى موقفاً عدوانياً مفرطاً تجاه روسيا، بما في ذلك السعي نحو توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً، وهي وجهة نظر تشترك مع ترمب أكثر من بايدن.
علاوة على ذلك، أدى تحول كينيدي من متمرد ديمقراطي إلى مرشح مستقل إلى تغيير ملحوظ في التغطية الإعلامية من بعض وسائل الإعلام المحافظة، التي كانت تمتدحه حينما كان منافساً لبايدن داخل الحزب الديمقراطي، ثم بدأت تنتقده حينما أصبح مرشحاً مستقلاً.
كورنيل ويست
لكن على خلاف ذلك، يعد كورنيل ويست وهو أكاديمي ومحاضر في جامعة هارفرد وناشط سياسي يتمتع بجاذبية خطابية، المرشح اليساري المتشدد الذي يشكل خطورة على بايدن، بخاصة أنه يتميز بالقدرة على جذب أصوات مجتمع أصحاب البشرة السمراء، التي يحتاجها بايدن بشدة كي يفوز في الانتخابات.
وفي حين خاض السيناتور بيرني ساندرز انتخابات 2016 و2020 من داخل الحزب، وتمكن من جذب نسبة مهمة من الأصوات، فإن كورنيل ويست الذي يشارك ساندرز الكثير من النظرة العالمية للاشتراكيين الديمقراطيين، يترشح مستقلاً بعدما ترك حزب الخضر، ويتبنى الآن أفكاراً مفادها بأن أميركا تعاني من عدم المساواة إلى حد كبير، وأنه لم يتم بذل ما يكفي لتحسين محنة الفقراء، وأن كلا الحزبين الرئيسين يخضعان لمصالح الشركات والأفراد الأثرياء.
ومع احتدام الصراع بين إسرائيل و”حماس”، كان ويست في مقدمة من عبروا عن سخطهم وتعاطفهم إزاء المعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون، وهو ما قد يجذب إليه الأصوات التي ترفض بايدن على أساس موقفه من الصراع في الشرق الأوسط، وقد أشار استطلاع كوينيبياك إلى أنه في سباق رباعي بين بايدن وترمب وكينيدي وويست، حصل ويست على دعم بنسبة ستة في المئة، بأغلبية ساحقة من الديمقراطيين والمستقلين.
وليس أدل على خطر كورنيل ويست من استهدافه ولاية ميشيغان عبر مغازلته مجموعات الناخبين التي يكافح جو بايدن معها في الولاية، حيث يمكن لنقطة مئوية واحدة أن تحدث فرقاً في محاولة إعادة انتخاب الرئيس، إذ يركز على استقطاب العرب الأميركيين في ديربورن، وأغلبية أصحاب البشرة السمراء في بعض المدن، وطلاب الجامعات والسكان الأصليين، وفقاً لموقع “بوليتيكو”.
جيل شتاين
أعلنت جيل شتاين ترشحها عن حزب الخضر قبل أيام قليلة فقط، حين ظهرت بإعلان على وسائل التواصل الاجتماعي الخميس الماضي، تقول فيه إن النظام السياسي في أميركا فاشل ويحتاج للإصلاح. وقالت في مقطع فيديو “إن الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة (الجمهوري والديمقراطي) هما حزبا وول ستريت، إذ يتم شراؤهما ودفع ثمنهما، وإن أكثر من 60 في المئة من الأميركيين الآن يقولون إن المؤسسة المؤلفة من الحزبين خذلت الشعب، الذي يحتاج إلى حزب يخدمه”.
وعلى رغم أن شتاين ترشحت للرئاسة في عامي 2012 و2016، وتكرر الترشح نفسه لعام 2024، إلا أن هناك شكوكاً كبيرة حول ما إذا كانت ستكون عاملاً رئيساً هذه المرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه من المتوقع أن يقتطع كل من كينيدي وويست من قاعدة الدعم المتواضعة بالفعل لحزب الخضر.
ومع ذلك، تبقى شتاين هدفاً لغضب الديمقراطيين المحبطين الذين يعتبرون أنها أسهمت بقوة في خسارة هيلاري كلينتون في انتخابات 2016، التي فاز بها بايدن، لأن الأصوات التي حصلت عليها في ولايات ميشيغان ووسكنسن وبنسلفانيا تفوق هامش فوز ترمب في الولايات الثلاث، ولهذا قد يرفض الناخبون ذوو الميول اليسارية دعم شتاين مرة أخرى عام 2024، بخاصة إذا كان ترمب على بطاقة الاقتراع.
السيناتور جو مانشين
على خلاف المرشحين البدلاء الثلاثة السابقين، فإن السيناتور الديمقراطي جو مانشين هو الوحيد الذي لم يعلن بعد عن ترشحه رسمياً، لكن تصريحاته الأسبوع الماضي عن تقاعده في مجلس الشيوخ، وعدم ترشحه لدورة انتخابية جديدة عن ولاية ويست فيرجينيا، واعتزامه السفر عبر الولايات الأميركية المختلفة لمعرفة ما إذا كانت هناك مصلحة في إنشاء حركة لتعبئة الوسط وجمع الأميركيين معاً، أثارت تكهنات قوية بأنه قد يترشح للمنصب الرئاسي في انتخابات 2024.
وتظهر خطورة ترشح مانشين بالنسبة إلى بايدن، في أن فكرة تعبئة الوسط تتوافق مع مجموعة “بلا تسميات”، التي كان مانشين يغازلها منذ فترة طويلة، وهي مجموعة تواجه كثيراً من الانتقادات من الديمقراطيين، الذين يتهمونها بالتورط في شيء يشبه عملية الالتفاف حول حزب آخر لمساعدة الجمهوريين في الانتخابات.
وتسلط جماعة “بلا تسميات” الضوء على استطلاعات الرأي التي تؤكد عدم رضا الأميركيين عن الخيارات المتاحة من الحزبين، لكنها على رغم حصولها على إمكانية الاقتراع لمرشحيها في 12 ولاية بحسب القانون، إلا أنه من غير المتوقع أن تقرر المجموعة ما إذا كانت ستقرر خوض غمار الانتخابات إلا بعد مارس (آذار) أو أبريل (نيسان) 2024.
ومع ذلك، هناك شكوك أخرى حول ما إذا كانت هناك موجة كبيرة من الدعم لمانشين، إذ يرى موقع “ذا هيل” أنه ليس محبوباً على نطاق واسع بين الديمقراطيين، وليس من الواضح على الإطلاق لماذا يصوت الناخبون الجمهوريون أو المستقلون ذوو الميول اليمينية لصالح سيناتور ديمقراطي منذ زمن بعيد.