يدخل العراق عام 2025 بتغيرات سياسية جوهرية حدثت تباعاً في محيطه الإقليمي، لا سيما سقوط النظام السوري وانكشاف نظيره الإيراني، بينما تتمدد تركيا سياسياً وجغرافياً، وهي كلها دول وأنظمة فاعلة/لاعبة ضمن الفضاء السياسي الداخلي للعراق، في عام من المفترض أن يشهد انتخابات برلمانية عامة، ستكون حاسمة في تحديد السياق الذي ستسير فيه البلاد خلال السنوات المقبلة.
أكبر هواجس الحكومة والساسة العراقيين في العام الجديد يتمثل في إمكان وقوع صِدام مباشر وصفري بين إسرائيل وفصائل الحشد الشعبي، على شاكلة ما مارسته إسرائيل بحق حركة “حماس” و”حزب الله” والنظام السوري، إذا ما صنفت إسرائيل فصائل الحشد تنظيمات واستطالات سياسية وعسكرية لإيران، وتالياً الإصرار على تحطيمها عسكرياً، عبر عمليات قصف متواصلة لفترة مفتوحة.
ولو حدث ذلك، حسبما يتوقع أغلب المراقبين للمشهد العراقي، فإن الحكومة الراهنة سترى نفسها في “حرج استراتيجي”، لأنها لو اختارت دعم فصائل الحشد الشعبي، ستدخل في حرب مباشرة مع إسرائيل، في وقت تعرف فيه تماماً فارق القوة العسكرية بينهما، بالذات في القطاع الجوي، حيث لا يملك الجيش العراقي إلا بضع طائرات حربية، ومن دون تغطية وحماية من رادارات وأنظمة دفاع جوي، الأمر الذي قد يعني إمكان اندفاع إسرائيل لتحطيم البنية التحتية العسكرية العراقية.
العكس تماماً ليس أقل وطأة على العراق. فلو استنكفت الحكومة الاتحادية عن تقديم الدعم العسكري لفصائل الحشد في هذه المواجهة المحتملة، إذ أن هذه الأخيرة جزء من القوات المسلحة الرسمية في البلاد، فإن صِداماً سياسياً وعسكرياً حادّاً قد يحدث في البلاد، على دفتي الجهات الداعمة للحشد الشعبي أو العكس، بالذات ضمن “البيئة الشعبية الشيعية”، وهو ما قد يخلق “حرباً أهلية مركبة”، ضمن البيئة نفسها، ويخلق وقائع سياسية وأمنية مختلفة تماماً في البلاد.
في عراق العام الجديد، لا ينفصل هذا الهاجس الأكبر، مثل كل تفاصيل الحياة السياسية والأمنية في البلاد، عن حجم النفوذ الإيراني ودوره وآلياته وسلوكه ضمن العراق. فإيران التي تعودت طوال عقد كامل، على الأقل، على أن تكون الفاعل والمؤثر شبه المطلق في المعادلة العراقية، صارت سياسياً وأمنياً “أضعف بكثير” مما كانت عليه قبل عام واحد فحسب، مكشوفة لمختلف الفاعلين الإقليميين، ويتم تفكيك/تحطيم أذرعها السياسية والأمنية تباعاً، ومن دون رد فعل حازم منها .
النفوذ الإيراني المتوقع ضعفه ضمن العراق بالتقادم خلال العام الجديد، ليس فاعلاً خارجياً قط، لأن قطاعاً واسعاً من التنظيمات السياسية والفصائل العسكرية العراقية الحاكمة تعتمد على هذا النفوذ بشكل رئيسي لترتيب مواقعها ضمن هيكل السلطة الحاكمة للبلاد، وهذا التبدل/الضعف في الدور الإيراني، قد يُغري قوى سياسية عراقية أخرى، أقل تداخلية وتبعية للنفوذ الإيراني، بأن تتجرأ وتزاحم هذه التنظيمات والطبقة السياسية الحاكمة للعراق منذ عقدين، وهو ما قد يعني فعلياً انقلاباً سياسياً واضحاً في المشهد السياسي العام في البلاد.
الكاتب والباحث السياسي أمير مرضي علاوي شرح في حديث إلى “النهار” ما اسماه “انهيار الزمن الإيراني في العراق”، وقال: “إيران في العراق ليست مجرد دولة نافذة سياسياً أو مهيمنة عسكرياً بشكل نسبي، يتجاوز الأمر ذلك تماماً، في تطابق تام مع نمط السيطرة الإيرانية على الكيانات المرتبطة بها، اذ تمد نفوذها وأشكال سيطرتها إلى كل مناحي الحياة، من السياسة والأمن إلى الاقتصاد والثقافة والإعلام والعشائر والاستخبارات وكل شيء آخر. تفكك النفوذ الإيراني، أو ضعفه وانكشافه على الأقل، سينعكس كتبدل دراماتيكي على شكل العراق، لو صح التعبير، وسيؤدي إلى ولادة نظام سياسي وعام جديد في البلاد. وطبعاً من غير المعلوم إن كانت دولة أو دول إقليمية أخرى ستملأ هذا الفراغ الاستراتيجي في العراق، أو أن القوى االسياسية العراقية ستتمكن من بناء فضاء سياسي داخلي وطني، أكثر استقلالية عن المحيط الإقليمي”.
ستكون الانتخابات البرلمانية العامة أواسط العام الجديد، أكبر مؤشر إلى التبدلات السياسية التي ستشهدها البلاد، فتشكيلة البرلمان سترسم الحكومة/السلطة الجديدة، وتالياً ما سيكون عليه العراق لسنوات كثيرة مقبلة.
الأسئلة الجوهرية الخاصة بالانتخابات العامة تتعلق بتفاصيل مثل إمكان عودة التيار الصدري إلى المشهد السياسي في البلاد عبر هذه الانتخابات أو لا، ومدى قدرته على التحالف مع اللائحة التي سيشكلها رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، الطامح لتشكيل حكومة جديدة، أكثر استقلالاً عن قوى “الإطار التنسيقي” المقربة من إيران، الداعمة للسوداني رسمياً، لكن الخاشية والقلقة من تمدد نفوذه، من جهة أخرى. وهذا كله مرتبط بردة فعل القوى المرتبطة بإيران داخل المشهد، وإمكان تسليمها/تخليها عن نواة السلطة في العراق، فيما لو خسرت هذه الانتخابات، كما هو متوقع.