كان عام 2024 عام المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية بامتياز. اشتعلت كافة الجبهات التي تجمع القطبين، وحملت الأشهر الأخيرة متغيّرات لم تحصل طيلة فترة الصراع، ترجمت بشكل حرفيّ مقولة الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين “تمرّ عقود ولا يحدث شيء، ثمّ أسابيع يحدث فيها كلّ شيء”، وهو الواقع الذي شهده الشرق الأوسط خلال الربع الأخير من العام 2024.
اشتعل الصراع بين إيران وإسرائيل ووصل إلى ذروته، تمكّنت تل أبيب خلاله من تحقيق تقدّم نوعي ضدّ طهران. دمّرت معظم قدرات “حزب الله” القتالية من خلال الحرب ونفّذت أخطر عملية استخباراتية ضدّه، أي عملية “البايجرز”، وشنّت عدداً قياسياً من الضربات ضدّ جيش النظام السوري السابق والمواقع الإيرانية في سوريا ما أفقدهما قوّتهما فسقط الأسد.
لا تشي المعطيات والوقائع بأن الحرب الإيرانية – الإسرائيلية شارفت على نهايتها، بل إن المؤشرات تقول إن الاشتباك سيستمرّ في العام 2025، والضربات المباشرة التي حصلت في العام الحالي قد تتكرّر بشكل موجع أكثر مع نقل صحيفة “هآرتس” عن مسؤول عسكري رفيع في الجيش الإسرائيلي قوله إنّ سلاح الجو يستعدّ لتنفيذ “المهمة الكبرى” المقبلة، التي تستهدف إيران.
الشكوك بعملية محتملة ضدّ إيران عزّزها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي قال إن كلّ المنظومات الإسرائيلية تستعدّ لعملية ضدّ إيران بسبب الاحتمال الضعيف للحلّ الديبلوماسي، وهو الأمر الذي يتوقّعه أليكس فاتانكا، المدير المؤسس لبرنامج إيران في معهد الشرق الأوسط، الذي يرى في حديث لـ”النهار” أنّ “الإسرائيليين عازمون على مواصلة ضرب إيران ووكلائها”.
تقرير لوكالة “رويترز” يتوقّع أن يكون عام 2025 “عام الحساب لنتنياهو وإيران”، ومن المقرّر حسب التقرير أن يعمل الزعيم الإسرائيلي على ترسيخ أهدافه الإستراتيجية، ضمناً “إحباط الطموحات النووية الإيرانية”، ما يفتح الباب أمام احتمال ضرب مراكز تخصيب نووي إيرانية بعدما استهدفت إسرائيل دفاعات جوّية قبل أشهر معرّية المواقع.
يبدو نتنياهو على استعداد للتركيز على مشاريع إيران النووية بعدما فكّك محور فيلق القدس وأضعفه، وإذ تقف إيران على مفترق طرق بين الاستمرار بتخصيب اليورانيوم أو المفاوضات وتقليص الأنشطة النووية، فإنّ جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية يرى أنّ “إيران معرّضة بشدّة لخطر الهجوم الإسرائيلي”.
يتحدّث فاتانكا عن توقّعات المحللين الإيرانيين، التي تقول إن “القوات الموالية لإيران في العراق واليمن ستكون التالية مع استمرار الولايات المتحدة وإسرائيل في تفكيك محور المقاومة في جميع أنحاء المنطقة”، لكن ثمّة فرضيات تتحدّث عن ضرب الرأس بدل الذراع، وتتناسق الفرضية مع اقتراح رئيس الموساد ديفيد برنياع على المستوى السياسي توجيه ضربة لإيران بدلاً من استهداف الحوثيين.
ما يعمّق من أزمة إيران ويزيد من خطورة تنفيذ هجمات ضدّها هو الانشغال الروسي المستمرّ في حرب أوكرانيا وشؤون أوروبا الشرقية، وفي هذا السياق، يقول فاتانكا إنّ “موسكو منشغلة بالحرب مع كييف، ولا تقدّم الكثير من المساعدات للإستراتيجية العسكرية الإقليمية لإيران”، وقد يكون سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعقد اتفاق مع الرئيس الأميركيّ الجديد دونالد ترامب عاملاً سيئاً لإيران يُبعد موسكو عن طهران.
إذاً، فإنّ عاماً مليئاً بالتوتّر منتظر بين إيران وإسرائيل، قد تسعى خلاله الأخيرة إلى استكمال ما بدأته في العام الحالي، أي تفكيك المحور الإيراني وإضعافه إلى أقصى الحدود، فيما إيران تواجه منهكة مثقلة بالعقوبات الاقتصادية والخسائر الميدانية من “حزب الله” وصولاً إلى نظام الأسد.