أوقفت أوكرانيا مد الغاز الروسي عبر أراضيها إلى بعض الدول الأوروبية عبر رفضها تجديد عقد ترانزيت كانت قد وقعته مع روسيا منذ خمسة أعوام. ظل العقد قائماً بالرغم من الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا بدءاً من شباط (فبراير) 2022.
خلال قمة في بروكسل الشهر الماضي، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بلاده لن تسمح لروسيا بالحصول على “مليارات إضافية فوق دمائنا”. وكتب زيلينسكي على منصة “أكس” الأربعاء بعد خول القرار حيز التنفيذ أن قطع الغاز الروسي كان “واحداً من أكبر هزائم موسكو”. وسارعت بولندا، إحدى أكثر الدول الأوروبية دعماً لكييف، إلى توصيف الخطوة بأنها “انتصار آخر” ضد موسكو. في جميع الأحوال، كان الحديث في أوكرانيا عن الاتجاه إلى عدم تجديد العقد سائداً منذ بداية سنة 2024 على الأقل، وبالتالي، لم تكن الخطوة الأخيرة مفاجئة.
خسائر
استفادت أوكرانيا مالياً من رسوم الترانزيت على أراضيها، بالرغم من أن روسيا كانت المستفيد الأكبر. في السنوات الأخيرة، كانت كييف تستفيد من رسوم الترانزيت بما يتراوح بين 800 مليون دولار وحتى مليار دولار سنوياً بحسب تقديرات أخرى. بينما بلغ الرقم بين 5 و 6.5 مليارات دولار بالنسبة إلى موسكو.
تتجه الأنظار إلى أوروبا أيضاً لمعرفة تأثير الخطوة الأوكرانية على استقرارها الاقتصادي. يعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن القرار الأوكراني سينعكس سلباً على أمن أوروبا. بالمقابل يبدو الأوروبيون متفائلين، ويقولون إنهم استعدوا لذلك منذ فترة. وانخفضت واردات أوروبا من الغاز الروسي من 40 في المئة سنة 2021 إلى 10 في المئة سنة 2023 بحسب أرقام التكتل.
بالرغم من الاستعداد الأوروبي لهذه الخطوة، يبقى أنها حصلت في ذروة الطلب على الغاز وسط فصل الشتاء مع موجة برد قارسة في شمال أوروبا. وارتفعت أسعار الغاز بعد نهاية عطلة رأس السنة نحو 4 في المئة إلى 52 دولاراً للميغاوات الواحد في الساعة، وهي الأعلى لها منذ تخطيها 330 دولاراً للميغاوات عقب الاجتياح سنة 2022. لكنها عادت وانخفضت قليلاً في وقت لاحق.
توتر مع سلوفاكيا
كانت صادرات روسيا من الغاز تصل إلى أوروبا عبر أربعة خطوط رئيسية، واحد عبر بحر البلطيق، والثاني عبر بيلاروسيا وبولندا، والثالث عبر أوكرانيا، والرابع عبر البحر الأسود مروراً بتركيا وبلغاريا. بعد الحرب، قطعت روسيا معظم الإمدادات عبر البلطيق وبيلاروسيا بسبب خلافات حول طلب بالدفع بالعملة الروسية. وتعرض خط البلطيق إلى تخريب لكن تفاصيل الجهة التي تقف وراءه لا تزال غامضة. بعد عدم تجديد العقد، لم يبقَ إلا الخط الرابع فعالاً. وعلى أي حال، مثّل حجم صادرات الغاز التي مرت عبر أوكرانيا إلى أوروبا نحو 5 في المئة فقط من إجمالي صادرات الغاز الروسية إلى أوروبا.
وساد توتر خاص بين أوكرانيا وسلوفاكيا حيث قام رئيس حكومة الأخيرة روبرتو فيكو بزيارة بوتين في 22 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وهي زيارة لقيت انتقاداً من زيلينسكي. رأى الرئيس الأوكراني أن فيكو لم يعمل على وقف اعتماد دولته على الغاز الروسي ووصف الأمر بأنه “قضية أمنية كبيرة”.
من بين الدول الأوروبية الأكثر اعتماداً على الغاز الروسي، برزت بشكل خاص إيطاليا والنمسا والمجر وسلوفاكيا. تحصل النمسا على كل حاجاتها من الغاز الروسي تقريباً عبر أوكرانيا، بينما تحصل سلوفاكيا على ثلثي حاجاتها من خط الأنابيب المتوقف حديثاً. لكن جميع هذه الدول تملك بدائل مناسبة إلى حد ما، باستثناء سلوفاكيا، بحسب المحلل في مركز “كارنيغي” لشؤون روسيا وأوراسيا سيرغي فاكولنكو.
رداً على ذلك، هدد فيكو بقطع الكهرباء السلوفاكية عن أوكرانيا. لكن بولندا أعربت عن استعدادها لتعويض النقص في الطاقة إذا نفذت سلوفاكيا تهديدها، بحسب تقرير لشبكة “بلومبرغ”. وتمثل سلوفاكيا نحو خُمس واردات أوكرانيا من الطاقة الكهربائية.
هل تقصف خط الأنابيب؟
قد تترك خطوة أوكرانيا الأخيرة تداعيات طويلة المدى على العلاقات بين روسيا وأوروبا. نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن خبراء عسكريين قولهم إن عدم قبول أوكرانيا تجديد العقد يعني أن روسيا فقدت الرادع أمام قصف شبكة كييف من خط الأنابيب.
ليس محتماً أن تصل الأمور إلى هذا الحد. من جهة، يقرب عمر خط الأنابيب من 60 عاماً، بالتالي من غير المنطقي أن تقصف روسيا جزءاً من استثماراتها الخاصة. من جهة ثانية، تزداد مؤشرات قرب جلوس روسيا وأوكرانيا إلى طاولة التفاوض بالتوازي مع وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. بمعنى آخر، قد يكون السلام قريباً، ومعه ربما، الرفع التدريجي للعقوبات بما فيها تلك المرتبطة بالطاقة.
يقول أحد خبراء السوق لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إنه “في مرحلة ما سيكون هناك اتفاق سلام… واحد من الأمور التي ستحصل عليها روسيا (بالمقابل) هي قدرتها على إعادة مد” أوروبا بغازها الذي يعد أرخص من الغاز المسال.
بالتوازي، وبما أن قدرة أوكرانيا على الترانزيت ضخمة وتبلغ نحو 150 مليار متر مكعب سنوياً، قد يكون احتمال قصف موسكو للشبكة الأوكرانية غير مرتفع جداً.