برز تطور في جهود الوساطة السياسية التي يقودها زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني الرئيس السابق لإقليم كردستان مسعود بارزاني، سواء بين مختلف القوى السياسية الكردية السورية، أم بينها وبين كُل من تركيا والقيادة الجديدة في سوريا. هذا التطور تمثل في الاجتماع بين بارزاني وقائد “قوات سوريا الديموقراطية” مظلوم عبدي.
المعلومات القليلة التي صدرت عن الاجتماع أوحت بالإيجابية، كما عبر عضو المكتب السياسي في الحزب الديموقراطي الكردستاني ووزير خارجية العراق السابق هوشيار زيباري الذي كتب على صفحته الرسمية في منصة X: “اللقاء الذي عقد اليوم في أربيل يعد إنجازاً كبيراً لتعزيز الوحدة الكردية، وتمكين الحكام السوريين الجدد في دمشق من تحقيق انتقال سياسي سلس”، وأضاف زيباري: “شكراً لكل حلفائنا وأصدقائنا”. ما اعتبره المراقبون بمثابة إشارة إلى إحراز إقليم كردستان تقدماً في جهود الوساطة الثلاثية التي يقودها بين “قوات سوريا الديموراطية” وتركيا والقيادة السورية الجديدة، بإشراف الولايات المتحدة وحضورها.
مصدر سياسي كردي رفيع المستوى كشف لـ”النهار” بعض أجواء اللقاء، قائلاً إنه ناقش مطولاً ثلاثة ملفات رئيسية، هي آليات خلق وحدة سياسية داخلية بين أكراد سوريا، خصوصاً بين “مجلس سوريا الديموقراطية” الذي هو بمثابة الجناح السياسي لـ”قوات سوريا الديموقراطية”، وبين “المجلس الوطني الكردي السوري”، المؤلف من عدد من الأحزاب الكردية السورية “التقليدية”، المقربة من الحزب الديموقراطي الكردستاني في العراق، وتوصل هذه الأطراف إلى رؤية مشتركة بشأن مطالب أكراد سوريا من القيادة الجديدة لبلادهم.
أضاف المصدر أن اللقاء استعرض جهود الوساطة وحزمة المطالب التركية لتجنب الانجرار إلى أي مواجهة دموية في المستقبل المنظور، خصوصاً في ما يتعلق بفصل “قوات سوريا الديموقراطية” عن حزب العمال الكردستاني، وإخراج مقاتلي هذا الأخير من الأراضي السورية، في حال التوصل إلى اتفاق سياسي مع تركيا. كذلك استعرض الاجتماع اللقاءات التي جمعت “قوات سوريا الديموقراطية” مع القيادة الجديدة في سوريا، والتوافقات التي تم التوصل إليها، ونقاط الخلاف الباقية.
زيارة عبدي أربيل هي الأولى منذ أن تأسست قواته عام 2012، وكانت تسمى “وحدات حماية الشعب”، وهي ذات دلالة إلى إمكان تحوله إلى لاعب سياسي في المشهد السوري، خلال المرحلة المقبلة، مترئساً وفد الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا إلى القيادة السورية الجديدة.
وجاء الاجتماع عقب لقاء مظلوم عبدي مبعوث الرئيس بارزاني إلى سوريا الدكتور حميد دربندي في مدينة الحسكة السورية قبل أيام، ثم اجتماع الأخير مع قيادة “المجلس الوطني الكردي”، واضعاً الطرفين في أجواء رؤية إقليم كردستان الساعية لتوحيد الجهود.
مسؤول دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان، سفين دزيي، أشار صباح يوم اللقاء إلى وجود مساعٍ لتوحيد الموقف الكردي في سوريا، وأضاف خلال اجتماع مع القناصل والمبعوثين الديبلوماسيين في أربيل: “هدفنا هو عودة الأمن إلى جميع السوريين والكرد في كردستان سوريا”، مؤكداً وجود مساعٍ لتخفيف الضغط على أكراد سوريا، وتمكين من أسماهم “جميع الأطراف السياسية هناك من التفاوض بتوافق مع الإدارة الجديدة في دمشق، بهدف ضمان مستقبل جيد للكرد”.
الباحث السياسي الكردي السوري روند شيخموس شرح لـ “النهار” الصعوبات التي تواجه إقليم كردستان في هذه الوساطة، معتبراً أنها رغم ذلك عمل لا بُد منه بأي شكل، وقال: “تعرف كردستان أنها تخوض تفاوضاً مع جهة شديدة الاعتداد بالقوة العسكرية وفرض الإرادة السياسية عبرها، وبناء على معادلة صفرية شبه مطلقة، هي تركيا، التي تملك حزمة كبرى من المطالب، من دون أن تكون لديها رؤية وقابلية لتقديم شيء مقابل ما تطالب به. في الوقت نفسه، لا تبدو قوات سوريا الديموقراطية قابلة للتنازل عن أساسيات ما قامت لأجله، أي الاحتفاظ بالسلاح والتنظيم العسكري إلى حين التوصل إلى توافقات سياسية وشكل واضح للدولة السورية الجديدة، لأن عكس ذلك، برأيها، قد يعني الإطاحة بكل ما سعت لتحقيقه طوال السنوات الماضية مع الطرفين، والإدارة السورية الجديدة لا تملك أي أجندة، سواء لسوريا بعمومها أو وضع المنطقة الشمالية الشرقية والحقوق الكردية ضمنها”.
وأضاف شيخموس: “كل الصعوبة التي قد تواجه الوساطة بين أطراف من هذا النوع، لا يُمكن لها أن تمنع كردستان من الاستمرار بوساطته، لأن أمر أكراد سوريا، وكل سوريا، يمس مباشرة بأمن إقليم كردستان ومستقبل وجوده حتى، ولأجل ذلك تستدعي مساعدة دائمة من الحلفاء الموضوعيين لها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، ذات المصلحة المتطابقة في ذلك الشأن”.
من الجدير بالذكر أن إقليم كردستان خاض وساطات متعددة بين أكراد سوريا منذ سنوات، توصل بعضها إلى توافقات سياسية مكتوبة لم تُنفذ فعلياً، لكن المراقبين يشيرون إلى أن الظرف السياسي الراهن خاص للغاية، وغالباً سيكون دافعاً مشجعاً لمزيد من التقارب بين القوى السياسية الكردية السورية.