img

مع تنفيذ صفقة تبادل الأسرى المدنيين، أطفالا ونساء، بين إسرائيل و”حماس”، تكون غزة أمام خيارين: إما تحويل هذا الاتفاق الجزئي إلى حلول طويلة أو دائمة، أو مواصلة الحرب في القطاع وتدحرج نيرانها خارج الحدود في الضفة الغربية ومنطقة الشرق الأوسط.

الخيار الأول: لا شك أن صفقة الرهائن، أنجزت لأسباب تخص أهمية وكلفة هذا الملف لإسرائيل و”حماس” وإعطاء إدارة الرئيس جو بايدن “هدية” في “عيد الشكر” أولوية، فكانت “اللعبة الوحيدة” الموازية للمعركة والقصف في غزة.

مسودة الاتفاق، كانت موجودة على الطاولة منذ عشرين يوما، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يرفضها، بانتظار انتصار عسكري. وعندما حصل على “الاختراق” بوصول قواته إلى مجمع الشفاء وقطع أوصال قطاع غزة بين الشمال والجنوب، وهجّر أكثر من مليون شخص، وقتل آلاف المدنيين، وتأخر في الحسم، وسط تنامي الضغط الداخلي والخارجي، وافق على العرض.

عناصر الصفقة، هي المعايير التي وضعت، لأن هناك رغبة لدى البعض، في تطبيقها في صفقات لاحقة تخص الجنود والعسكر. تشمل: القوائم، الأعداد، المساعدات، الوقود، الجدول الزمني، القصف، والاستطلاع. سيسعى كل طرف سواء “حماس” أو إسرائيل أو الرعاة المصريين والقطريين والأميركيين، لنسخها في صفقة محتملة حول العسكريين. إسرائيل تريد تطبيق مبدأ ثلاثة فلسطينيين مقابل عسكري إسرائيلي، فيما تريد “حماس” صفقة كاملة: كل العسكريين الإسرائيليين مقابل كل السجناء الفلسطينيين.

هذه ليست البنود المهمة الوحيدة، بل هناك عنصر آخر أكثر أهمية، ألا وهو تحويل الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار. كيف؟

“حماس” تقول إن لديها 50 طفلا وامرأة، وهناك نحو عشرين لدى “الجهاد الإسلامي” وجهات أخرى. في حال نفذت الصفقة الأولى بنجاح، هناك من يطرح تمديد مدتها الزمنية أكثر من أربعة أيام، كي تشمل مدنيين آخرين. ويمكن لـ”حماس” ونتنياهو القبول بالتمديد وتلبية مطالب وتنامي الضغوط من الحلفاء والخصوم، للوصول إلى عناصر أخرى، هي:

-وقف إطلاق النار.

-صفقة تبادل العسكريين (هناك أكثر من 100 ضابط وعنصر بينهم أميركيون) مقابل سجناء فلسطينيين.

-آلية للمساعدات الإنسانية.

-رفع الحصار وآلية للإعمار.

-ترتيبات أمنية أشبه بهدنة طويلة.

– الحوكمة في غزة. (البعض تداول هيئة تشمل جهات وشخصيات سياسية عدة)

-مسار سياسي للاعتراف بـ”دولة فلسطين” وفق “حل الدولتين”.

 

يسمح هذا المسار، كاملا أو جزئيا، لكل من نتنياهو و”حماس” بالقول إنه حقق بعض أهدافه. بالنسبة للأول، فإن الجيش الإسرائيلي بات في شمال القطاع، ودمر قسما كبيرا من البنية التحتية وهجّر أكثر من مليون شخص إلى الجنوب، وأعاد الرهائن المدنيين والعسكريين، وقتل عددا من قيادات “حماس”، بالإضافة إلى أن الترتيبات الأمنية في غلاف غزة تسمح لحوالى 25 ألف إسرائيلي بالعودة إلى مناطق كانوا فيها يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول، كما أن الجيش الإسرائيلي استعاد بعض “الردع” الذي خسره في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

بالنسبة إلى الطرف الثاني، بإمكان “حماس” أن تقول إنها بقيت موجودة في المعادلة رغم الدمار والتهجير والقتل، وأن الطرف الأول فشل في شطبها من المعادلة، وأفشلت سيناريو التهجير، بل إنها باتت شريكة في صفقات التبادل والوساطات، وأطلقت سراح فلسطينيين من سجون إسرائيل، وعادت إلى المعادلة وأعادت القضية الفلسطينية و”حل الدولتين” إلى الطاولة الإقليمية والدولية. هي عدلت من خطابها وباتت تتحدث عن القرارات الدولية وحدود 1967.

 

الخيار الثاني: نتنياهو وقادة جيشه كرروا أكثر من مرة معارضة وقف النار، وكذلك أميركا ودول اوروبية تؤيد موقف تل أبيب خطابيا وعسكريا في ذلك. هدف تفكيك “حماس” وبنيتها العسكري لايزال قائما، والضوء الأخضر لايزال ساطعا. هكذا، تكون صفقة تبادل المدنيين،  او اي صفقات تبادل اخرى قادمة، مجرد استراحة محارب ضرورية لمعركة أشد. مجرد تذكير خطابي بالتزام قواعد الحرب. أخذ كل طرف ما يريد منها؛ “حماس” طرحت نفسها محاورا والتقطت الأنفاس. ونتنياهو أخذ ذخيرة لاستكمال حربه وقصفه. وتأجيل موعد المحاسبة والمساءلة على الفشل. وتتحرر أميركا من ضغط الرهائن وتدخل في المزاج الانتخابي. وينتقل قطاع غزة إلى المرحلة الثانية من الحرب، عبر تمدد القصف من الشمال إلى الجنوب واستمرار حملة القصف وخصوصا في خان يونس (400 الف نازح) وفتح بات التهجير إلى سيناء ليقيم البعض بين رفح والشيخ زويد، ويهجر آلاف إلى الخارج لإحداث تحول استراتيجي في قضية فلسطين، و”نكبة ثانية”، حيث يتضمن ذلك شطب الرابط بين مكونات الدولة الثلاثة، القطاع والضفة والقدس الشرقية، والبحث عن حلول اقتصادية وبقع جغرافية.

 

هذا الخيار، يفتح باب حرب الاستنزاف ومعارك شوارع في قطاع غزة الذي يقيم على مدن كاملة من الأنفاق، لم يتضرر منها سوى 20 في المئة (مقابل 80 في المئة من الدمار فوق الأرض) وباب الخسائر البشرية على وقع تحول مآسي الدماء والنزوح إلى مشاهد تقليدية يعتادها العرب والغرب، وتنضم هذه الحرب على خصوصيتها الكبيرة، إلى قائمة طويلة من الأزمات الإنسانية في المنطقة العربية والعالم.

وما يفتحه هذا الخيار أيضا، انتقال شرارة النيران الى الضفة الغربية والتصعيد الإقليمي. صحيح أن إيران عاتبة بسبب شن “حماس” مفاجأة “طوفان الأقصى” دون علمها المسبق، وهذا ما قاله كبار مسؤولي إيران و”حزب الله” لقادة “حماس”، لكن استمرار الحرب ووصولها إلى حافة إلحاق أذى استراتيجي بدور “حماس”، المكوّن السنّي في “محور الممانعة”، سيزيد الضغط على طهران، “زعيم” المحور، لتحريك شركائها ووكلائها وأوراقها في المنطقة لإبقاء دور لها في المعادلة والقضية الفلسطينية.

كذلك، يهدد بتدحرج كرة النار في الاقليم وخروج الأطراف عن قواعد الاشتباك… واختبارات خطرة لـ “الخطوط الحمراء” المرسومة.