تأجيل السيسي زيارة واشنطن، تعني أنه غير مستعد منفرداً لتكرار تصريحاته السابقة حول رفضه تهجير أهالي غزة، وقد بدأ السيسي بجمع مناصرين له في حال صدق ترامب في تهديداته المباشرة وغير المباشرة لمصر.

تأجيل إثر تأجيل… هذا هو الموقف الذي يتبنّاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، للخروج من “الفخ” الذي نصبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعدما انقلب الخلّ الوفي إلى عدو محتمل، قد يسعى بسبب ملف تهجير أهالي غزة إلى قلب الطاولة، وربما قلب نظام السيسي بالكامل. هذا الانقلاب الأميركي على نظام السيسي نقطة قوته هي سحب المساعدات العسكرية وسحب الدعم من حماية مصر ضد تهديدات إثيوبيا وملف سد النهضة الحساس.

بعدما أجّل السيسي زيارته الى البيت الأبيض وفق معلومات نُشرت أول أمس، باتت آماله معلقة على ما ستُسفر عنه “قمة القاهرة الطارئة” المقرر عقدها في 27 شباط/ فبراير الجاري، رغم أن هذا النوع من القمم الطارئة لا يسفر سوى عن توصيات غير ملزمة، لكنها بمثابة خيط وأداة للاحتماء، بعدما أصبحت مصر مطالبة الآن بتقديم موقف عملي، بشأن ملف تهجير أهالي غزة من أرضهم وتشتيتهم بين مصر والأردن.

هل تُسفر “المباحثات المكوكية ” عن مساندة فعلية؟
تأجيل السيسي زيارة واشنطن، تعني أنه غير مستعد منفرداً لتكرار تصريحاته السابقة حول رفضه تهجير أهالي غزة، وقد بدأ السيسي بجمع مناصرين له في حال صدق ترامب في تهديداته المباشرة وغير المباشرة لمصر. ووفقاً لصفحة المتحدّث الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية فإن الاتصالات بين الرئيس المصري وبعض الحلفاء المحتملين لم تنقطع، منهم أنور إبراهيم رئيس الوزراء الماليزي، وميتا فريدريكسن رئيسة وزراء الدنمارك، وأنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة وإيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي.

واعتمدت صفحة المتحدّث الرسمي لرئاسة الجمهورية ديباجة مكررة، وهي “ضرورة بدء عمليات إعادة إعمار قطاع غزة، بهدف جعله قابلاً للحياة، وذلك من دون تهجير سكانه الفلسطينيين، وبما يضمن الحفاظ على حقوقهم ومقدّراتهم في العيش على أرضهم، وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، باعتبار أن ذلك هو الضمان الوحيد للتوصل إلى السلام الدائم وتحقيق الاستقرار والرخاء الاقتصادي المنشودين”.

على المستوى الإقليمي، بدت تصريحات زعماء الدول العربية الكبرى مبشّرة في ما يتعلق برفض مخططات إسرائيل وترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة، فقد أعلنت السعودية رفض مخطط التهجير، وقال ممثل الكويت الدائم ورئيس المجموعة العربية في الأمم المتحدة طارق البناي إن تهجير الفلسطينيين من غزة “مرفوض تماماً، ويشكّل انتهاكاً لاتفاقية جنيف”، ما يشير إلى أن الدول العربية تقف موقفاً موحداً ضد مخطط ترامب لتهجير أهالي غزة، وتؤكّد “ضرورة احترام حقوق الشعب الفلسطيني والعمل على تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة”.

لكن هذا الموقف قد تتبعه فاتورة ستدفعها مصر في الأغلب، ما يجعل السيسي في موقف الاختيار الحرج، فإما الوقوف ضد مواقف مصر التاريخية من القضية الفلسطينية وإرادة شعبها والدول الداعمة بالبيانات، فيعرّض كيان مؤسسته العسكرية ورسوخها للخطر، وإما أن يخضع لترامب بحجة من لا حيلة له أمام الدولة العظمى، التي تستعرض عضلاتها وتهديداتها بلسان رئيس لا يُعطي اعتباراً سوى لفرض مخطط لا يقبل التأجيل.

إقرأوا أيضاً:

غزة ليست وحدها: العالم كلّه تحت تهديد ترامب!

التشبّت بالحياة خيار الغزيين الوحيد
الوجه الآخر لترامب قد يدفع باتجاه حرب في إفريقيا
من تابع تصريحات ترامب قبل أربع سنوات فقط، قد يتفاجأ بتصريحات مختلفة تماماً عما صرّح به خلال الأيام اللاحقة، فالرئيس الأميركي الذي كان يقف مهدداً إثيوبيا بأن مصر جاهزة لتفجير سد النهضة، ويدعم حق مصر في حصة عادلة من مياه النيل، قد ينقلب إلى النقيض لمساندة إثيوبيا، والنفخ في النار بسبب الوجود العسكري المصري في الصومال، وربما يلقي بالتصريحات نفسها، لكن لتخويف القاهرة، ويقول إن إثيوبيا قادرة على تفجير القاهرة!

الرئيس الأميركي أكّد دعمه مصر في قضية سد النهضة، خلال ولايته الأولى، بعدما توسطت إدارته بين مصر وإثيوبيا والسودان، للتوصل إلى اتفاق حول ملء السد وتشغيله، كون مصر لن تكون قادرة على العيش في ظل هذه الظروف، لكن لا يخفى أن إدارة ترامب قد تحاول استخدام ملف سد النهضة كورقة ضغط على مصر، للقبول بمخطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وهو ما ترفضه القاهرة بشدة، معتبرة أن دعم ترامب مشروط بتحالفات وتنازلات كبرى وتوافقات سياسية معقدة.

يحاول السيسي البحث عن بدائل، بخاصة مع بوادر انقلاب أميركي ضد مصر في حال رفضت مخطط التهجير، فوفقاً لصفحة المتحدّث الرسمي لرئاسة الجمهورية، أجرت القاهرة اتصالات دبلوماسية بدول إفريقية عدة بعضها تضرر من بناء السد، وبعضها يرفض أي سيناريو لنشوب حروب عسكرية محتملة في أفريقيا بمباركة ترامب من خلف الستار، منها جمهوريات غينيا بيساو وغانا وجيبوتي وكينيا الصومال، والأكثر إثارة هو الاتصال بين الرئيسين المصري والروسي فلاديمير بوتين، حول تنفيذ محطة الضبعة النووية في مصر وتطويرها، بعد وعود رئاسية مصرية بإقامة منطقة صناعية روسية في قناة السويس.

ترامب “معتو” والسيسي “حامي” السيادة الوطنية
على رغم أن الأمن المصري اعتقل العام الماضي متظاهرين مصريين داعمين للقضية الفلسطينية، لا يزال بعضهم حتى الآن في السجون، واعتقل أكثر من 250 مشجعاً لنادي الأهلى رفعوا أعلام فلسطين، فقد سمح بتظاهرة حاشدة مطلع هذا الشهر أمام معبر رفح، تجمع فيها مواطنون من جميع المحافظات لرفض التهجير ورافعين شعارات “تهجير الفلسطينيين خط أحمر”.

ووصفت وسائل الإعلام المصرية الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنه حامي السيادة الوطنية والمدافع عن القضية الفلسطينية، وأصبحت المفارقة الآن أن دعم السيسي هو دعم للقضية الفلسطينية، ومن يريد أن يلخّص ولاءه لفلسطين، فعليه دعم السيسي وإنهاء أي خصومة سياسية معه.

وعلى الجانب الآخر، تغيرت لهجة الصحف المحلية في الحديث عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووصفته صحيفة اليوم السابع بـ”المعتوه” على لسان برلمانيين حاليين، وعلى لسان النائب عصام هلال وكيل اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس الشيوخ، وأنه “جاء ليُشعل العالم بالحروب”، برغم أن الصحيفة نفسها وصفت ترامب بصاحب الذكاء والدهاء، والجمهوري الذي جعل العالم من أقصاه إلى أقصاه منتظراً عصره الجديد”.

تهجير بلا قيود أشبه بالموت الجماعي المكرر
وفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن المقترحات لتشجيع هجرة سكان غزة إلى دول أخرى، بدأت قبل ضغوط ترامب في شباط/ فبراير الحالي، إذ ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، إسرائيل كاتس، اقترح السماح لسكان غزة بالهجرة الطوعية إلى دول أوروبية مثل إسبانيا، وأيرلندا، والنرويج، التي انتقدت سياسات إسرائيل تجاه غزة. كما أشار كاتس إلى إمكانية تنسيق عمليات الهجرة عبر البحر والجو، بالتعاون مع هذه الدول. ومع ذلك، رفضت هذه الدول المقترحات الإسرائيلية، مؤكّدة أن الحل يجب أن يركّز على تحسين الأوضاع داخل غزة نفسها.

في عام 2024، أفادت منظمة “גישה” بأن إسرائيل أعلنت سماحها لسكان غزة بالسفر إلى الخارج من دون قيود على الأعداد، بشرط توقيعهم على تعهّد بعدم العودة إلى القطاع لمدة لا تقل عن عام.

كانت هذه المقترحات مجرد تطلّعات إسرائيلية مع وقف التنفيذ، حتى فاز ترامب بالرئاسة، وبدأ بأخذ هذه التطلّعات إلى مخطط بدا خيالياً، حتى بات الآن يهدد المنطقة، وبخاصة سكان غزة ومصر والأردن، فهل ينجح ترامب في تحقيق حلم “ريفييرا الشرق الأوسط” لتحويل قطاع غزة إلى وجهة سياحية شبيهة بالريفييرا الفرنسية، فيما يبدأ أهالي غزة رحلة شتات أبدي، وأهالي مصر والأردن وصم الخضوع الأكثر كلفة في تاريخ الشرق الأوسط؟