منذ اللحظة الأولى لسقوط النظام السوري في الثامن من كانون الأول، أُثيرت كثير من التساؤلات في الشارع السوري حول دور المعارضة السياسية باختلاف هيئاتها ومؤسساتها في عملية التحرير من جهة، وعن إمكانية أن يكون لهذه القوى أي دور في المستقبل السياسي لسوريا من جهة أخرى.
نسبة كبيرة من السوريين فقدوا الثقة في هذه المعارضة نتيجة لتهم بالفساد المالي والانقسامات والصراعات الداخلية، وخضوع أطراف منها لشروط وإملاءات خارجية إقليمية ودولية، ويرى أصحاب هذا الرأي ضرورة حل هذه المكونات نظراً لفشلها بتقديم أي منجز سياسي للثورة، في حين يرى قسم آخر أن هذه المعارضة تظل مكوّنًا أساسيًا في أي عملية انتقالية مستقبلية، قد نجحت رغم كل الظروف بالاستمرار والمحافظة على وجودها ممثلة للشعب السوري في المحافل الدولية.
فالائتلاف الوطني، بصفته أبرز كيان معارض معترف به دوليًا، يمتلك خبرات سياسية ودبلوماسية اكتسبها خلال أكثر من عقد من النضال ضد النظام، كما أن بعض شخصيات المعارضة شاركت سابقًا في مفاوضات دولية، وعملت مع جهات إقليمية ودولية، ما يجعلها مؤهلة لتولي أدواراً مهمة وفاعلة في هذه المرحلة.
ومع اقتراب الإعلان عن تشكيل الحكومة القادمة في الأول من آذار، والحديث عن طبيعتها والشخصيات أو المكونات التي ستسهم في تشكيلها، ومع وجود إصرار دولي وأممي على وجوب مشاركة كافة المكونات والقوى السياسية فيها، يبرز السؤال عن طبيعة الدور الذي ستلعبه المعارضة في هذه الحكومة، وهل سيكون لها تمثيل وزاري أم سيقتصر دورها على تقديم دعم وخبرات استشارية؟
لقاء إيجابي مع الرئيس الشرع
التقى الرئيس أحمد الشرع الثلاثاء 11 شباط الماضي بأعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وأعضاء هيئة التفاوض السورية في قصر الشعب بدمشق، وهو اللقاء الثاني عقب سقوط نظام الأسد، والأول الموسع الذي يتم الإعلان عنه رسمياً ويتم نشر صور رسمية للقاء، وقد استمر الاجتماع ما يقارب الساعتين وأربعين دقيقة، وبحسب وصف الائتلاف، فقد كان “إيجابياً وشاملاً لأهم القضايا والتحديات التي تواجه سوريا في هذه المرحلة التاريخية”.
بيان الائتلاف أكد أن المباحثات تطرقت إلى دور المؤسسات والكيانات السياسية والمجتمعية ومنظمات المجتمع المدني التي تشكّلت في أثناء الثورة وما قبلها، ورؤية الشرع حيال هذه المؤسسات خلال المرحلة الانتقالية. ولفت البيان إلى أن وفد الائتلاف قدّم رؤيته بهذا الخصوص، مؤكداً أن الاجتماع لم يتطرق بأي شكل من الأشكال إلى طرح أو بحث أي محاصصات أو مناصب أو قضايا لا تهم عموم الشعب السوري.
وفي هذا السياق قال بيان صادر عن “رئاسة الجمهورية” إنه اتساقًا مع بيان إعلان انتصار الثورة السورية، والذي يتضمن حل جميع المؤسسات التي نشأت في ظل الثورة ودمجها في مؤسسات الدولة، قام الوفدان بتسليم العهدة التي تضم كافة الملفات الخاصة بهيئة التفاوض والائتلاف الوطني والمؤسسات المنبثقة عنهما إلى الدولة السورية، لمتابعة العمل بها بما يخدم مصالح الشعب السوري وبناء الدولة تحت قيادة السيد رئيس الجمهورية.
وتعليقاً على هذا الاجتماع وما دار قال نائب رئيس الائتلاف عبدالمجيد بركات في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا “انطلاقا من المسؤوليات الوطنية للائتلاف وكذلك السياسية والقانونية قمنا بخطوات إيجابية مبنية على أسس وطنية لدعم الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وكان هذا جليا في الاجتماع الذي جمع الائتلاف مع الشرع”.
وأضاف بركات: “عبرنا خلال الاجتماع بكل وضوح عن دعمنا واستعداد الائتلاف للاندماج بمختلف مؤسساته مع الإدارة الجديدة وأننا نضع كل إمكانياتنا في خدمة هذه الإدارة والاستحقاقات التي تقوم بها، وبهذه الحالة يعتبر الائتلاف أنه قد التزم بتطبيق ماجاء في خطاب النصر للرئيس الشرع بناء على المسؤوليات القانونية والثورية للائتلاف”.
حقائب وزارية للائتلاف
بناء على ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الذي ضم الرئيس الشرع ووفدي المعارضة، من حل لهذه المؤسسات ودمجها ضمن الدولة، يرى العديد المراقبين إلى أن هذا التطور يشير إلى توجه نحو دمج المعارضة السورية في الهيكل الحكومي المتوقع تشكيله في الأول من آذار القادم، وهذا يعكس بحسب المراقبين حرص القيادة الجديدة على توحيد الجهود الوطنية والعمل المشترك لتحقيق الاستقرار والسلام في البلاد من جهة، كما أن مشاركة شخصيات سياسية مختلفة في الحكومة القادمة ينقذ القيادة السورية الجديدة من سياسة اللون الواحد.
مصدر خاص في المعارضة السورية أكد لموقع تلفزيون سوريا بأن هناك حديثا جديا بأنه سيكون للائتلاف الوطني من ثلاثة إلى ست وزارات في حكومة آذار القادمة.
وأوضح المصدر أن هذا الكلام ليس مؤكداً لحد الآن، وإنما كان عبارة عن تفاهمات تعمل تركيا على دعمها من طرف، وتدعمها أكثر من دولة تؤكد على أهمية تواجد الائتلاف في الحكومة وجسم الدولة من جهة أخرى.
بمقابل ذلك أكد عبد المجيد بركات أن الائتلاف لم يفكر بالمحصصات السياسية على مستوى المناصب في أثناء لقائهم بالرئيس الشرع، ويضيف بركات نحن ننطلق من إيماننا ومسؤولياتنا تجاه هذا البلد بالدرجة الأولى، وباتجاه الإدارة الجديدة، لأننا ندرك أن الاستحقاقات الحالية تتطلب منا أن نقف جنباً إلى جنبا وأن ندعم هذه الإدارة بمهماتها واستحقاقاتها الكبيرة.
ويرى بركات أن الحكومة المزمع تشكيلها في آذار يجب أن تكون مبنية على أسس الوطنية والكفاءة بما يخدم الملفات والاستحقاقات الأمنية والسياسية، إضافة إلى ملفات الاقتصاد وإعادة الإعمار، كل هذه الملفات بحسب بركات تحتاج إلى “شخصيات ذات كفاءة وتحتاج إلى دعم من قبلنا جميعا، وليس أن نضع كل العبء على الإدارة الجديدة وعلى رأسها الرئيس الشرع”.
وكان وزير الخارجية أسعد الشيباني أوضح في لقاء حواري في إطار فعاليات القمة العالمية للحكومات في دبي: أن “الحكومة التي ستطلق في الأول من آذار المقبل ستكون ممثلة للشعب السوري قدر الإمكان وتراعي تنوعه، ونريد أن يشعر الشعب السوري بالثقة تجاهها”.
الاستفادة من كوادر المعارضة السورية
أكد الرئيس الشرع خلال اجتماعه مع وفدي المعارضة على أهمية الاستفادة من الكوادر السياسية والإدارية والتقنية في هيئة التفاوض والائتلاف وفق مؤهلاتها، وإدماجها ضمن مؤسسات الدولة وهيكليتها الجديدة، بما يخدم الشعب السوري على المستويين الداخلي والخارج، وذلك بحسب بيان رئاسة الجمهورية.
مصادر خاصة أكدت لموقع تلفزيون سوريا بوجود توجه ليكون للائتلاف دور في بنية الدولة، وليس على مستوى الوزارات، كأن يتم الاستفادة من كوادر الائتلاف التي راكمت خبرة نتيجة للعمل السياسي والدبلوماسي بشكل كبير في ملفات وزارة الخارجية والسفارات.
وأضافت المصادر بأن هناك رغبة حقيقية في الاستفادة من العنصر الشبابي في الائتلاف أكثر من غيرهم وهذا الأمر مطروح بشكل كبير، وبناء على ذلك تقوم الإدارة الجديدة بدراسات أمنية كبيرة لعدد كبير من أعضاء الائتلاف، وهذه الدراسات بعضها يخرج بانطباع إيجابي وبعضها سلبي، وبناء على هذه الدراسات ربما يتم التعاون مع أعضاء الائتلاف إما في الحكومة أو في بنية الدولة.
من ناحيته أوضح بدر جاموس رئيس هيئة التفاوض في حديث لوكالة فرانس برس عن حل مؤسسات المعارضة “نعم سيتم ذلك، ولكن هناك إجراءات قانونية يتم العمل عليها وتحتاج لبعض الوقت”، موضحاً أن أعضاء الهيئة وخبراءها سيكونون “جزءاً من الدولة السورية ويدعمون بناءها”.
يشار إلى أن كثيراً من أعضاء المعارضة السورية لديهم علاقات قوية مع الدول الداعمة للثورة السورية، ومع المنظمات الدولية، لذا قد يضمن وجودهم في الحكومة القادمة الحفاظ على القنوات الدبلوماسية مع هذه الدول، مما يساعد في دعم الحكومة الجديدة سياسياً واقتصادياً.
ما علاقة القرار 2254؟
شدد المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن في أكثر من مناسبة على ضرورة أن تكون العملية الانتقالية شاملة وتستند إلى القرار الأممي 2254، لضمان تحقيق الاستقرار والسلام في البلاد.
إلا أن الباحث والأكاديمي عبد الرحمن الحاج يرى أن هذا القرار أصبح بحكم “الميت” ومنتهي الصلاحية، لأن الطرف الآخر الذي ينص القرار على وجوده أي النظام قد انتهى، وأصبحت الإدارة الحالية والائتلاف يمثلون طرفًا واحدًا وفقا للقرار، هو المعارضة.
ويتابع الحاج حديثه لموقع تلفزيون سوريا بالقول إلا هناك بنداَ لا يزال قابلًا للتطبيق، وهو بند الحكم الانتقالي “ذو مصداقية، ويشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية”، وهذه الشروط تعبير عن تطلعات كل السوريين الذين يعبرون عنها بمصطلحات الحكم التشاركي، أو حكم “تمثيلي” يعكس التنوع السوري، وهو الأمر الذي أكدت عليه الإدارة الجديدة في عدة مناسبات.
وبناء عليه يرى الحاج أنه على الأرجح أن يكون للمعارضة دور ما في تركيب الوزارة القادمة وفي تولي بعض مناصبها؛ لأنهم جزء من المعارضة وتشكلت لديهم خبرات يفترض أن يتم الاستفادة منها، وليس بسبب وجود قرار دولي يفرض هذا الأمر.