نزح عشرات آلاف السوريين من عفرين ومحيطها خلال السنوات الماضية، ولا يزال هؤلاء غير قادرين على العودة نتيجة أسباب أمنية ومعيشية
يتطلع نازحون من منطقة عفرين في شمال غرب محافظة حلب السورية إلى تغيّرات ملموسة على أرض الواقع، تسمح لهم بالعودة الآمنة والاستقرار في منازلهم التي نزحوا منها قبل نحو ثمانية أعوام، عقب عملية عسكرية جرت هناك، متفائلين بإمكانية اتخاذ الحكومة السورية خطوات تسمح لهم بالعودة، وهي خطوات قدّموها في لائحة مطالب للرئيس أحمد الشرع الذي زار المنطقة.
في الوقت الحالي، لا تزال هذه التطلعات رهينة الأماني بانتظار خطوات فعلية من الحكومة، إذ لا يزال عدد العوائل العائدة محدوداً مقارنة بأعداد العوائل النازحة، مع غياب خطوات جدية لتأمين العودة، حتى بعد دخول الأمن العام السوري إلى المنطقة، ووعود إنهاء الحالة الفصائلية العسكرية، التي كانت سبباً مباشراً في نزوح كثير من السكان.
وأُجبرت عوائل على النزوح مرات عدّة، آخرها كان النزوح من منطقة الشهباء ضمن مدينة حلب إلى منطقة الطبقة في ريف محافظة الرقة، ومنها عائلة فرمان سيدو، المتحدر من ريف عفرين، والذي يقيم حالياً رفقة عائلته في مخيم نزوح في الطبقة. يقول سيدو لـ”العربي الجديد”، إنه تفاءل بسقوط نظام الأسد، وإنه كان يعتقد، مثل كثيرين غيره في مخيمات النزوح بالطبقة وكثير من المهجّرين من عفرين، أن سقوط النظام سيحلّ جميع مشاكلهم، وأنه سيمكنُهم العودة سريعاً، لكن الواقع كان مغايراً.
يضيف: “لا يزال السبب الذي دفع الأهالي إلى النزوح من عفرين قائماً، إذ لا تزال الفصائل العسكرية المسلحة في عفرين وبقية المناطق المحيطة تحاول الإبقاء على الأوضاع القديمة، وترفض القبول بالواقع الجديد، ومن بين ذلك إتاحة الفرصة لعودة النازحين. إنّ معاناتنا كمدنيين مستمرة بكل تفاصيلها، فلا خيام تقينا من برد الشتاء أو من حر الصيف، ولا مواد غذائية، ولا خدمات طبية أو تعليمية، ومستقبل أطفالنا مجهول”.
بدوره، يشير النازح فريد عبدو إلى أنه متفائل بإمكانية العودة، لكن ليس في وقت قريب. ويقول لـ”العربي الجديد”: “لم يتغير الكثير على أرض الواقع بعد سقوط النظام، وبعض العوائل النازحة عادت، وأفكر جدياً بالعودة، فقد سئمت حالة التهجير وعدم الاستقرار التي أعيشها. إذا ضُبِطَ الأمن خلال الصيف، وغادرت الفصائل المنطقة سأعود رفقة زوجتي وأولادي”.
من جانبه، يوضح الناشط الإنساني إبراهيم شيخو، لـ”العربي الجديد”، أن “منطقة عفرين ليست تحت السيطرة الكاملة للأمن العام كما يروَّج، وهذا بعيد عن الواقع. دخل رتل من الأمن العام إلى عفرين في 6 فبراير/شباط الماضي، وبعدها زار الرئيس أحمد الشرع المدينة، والتقى العديد من وجهاء المنطقة، وقدم وعوداً بتحسين الوضع الأمني والمعيشي، ووضع حدٍّ للانتهاكات، كما تسلَّم لائحة بالمطالب شملت انسحاب الفصائل، وتبييض السجون، وإعادة الممتلكات، وغيرها من الأساسيات التي طال انتظارها ثمانية أعوام”.
يضيف شيخو: “الوضع الحالي ليس أفضل من السابق، إذ تستمر عمليات الاعتقال والاختطاف من عناصر فصائل الجيش الوطني، رغم اندماجها في الجيش السوري الجديد، ولا تزال ممارسات إجرامية تطاول الأهالي، وقد يكون الأمن العام غير قادر على وضع حدٍّ لها، أو ربما انضم بعض عناصر الفصائل إلى الأمن العام، وباتوا يمارسون الانتهاكات تحت غطائه. منذ 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، عاد نحو 5000 عائلة، لكن في المقابل، هناك عائلات تغادر عفرين، وتختلف النِّسب تبعاً للمناطق، كما تتعرض الأشجار والأحراج لتعديات، خاصة أشجار الفاكهة والزيتون”.
يتابع: “تمارس الفصائل العديد من الانتهاكات، مثل تخريب المنازل بعد فقدان الأمل في تحصيل الإتاوات من أصحابها، والكثير من المنازل تحت سيطرة الأجهزة الأمنية، ولا تُعادُ إلى أصحابها إلا مقابل دفع إتاوات، كما أن بعض الأهالي لا يستطيعون العودة إلى مناطق مثل الشيخ حديد بسبب رفض الجهات المسيطرة عليها تسليمهم منازلهم. وبعض الانتهاكات وصلت إلى حدٍّ مروع، إذ أقدمت مجموعة عسكرية على التنكيل بأحد الأشخاص. إنّ الوضع الأمني متدهور، والكثير من المهجَّرين يرغبون في العودة، لكن ما يحدث يشكل عائقاً أمامهم، وقد ناشدنا الجهات المعنية بوضع حدٍّ لهذه الانتهاكات، ونود لفت الانتباه إلى أن السجون لا تزال مكتظة بالمعتقلين، وبينهم أطفال و نساء، وسجون الفصائل تطلق سراح المعتقلين مقابل إتاوات كبيرة، ووصل الأمر إلى تحويل بعض المدارس إلى مراكز احتجاز”.
وكانت منطقة عفرين تضم نحو مئتي ألف نسمة قبل الثورة السورية، لكن المعركة التي شنّها الجيش التركي في عام 2018، بمساندة من “الجيش الوطني السوري”، تسببت في حالة نزوح كبيرة، وقصد كثير من سكانها مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” ضمن مدينة حلب وصولاً إلى شمال شرقي سورية.
أحد مخيمات الشمال السوري، 29 ديسمبر 2024 (بلال الحمود/ فرانس برس)
لجوء واغتراب
80 عائلة سورية تغادر مخيم العريشة في ريف الحسكة
يؤكد محمود عيسى، وهو عامل في إحدى منظمات المجتمع المدني، لـ”العربي الجديد” أن “الكثير من العوائق تمنع عودة نازحي عفرين إلى مناطقهم، على رأسها تطلُّعهم إلى ضبط الحكومةِ للأمن. إنّ نسبة المهجّرين من عفرين تجاوزت 40%، وظروف العودة أصبحت أفضل بعد زيارة الرئيس أحمد الشرع للمنطقة، فعدد الحواجز العسكرية أصبح أقل في المنطقة ومحيطها، كما تقلصت أعداد الحواجز في منطقتي شيا ومعبطلي”.
يضيف عيسى: “قبل فترة، أرسل الأمن العام إشعارات للناس كي يأتوا ويستلموا بيوتهم، على أن تدفع كل عائلة 50 دولاراً رسومَ فواتير الكهرباء. لا توجد أي موانع لعودة الناس حالياً، لكن في السابق كانت هناك عوائق واستفزازات يعاني منها العائدون في رحلة العودة، إذ كان بعضهم يتعرض للاعتقال، أو لدفع إتاوات ضريبةً على الدخول، أو فديةً، وبعض مَن وصلوا إلى قراهم خلال الفترة السابقة وجدوا أن منازلهم يسكنها مهجَّرون، لكن حالياً لا يوجد شيء من هذا القبيل، باستثناء منطقتي الشيخ حديد ومعبطلي، والمسألة تحتاج إلى بعض الوقت، ربما أسابيع”.
ويرى عيسى أن “الأمور تتجه نحو الأفضل، إذ انسحبت الفصائل المسلحة كلياً من المدن، بما في ذلك مناطق عفرين وميدانكي والباسوطة، ودخلت قوات الأمن العام إلى عفرين، لكن بأعداد قليلة، ويمكن القول إنه لا توجد عوائق، وخلال اليومين الماضيين، أُزيلت المحارس التي كانت منتشرة بكثرة في المنطقة، لكن عفرين لا تزال تعاني من غياب الاستقرار الأمني والخدمي، مع صعوبات في الحصول على المياه والرعاية الصحية، ويتطلع أهلها النازحون إلى العودة، خاصة الأكراد منهم”.