يمثل الإعلان عن التوصل لاتفاق بين الحكومة المركزية في دمشق، وقوات سوريا الديموقراطية “قسد” والهياكل الأخرى في شمال شرق سوريا؛ نقطة تحول حقيقية تحمل فرصاً واعدة إذا ما تم البناء عليها بما يتجاوز الاعتبارات المحلية في سوريا؛ أي في تحقيق اختراق دبلوماسي في الموقف الأميركي من دمشق، فالمفاوضات المضنية التي تمت بجهود كبيرة عبر القنوات الخلفية ما بين وفدي دمشق وقسد، أفضت للتوصل لصيغة مقبولة في أهم القضايا الخلافية التي كانت عالقة بين الطرفين، ومع وجود الضوء الأخضر الأميركي لإتمام الاتفاق تبعًا لتأثيرها الكبير في موقف قسد؛ قد يُمهد بذلك الطريق لاعتراف ضمني من واشنطن بالحكومة المركزية في دمشق، وبالرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وهي فرصة جديدة لفتح آفاق لتفكيك حالة الانغلاق الأميركي على المشهد السوري الجديد، والتي ستصب في صالح سوريا ككل بحال تمت بمسار إيجابي.
تستدعي عدة قضايا رئيسية تكثيف العمل الدبلوماسي بهدف تليين الموقف الأميركي، والتعاطي بجدية أكبر مع الحكومة السورية في دمشق، ويظهر في مقدمة هذه القضايا التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري، بما يحمله من نوايا لإدامة حالة الهشاشة في سوريا على المدى المنظور. وتظهر الفرصة أمام سوريا وجوارها في اعتبار الاتفاق الجديد نقطة تباين بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي، حيث يخالف الموقف الأميركي التوجهات الإسرائيلية التي طمحت كما يفهم لخلق تحالف أطراف ما بين قسد و”المجلس العسكري في السويداء”، بل راج الحديث مؤخرًا عن فكرة “ممر داوود” الذي يصل هذه الأطراف كجيب يعزل دمشق عن جوارها.
أما على المستوى الاستراتيجي بعيد الأمد، فإن تليين الموقف الأميركي، والتوصل لتفاهمات حول المسائل الرئيسية في سوريا سيفضي بطبيعة الحال إلى بحث مصير العقوبات الأميركية، والتي إن انخفضت تمهيدًا لرفعها ستنعكس مباشرة على العقوبات الأممية والأوروبية المفروضة على سوريا، خاصة أن العقوبات تعتبر التركة الأثقل التي خلفها نظام الأسد السابق لسوريا، كما رفعت من حدة معاناة الشعب السوري خلال سنوات الصراع، وتستمر تداعياتها حتى اليوم.
في هذا السياق، يمكن أن يؤدي نجاح الاتفاق المكتوب واتمام بنوده حتى نهاية العام الحالي إلى ارتفاع فرص الانفتاح الأميركي على دمشق، ويتوافق ذلك مع دوافع إدارة ترامب بعقد الصفقات وفق المنظور البراغماتي، والتحلل التدريجي من الوجود العسكري في الشرق الأوسط، وبذلك يتجه الحديث عن سوريا جديدة ذات سياسة خارجية توافقية، بعيدة عما عُرف سابقًا بمحور المقاومة، وبما قد يؤهلها من التحول لعامل تهدئة في الإقليم وليس كساحة صراع كالماضي.
في الختام، تتزايد الفرص الواعدة لمستقبل سوريا الجديدة، فمع استمرار حالة الإنهاك التي طالت كافة الأطراف المحلية والخارجية جراء سنوات الحرب في سوريا؛ ترتفع حظوظ تأييد التسويات والتفاهمات كبديل للصراع المستمر. ومع ذلك، لا يزال هناك استثناءات بارزة، خاصة في رؤية إسرائيل وإيران، اللتين لديهما مصالح استراتيجية تتعارض مع أي تحول إيجابي قد يُغير من الدور السوري كما هو متُصور مستقبلًا، والبوابة لذلك هي بعض المكونات المحلية التي تضررت من التغيير ومن ثم هذه التفاهمات بين دمشق وقسد، وبذلك قد تسعى عمليًا لعرقلة تنفيذ بعض بنود الاتفاق.
في الختام، يمثل اتفاق الوحدة خطوة مهمة نحو إعادة تشكيل المشهد السياسي في سوريا، وقد يكون بوابة لانفتاح أميركي مشروط على دمشق، في حين يبقى نجاح هذا المسار معتمدًا على مدى قدرة الحكومة السورية على إدارة التناقضات في المجتمع السوري، وتحقيق التوازن بين المسار السياسي والواقع الأمني، وتوسيع قاعدة الاشتباك الدبلوماسي خارجيًا؛ وهي معادلة دقيقة سيفضي نجاحها للمزيد من الاستقرار لسوريا الجديدة.
باحث أردني في معهد السياسية والمجتمع