يكتظ شارع فيلاكازي في سويتو يومياً بالسياح والباعة المتجولين خارج منزل الزعيم الافريقي الذي تم الحفاظ عليه بشكل كبير، حتى مع تآكل إرث رائد الديمقراطية وإنهاء نظام الفصل العنصري بعد مرور عقد على وفاته.
غير بعيد من مكان إقامتها، تبيع ماديلا قبعات ومجوهرات على طاولة قرب منزل مانديلا الذي استحال متحفاً، وكغيرها من مواطني جنوب افريقيا ، يمزج شعورها الإحباط بخيبة الأمل.
ومع أنها تشعر بالامتنان لأن وجود مانديلا في هذه البلدة لمدة 16 عاماً يجذب السياح الآن، إلا أن البائعة البالغة 47 سنة تؤكد أنها لم تر “أي تغيير من ديمقراطية مانديلا، ولا أرى حتى ضرورة للاقتراع”.
مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات التشريعية خلال أشهر، بعد 30 عاماً على أول تصويت ديمقراطي، تسعى السلطات جاهدة لدفع أشخاص مثل ماديلا لتسجيل أسمائهم والإدلاء بأصواتهم.
وتراجعت أعداد المقترعين مع كل دورة انتخابية منذ إجرائها للمرة الأولى عام 1994، ويقوم الناخبون بشكل متزايد بالانقلاب ضد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي تزعمه مانديلا والذي يحكم البلاد منذ التسعينيات.
وبحسب استطلاعات للرأي فإن تأييد الحزب الوطني الذي تلاحقه الفضائح قد يتراجع لما دون 50 في المئة من الأصوات للمرة الأولى مع تباطؤ الاقتصاد والفساد.
والبطالة في البلاد واحدة من أعلى المعدلات في العالم حيث تبلغ 32 في المئة بين البالغين، وأجور العمال منخفضة.
وعلى رغم نهاية نظام الفصل العنصري، تحتل جنوب أفريقيا المرتبة الأدنى عالمياً في مجال المساواة، بحسب البنك الدولي.
وتتجاوز ديون الحكومة والشركات الحكومية أكثر من 300 مليار دولار، وهو رقم يتفاقم كل يوم.
وتزايدت الجرائم وجرائم القتل في شوارع البلاد في السنوات العشر الماضية، كما تضطر ماديلا وجيرانها في بعض الأيام للعيش من دون كهرباء لـ12 ساعة في اليوم.
وتؤكد “ليس لدينا سوى ما يكفي لإطعام أطفالنا وفصل أحمال مستمر (قطع التيار الكهربائي) وتكلفة المعيشة لا تطاق”.
وتحفظ لمانديلا في جميع أنحاء العالم مكانته للطريقة التي نجح فيها بإسقاط حكم الأقلية البيضاء ورؤيته لجنوب أفريقيا متعددة الأعراق، لكن المنتقدين يرون أن ممثل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذين تولوا السلطة، تخلوا عن إرث مانديلا.
ويؤكد المحلل السياسي برينس ماشيلي لوكالة الصحافة الفرنسية أن إرث مانديلا “تم تقويضه” من مسؤولي حزبه “الفاسدين”.
من جهته، يتحدث نيك بورين، وهو محلل سياسي يعمل في الأسواق المالية، عن “نوع من الأسطورة” يرتبط بسنوات مانديلا، ما يصعّب مهمة أي شخص يتبعه.
وتواجه الحكومة وحزب المؤتمر الوطني معركة كبيرة لمعالجة حالة اللامبالاة في البلاد بالإضافة إلى الديون.
وأرغم الرئيس السابق جاكوب زوما على ترك منصبه بسبب مزاعم بالفساد، وتجنب السجن بسبب تدهور حالته الصحية وموافقة خلفه الحالي سيريل رامابوزا.
وفي يونيو (حزيران) قامت هيئة مراقبة الفساد بتبرئة رامابوزا من مزاعم انتهاكه للأخلاقيات بعدم الإبلاغ عن سرقة أكثر من 500 ألف دولار نقداً مخبأة في أريكة في مزرعته.
وقرب منزل مانديلا، تعتبر سيفي جيزانا (27 سنة) أن إرث مانديلا “يحتضر”.
وتحدثت المدرّسة التي جلست مع أصدقائها في حانة، عن نقص المياه والطرق خارج المدن الرئيسية، مضيفة “والآن، ليس لدينا كهرباء”.
أما زانديل كوبيني (24 سنة) التي تحمل شهادة في علم الاجتماع لكنها عاطلة من العمل، فأكدت أنها لن تسجل اسمها للاقتراع في الانتخابات.
وتضيف “الكثير من أقراني عاطلون من العمل، ولا نحصل على أي معونات”، معتبرة أن إرث مانديلا “تم تصويره ليبدو وكأنه بلا عيوب، وهذا ليس صحيحاً”.
ويرى البعض مبالغة في تصوير إرث مانديلا، حيث يقول توبيلي سيلي (43 سنة) “لا نرى حقاً ما الذي فعله مانديلا والآخرون من أجلنا ما زلنا فقراء”.
وتؤكد لي-آن ماتيس، وهي عضو في البرلمان عن حزب المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية اليساري “ببساطة لم يعد لدينا حتى ديمقراطية طالما بقي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في السلطة”.
وتقول ماتيس إن المحاكم “تم الاستيلاء عليها” للعمل لمصلحة حزب المؤتمر.
ويسعى موالون لمانديلا لجعل السكان ينظرون أبعد من اسمه لتحديد اتجاه مستقبلي، لكن عائلته ما زالت مؤمنة بما حققه خلال مسيرته الطويلة.
ويرى حفيده ماندلا مانديلا، وهو نائب عن حزب المؤتمر الوطني، إن الحزب حقق العديد من النجاحات وبعض “الإخفاقات المذهلة” لكن الديمقراطية في جنوب أفريقيا بشكل عام لا تزال “صحية”.
ويضيف مانديلا (49 سنة) “الشر الأساسي للاستعمار هو أنه سلب شعبنا أرضه، ويبقى هذا هو الاختبار الحقيقي لكيفية قياس التحول” الذي تحقق.