نوّه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الديوان الملكي بقصر اليمامة في الرياض اليوم الأربعاء بالعلاقات التاريخية والقوية بين البلدين، وقال ولي العهد إننا نتشاطر اليوم كثيراً من المصالح وكثيراً من الملفات التي نعمل عليها معاً لمصلحة روسيا والسعودية والشرق الأوسط والعالم أيضاً، مثنياً على ما تحقق خلال الأعوام السبعة الماضية من إنجازات كبيرة جداً بين البلدين سواء في قطاع الطاقة أو القطاع الزراعي أو في التبادل التجاري أو الاستثمار وغيرها من القطاعات.

وأشاد الأمير محمد بن سلمان بالتنسيق والعمل السياسي بين البلدين الذي ساعد في إزالة كثير من الاحتقانات في الشرق الأوسط وأسهم في تعزيز الأمن والتنسيق المستقبلي في الجانب السياسي والأمني أيضاً الذي سيعزز أمن الشرق الأوسط وأمن العالم كله، منوهاً بالفرص الحاضرة والمستقبلية ومشيراً إلى أنها فرص كبيرة تحتم علينا العمل معاً لمصالح شعوبنا ومصالح المنطقة والعالم.

“مستوى غير مسبوق”

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن العلاقات مع السعودية وصلت إلى “مستوى غير مسبوق” في بداية اجتماعه في الرياض مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وفي تصريحات عرضها التلفزيون الروسي، شكر بوتين ولي العهد على دعوته، وقال إن اللقاء المقبل يجب عقده في موسكو، وإن البلدين تربطهما علاقات جيدة ومستقرة في المجالات السياسية والاقتصادية والإنسانية، مضيفا “لا شيء يمكنه منع تطور علاقاتنا الودية… من المهم جدا لنا جميعا بالطبع الآن أن نتبادل المعلومات والتقييمات فيما يحدث بالمنطقة”.

 

وبدأ الرئيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الأربعاء جولته الخليجية التي أفادت المصادر الروسية بين أهم نقاطها، عقد المحادثات مع الأمير محمد بن سلمان، وحليفه الأبرز في تكتل “أوبك+”، وذلك وسط تصاعد التوتر في الإقليم ومخاوف توسع دائرة الصراع فيه، بعد دخول الحرب في غزة شهرها الثالث، من دون حل مرتقب لوقف الانتهاكات ضد المدنيين الفلسطينيين، الذين تستنفر الرياض وحلفاؤها الخليجيون جهودها في سبيل التخفيف من معاناتهم.

ولي العهد  الذي لم يلتقه منذ 2019 لبحث مسائل تتعلق بالاستثمارات، وكذلك “تعاونهما في قطاع الطاقة” الذي من شأنه أن يضمن “وضعاً مستقراً ويمكن التكهن به” في السوق الدولية.

 

وبحسب الكرملين ستركز الزيارة على العلاقات الثنائية، ومع ذلك فإن المواضيع الدولية بما في ذلك الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ستكون أيضاً على رأس جدول الأعمال، موضحاً أنه سيكون هناك “تبادل للآراء في شأن الأجندة الدولية والإقليمية  علاوة على ذلك من المتوقع أن يشارك بوتين وجهة نظره ورؤيته للوضع الدولي بما يشمل الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس”، و”سبل العمل على وقف التصعيد”، بحسب الرئاسة الروسية.

“أوبك+”

وأفادت وكالة “تاس” الروسية للأنباء بأن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قال إن بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بحثا التعاون في إطار “أوبك+” خلال محادثات في الرياض وإن التعاون سيستمر.

سياسة تنويع الخيارات

ويرى الباحث في العلاقات الروسية الأطلسية باسل الحاج جاسم أن “الرؤية السعودية اليوم تقتضي تنويع خياراتها الدولية، من أجل تحقيق التوازن الإقليمي، فالدور الروسي تجاه أزمات المنطقة يعد مهماً بالنظر إلى تأثير روسيا في بعض أطراف النزاع، فالزمن تغير، واليوم أمام الرياض وموسكو آفاق واسعة للتعاون ومنافع كثيرة مشتركة”، مقدراً أن الرياض باتت “لا تضع بيضها في سلة واحدة، إذ على رغم علاقتها التاريخية مع واشنطن، فإن بدء أي علاقة مميزة لها مع موسكو يدخل ضمن معادلة موازين القوى الجديدة”.

ومن محطة أبوظبي قال الرئيس الروسي خلال اجتماعه مع رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إن العلاقات بين روسيا والإمارات وصلت إلى مستوى غير مسبوق. وقال بوتين في تصريحات نقلها التلفزيون إن الوضع في أوكرانيا والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني سيكونان من بين موضوعات النقاش. وأكد المكتب الصحافي للرئاسة الروسية أن التعاون بين البلدين “في ازدياد”.

 

استمرار الأزمة الفلسطينية أدى إلى مزيد من الضغوط على إمدادات النفط والغاز العالمية ولا يمكن أن يجتمع عمالقة النفط من دون الحديث عما يحصل في سوق الطاقة، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “تعلمون أن هذه المحادثات تجري في إطار ’أوبك+‘، ولكن بالطبع التعاون في هذا المجال (النفط) دائماً على جدول الأعمال”، علماً أن هذه الزيارة تأتي بعد اتفاق التحالف الخميس الماضي على خفوضات إضافية طوعية للإنتاج بنحو 2.2 مليون برميل يومياً بما يشمل تمديد الخفوضات الطوعية السعودية والروسية الحالية البالغة 1.3 مليون برميل يومياً.

جولة في مناطق الحلفاء

وكان بوتين تغيب عن آخر الاجتماعات الدولية الكبرى مثل قمة مجموعة الـ20 في الهند في سبتمبر (أيلول) وقمة مجموعة “بريكس” في جنوب أفريقيا في أغسطس (آب). وهو قال إنه تجنب المشاركة في هذه اللقاءات حتى لا “يحرج” المنظمين، ولكن مذكرة المحكمة الجنائية ما زالت تعرقل تحركاته لأنه قد يتم اعتقاله إذا توجه إلى بلد عضو في المعاهدة التأسيسية للمحكمة، ولكن لا الإمارات ولا السعودية وقعتا على المعاهدة التأسيسية المعروفة بنظام روما.
كان بوتين يفضل حتى الآن السفر إلى بلدان حليفة. ففي أكتوبر (تشرين الأول) استقبله نظيره شي جينبينغ في الصين على هامش منتدى طريق الحرير الجديد. وقبل ذلك ببضعة أيام ذهب إلى قيرغيزستان، وهي دولة أخرى قريبة جداً من موسكو، في أول رحلة له إلى الخارج منذ صدور مذكرة التوقيف عن المحكمة الجنائية الدولية.

لكن الرئيس الروسي يرى راهناً أن السياق الدولي أكثر ملاءمة له. فقد تعثر الهجوم الأوكراني المضاد الذي طال انتظاره هذا الصيف أمام الدفاعات الروسية. أما الدعم غير المشروط الذي كان الغرب يقدمه لكييف حتى الآن، فقد بدأت تظهر عليه علامات الضعف، وذلك بسبب الانقسامات السياسية، وهو ما كان الكرملين يأمل فيه.
وفي داخل روسيا تعافت عائدات النفط وتم تكميم الأصوات المعارضة للكرملين على نحو منهجي، ويستعد فلاديمير بوتين لإطلاق حملة إعادة انتخابه في شهر مارس (آذار)، وهو أمر لم يعد موضع شك.

التحرك وسط توتر الصراع

وتشير جولة بوتين الخليجية في الظروف التي يشهدها الإقليم إلى تنامي علاقات موسكو مع التكتل العربي الأكثر تأثيراً في المنطقة، إذ تولي روسيا أهمية كبيرة للحفاظ على الحوار السياسي مع السعودية بما يخدم الحفاظ على السلام والأمن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفق المصادر الروسية. وخلال محادثات اليوم، سيتم النظر في الوضع الصعب الحالي في منطقة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وسبل تعزيز تهدئة التوتر، وكذلك سيتم بحث مواضيع عدة أخرى من بينها تسوية الوضع في سوريا واليمن وضمان الاستقرار في منطقة الخليج العربي.

وسلط الإعلام الروسي الرسمي الضوء على الزيارة، إذ لفت إلى أن هذا هو اللقاء الأول في هذا العام بين بوتين والأمير محمد، ولكن تم إجراء اتصالات منتظمة بينهما عبر الهاتف (في عام 2023، تواصلا بالهاتف خمس مرات، بما في ذلك في السادس من سبتمبر). أما اللقاء الأخير بينهما فكان في الرياض، خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس بوتين إلى السعودية في أكتوبر 2019.

ويشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والسعودية  في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر من هذا العام، ازداد بنسبة 4.8 في المئة ليصل إلى 1.35 مليار دولار.

وتلعب اللجنة الحكومية المشتركة، التي يرأسها عن الجانب الروسي نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، دوراً مهماً في تكثيف التعاون بين الدولتين. في أكتوبر الماضي عقدت اللجنة جلستها في موسكو “على هامش” المنتدى الدولي “أسبوع الطاقة الروسي”.

وتم تحديد القطاعات التالية كمجالات واعدة للعمل المشترك: الزراعة (نحو 70 في المئة من حجم التجارة يأتي من تصدير المنتجات الزراعية الروسية)، والطاقة (التقليدية والنووية)، والصناعة، والاستثمار، والمجال الفضائي.

وخلال المحادثات، ستجري مناقشة موضوعية مفصلة للتعاون بين الدولتين في مجال الطاقة، إذ يعتبر التنسيق الروسي – السعودي الوثيق بمثابة الضمان الموثوق للحفاظ على وضع مستقر ويمكن التنبؤ به في سوق النفط العالمية، وفق الإعلام الروسي.

ومن المتوقع كذلك مناقشة آفاق تنفيذ مشروع البنية التحتية الضخم في مجال النقل الدولي “شمال -جنوب”. وسيتم كذلك تبادل وجهات النظر حول القضايا الدولية الراهنة. ومن المعروف أن روسيا والسعودية تتعاونان في إطار المنظمات المتعددة الأطراف الرائدة، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجموعة الـ20، كما تلقت السعودية دعوة لتصبح عضواً كامل العضوية في مجموعة “بريكس” في الأول من يناير 2024.