–
كاد إقرار الإعلان الدستوري في سورية، الذي وقّع عليه الرئيس أحمد الشرع في 13 الشهر الجاري، أن ينسف الاتفاق بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والحكومة السورية، لما رأته “قسد” من إخلال بالاتفاق وشعورها بالإقصاء، مما هدّد الدمج بالمؤسسات السورية وعدم عودة الثروات (النفط والغاز) والمطار والمعابر الحدودية لسلطة دمشق. إلا أن تطورًا جديدًا حدث قبل أيام، بعد اجتماع قائد “قسد” مظلوم عبدي مع اللجنة التفاوضية التي شكّلها الشرع لاستكمال الاتفاق، مما أعاد آمال السوريين باقتسام ثروتهم الضائعة منذ نحو تسع سنوات وتحسين الواقع الخدمي والمعيشي للسوريين، إذ لا يزال أكثر من 90% منهم يقبعون تحت خط الفقر، ويعانون من ندرة المحروقات والانقطاع الطويل للتيار الكهربائي.
وبحسب مصادر خاصة لـ”العربي الجديد” من القامشلي، شمال شرقي سورية، فقد جرى التوافق بعد لحظ تحفّظات “قسد”، حول الإعلان الدستوري وعدم إقصاء أي مكون سوري من مستقبل البلاد.
بل وتكشف المصادر عن وعود من دمشق بتمثيل “قسد” في الحكومة السورية المنتظر إعلانها في غضون أيام، ومنحها “كوتا” في ما يتعلق بالتعيين والثروة والمواقع الرسمية في محافظتي الحسكة ودير الزور. وتؤكد المصادر الخاصة أن الجانبين اتفقا على إطلاق عمل اللجنة المتخصصة مطلع نيسان/ إبريل المقبل، لتبدأ تنفيذ الاتفاق. وتقول المصادر من القامشلي إن “التسليم ليس بالأمر اليسير”، إذ هناك شركات “تعمل وتدير وهي من خارج سورية”، لكن وعود “قسد” بحل الأمور وتنفيذ الاتفاق قد تحتاج إلى نهاية العام الجاري.
صعوبات أمام تطبيق الاتفاق مع قسد
ويشكك الاقتصادي أحمد العبود، من محافظة دير الزور، في “سهولة وزمن تنفيذ الاتفاق”، لأن الواقع في مناطق شمال شرق سورية “أعقد من أن يُحل بلجان”، إذ ثمة شركات واستثمارات تدير معظم الثروات والأعمال، وربما لا تملك “قسد” القدرة على تنحيتها بسهولة.
وعن التغيير المحتمل في الواقع الاقتصادي السوري في حال عادت ثروات شمال شرقي سورية، يضيف العبود خلال تصريحه لـ”العربي الجديد”: “سيتغير الواقع، وإن على مراحل وفترة ليست بطويلة، فإنتاج المنطقة من البترول وحتى الغاز يمكن أن يسد حاجة الاستهلاك المحلي خلال عامين، كما يمكن التفكير بالتصدير بعد أعوام تالية، وعودة عائدات تصدير أكثر من 150 ألف برميل نفط لخزينة الدولة.
أمام جهاز صراف آلي في دمشق، 23 ديسمبر 2024 (أمين سنسار/ الأناضول)
اقتصاد الناس
طوابير طويلة للمتقاعدين في سورية للحصول على منحة عيد الفطر
وذلك ينسحب أيضاً على الإنتاج الزراعي، مما يُغني عن استيراد القمح والشعير والثروة الحيوانية، إذ يُقدر إنتاج القمح في مناطق “قسد” بأكثر من 1.5 مليون طن”. وتسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” على نحو 90% من مرافق إنتاج النفط في سورية، ويتراوح إنتاج الآبار الواقعة تحت سيطرتها بين 90 و120 ألف برميل يومياً. كما تعد مناطق شمال شرق سورية خزان سورية الغذائي والمائي.
وتسيطر “قسد” على معبر اليعربية مع العراق، ومعبر نصيبين-القامشلي مع تركيا، إضافة إلى مطار القامشلي، وهو ثالث أهم مطارات البلاد بعد مطاري دمشق وحلب. لكن، تلك الثروات تعاني من التهالك وتراجع الإنتاج، خاصة آبار النفط، مما يعني أن الحلم بعودة إنتاج نحو 380 ألف برميل كما كان عام 2011، أو إنتاج الكهرباء، أمر ليس بالسهل ولن يتحقق قريبًا، بحسب مصدر خاص من “قسد” لـ”العربي الجديد”.
ويكشف المصدر أن “شركة الجزيرة” هي من تشرف حالياً على إنتاج النفط، وتتبع عملياً لحزب العمال الكردستاني، ويُشرف عليها كادر تركي يديره علي شير، كما يُشرف على حقول الرميلان كادر تركي آخر يديره شخص يدعى أزاد. ويضيف المصدر الخاص أن القطاع الزراعي أيضاً تُدير بعضه شركات غير سورية، ولا علاقة للإدارة الذاتية به، لكنه يستدرك بأن تلك العقبات ليست عصية على الحل، خاصة بعد بيان عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، في 27 الشهر الماضي، ودعوته لحل الحزب وإلقاء السلاح، وتحمله المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة، مما يعني إمكانية إبعاد الأجانب، وربما يتم تسليم المعبر والمطار والخط الحدودي خلال المراحل الأولى لتنفيذ الاتفاق، إضافة إلى البترول، الذي يتصدر المطالب والتفاهمات.
ويقول عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، الدكتور علي كنعان، في تصريحات نشرتها جريدة “الثورة” السورية، إن تنفيذ الاتفاق يشجّع على تخفيض تكاليف الإنتاج لكل الفعاليات الاقتصادية، ومنها تأمين الكهرباء بأسعار تكلفة متدنية، وتأمين خزان الغذاء السوري الذي يأتي من الحبوب والبقوليات أو المواد الغذائية الأخرى، وكذلك الأمر بالنسبة للحوم.
ويؤكد عميد كلية الاقتصاد بدمشق أن دمج “قسد” في مؤسسات الدولة سيعيد هندسة الاقتصاد السوري من جديد، وإعادة التموضع الذي يجعل منه قاعدة انطلاق، على عكس ما كان عليه أيام الحكم البائد، حيث كان في حالة سكون، أما الآن، فهو يبدأ بالانطلاق نحو صناعة وزراعة وتجارة جديدة، فضلاً عن عدد القوى العاملة الموجودة في الجزيرة السورية، التي ستندمج في الاقتصاد الوطني السوري.