–
أكّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في تصريح صباح الجمعة (28 مارس/ آذار 2025)، عقب رصد إطلاق صاروخَين من الأراضي اللبنانية، بحسب ما أفاد الجيش الإسرائيلي، أنه “إذا لم ينعم سكّان كريات شمونة والجليل بالهدوء، لن يكون هناك هدوء في بيروت”. كما شدّد كاتس على أنّ “الحكومة اللبنانية تتحمّل وحدها المسؤولية المباشرة عن كلّ عملية إطلاق باتجاه الجليل”. ليس هذا هو التهديد الأول من صاحبه، ويبدو لن يكون الأخير، ولا سيّما أنه استخدم المعادلة نفسها “الجليل مقابل بيروت”، في أقلّ من أسبوع، عندما أُطلِقتْ السبت (22 مارس) أيضاً، صليةٌ من الصواريخ من جنوب لبنان سقط بعضها في لبنان.
بدء كاتس تهديده بـ”إذا” الشرطية، يعني أن الوضع في الجنوب اللبناني لن يهدأ في القريب العاجل، كما أنه لن ينزلق نحو حرب كبرى، فالمطلوب هذه المرّة تسليم حزب الله سلاحه، ولكن ليس عبر آلة الحرب الإسرائيلية التي تفعل فعلها في قطاع غزّة والضفة الغربية، بل عبر المؤسّسات الرسمية والعسكرية اللبنانية. فرض كاتس معادلة “الجليل مقابل بيروت”، بهدف رفع سقف التحدّي، ومتوجّهاً إلى الدولة اللبنانية، ولا سيّما أنه عمد، في تحذيره، إلى تحميلها المسؤولية، على خلاف ما كان يحصل في الحرب أخيراً مع حزب الله، حيث للمرّة الأولى لم يطاول القصف الإسرائيلي فيها أيّ مؤسّسة حكومية أو رسمية. فهذا يدلّ على أن الحرب الإسرائيلية اليوم على لبنان لن تكون عسكريةً، بل معنويةً، عبر رفع مستوى الضغط على العهد الجديد في لبنان، الذي تمثَّل بانتخاب رئيسٍ للبلاد وتشكيل حكومة جديدة.
ورقة إدخال إسرائيل مع حربٍ في لبنان سقطت، ولا سيّما بعدما وضع لبنان في خريطة المصالح الأميركية في المنطقة
يجمع بعضهم في لبنان على إطلاق صفة “الغبيّة” على هذه الصواريخ، التي لا تخدم مطلقيها من أيّ فئة كانوا، بل تصبّ حتماً في مسار الضغطين الإسرائيلي والأميركي على لبنان للتسريع في عملية سحب سلاح حزب الله، إن لم نقل في عملية التطبيع، لا سيّما وهي تُطلَق في ظروف تمارس فيها الولايات المتحدة وفرنسا مزيداً من الضغط على لبنان لتطبيق بنود قرار مجلس الأمن 1701 كافّة. يضع بعضهم التحرّكين الفرنسي والأميركي في سياق تشكيل لجان التفاوض مدخلاً لوضع القطار في سكّة الحلّ من منظار الدول الراعية اتفاق وقف إطلاق النار. وفي هذا السياق، أوضحت مصادر أنه “كما كانت الرسائل التي حملها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، في زيارته لبيروت، يُتوقَّع أن تكون الرسالة التي ستحملها نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس (بوضوح أكثر)، التي أكّدت لرئيس الحكومة نوّاف سلام وصولها إلى لبنان الأسبوع المقبل”. وأشار المصدر إلى أن “زيارة لودريان إلى بيروت عشيّة توجّه رئيس البلاد إلى فرنسا، وضعت سقوفاً للتوقّعات والآمال التي يمكن أن تعلّق على هذه المحادثات، وما يمكن للبنان أن يحصل عليه من تقديمات أو وعود، خصوصاً في ما يتعلّق بعملية إعادة الإعمار”.
لم يعد أمام لبنان مروحة من الخيارات بعد 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي (2024)، مع نهاية الحرب الإسرائيلية على لبنان، إذ حدّدت له طريقاً واحدة لا غير عليه السير فيها. فورقة إدخال إسرائيل مع حربٍ في لبنان سقطت، ولا سيّما بعدما وضع لبنان في خريطة المصالح الأميركية في المنطقة، وبعدما أدرك الحزب، “المنهك” بعد حربٍ تدميريةٍ عليه، أن المرحلة هي لتنفيذ ما يُطلب منه أميركياً. لهذا سار في عملية انتخاب قائد الجيش جوزاف عون إلى سدّة الرئاسة، كما أن نوابه انخرطوا في الموجة الأميركية التي أتت بنوّاف سلام رئيساً للحكومة.
ستشهد المنطقة الجنوبية مزيداً من عمليات إطلاق الصواريخ، ومزيداً من التهديدات، طالما أن “الطبخة الأميركية” لم تطبخ على نار هادئة
لم يتوقف أمر حزب الله عند تنفيذ الأجندة الأميركية عند ملء الشغورين الرئاسي والحكومي، رغم شعاراته العالية النبرة تجاه سياسات أميركية في المنطقة، بل ذهب بعيداً نحو إعطاء الثقة للحكومة بعد أيّام عصبيةٍ شهدتها بيئته الحاضنة في الأرض، في ظلّ قرار حكومي منع بموجبه الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت. وأخيراً (وطبعاً ليس آخراً)، وقف وزراء حزب الله وراء رئيس البلاد في التصويت الدستوري على تعيين كريم سعيد حاكماً للمصرف المركزي، وهو الحائز على رضىً أميركي، وتهنئة من جامعات الولايات المتحدة، في مقدمها جامعة هارفارد.
لا عودة إلى الحرب، هذا ما بات محسوماً وسط “وشوشات” في أروقة السفارة الأميركية وزيارات مبعوثيها، تطالب بتسريع عملية التطبيع. هذا ما أعلنه مبعوث الرئيس الأميركي ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف من تفاؤل بجهودٍ لإقناع السعودية بالانضمام إلى اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، مشيراً إلى أن سورية ولبنان “يمكن أن يلحقا بقطار التطبيع”.
صواريخ أقلّ ما يقال فيها إنها “غبيّةٌ” ولا تخدم إلا المصلحة الإسرائيلية، التي تتحيّن الفرص لترفع من منسوب التهديد على الدولة اللبنانية والشعب اللبناني، علّ هذا يسرّع السير في خطّ التهدئة الشاملة، وسحب سلاح الحزب الذي تجد فيه إسرائيل فرصةَ التصادم اللبناني – اللبناني. لهذا ستشهد المنطقة الجنوبية مزيداً من عمليات إطلاق الصواريخ، ومزيداً من التهديدات، طالما أن “الطبخة الأميركية” لم تطبخ على نار هادئة.
google newsتابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
دلالات