يقدم نقسه كلاعب إقليمي مؤثر
أنقرة- اضطرت تركيا لتفنيد ما راج من أنباء عن أنها مارست ضغطا على حركة حماس لتقديم تنازلات لفائدة إسرائيل من أجل التوصل إلى هدنة تمهد لوقف الحرب، في وقت يقول فيه مراقبون إن سعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعقد صفقة مع الأميركيين وتقديم نفسه لاعبا إقليميا مؤثرا يهدد بإنهاء حماس.
ويريد أردوغان أن يبدو فاعلا مؤثرا في مختلف الملفات الإقليمية، وخاصة في سوريا وغزة، وتوظيف علاقات أنقرة بدمشق وحماس لتقديم تنازلات تثير إعجاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالدور التركي، وتكسر حالة التوتر مع إسرائيل، وهو ما قد يكون دفع أردوغان للضغط على حماس من أجل تقديم تنازلات للتوصل إلى هدنة ولو بشكل مؤقت مستفيدا من غياب الخيارات لديها في ضوء الضغط العسكري الإسرائيلي المدعوم من واشنطن.
وتحرص حماس على أن تبدو التنازلات المطلوبة بقرار ذاتي منها، إلا أن وسائل إعلام إسرائيلية أخرجت التفاهمات مع أنقرة إلى العلن، ما يضع الحركة في موقف صعب أمام أنصارها ومقاتليها وعائلاتهم.
انفراد أنقرة بتوجيه تنازلات حماس لصالحها سيضاعف من إحراج الحركة أمام الوسطاء القطريين والمصريين
ولا يستبعد أن يفضي انكشاف عرض التنازل لصالح تركيا أو بواسطتها إلى أزمة حادة داخل حماس ليضاف إلى اختلافات كثيرة بين شقين؛ الأول يتمسك باستمرار رفع السلاح ضد إسرائيل بقطع النظر عن نتائجه على الحركة وزيادة معاناة سكان القطاع، ويمثله ما تبقى من القادة الميدانيين لكتائب القسام، والثاني يريد إنجاح مساعي التوصل إلى هدنة مطولة ولو أدّى الأمر إلى تقديم “تنازلات مؤلمة” ويمثلها المتحدثون السياسيون باسم الحركة مدعومين بقيادات الخارج.
كما أن انفراد أنقرة بتوجيه تنازلات حماس لصالحها سيضاعف من إحراج الحركة أمام الوسطاء القطريين والمصريين، ذلك أن الدوحة وأنقرة سعتا بشكل منفرد للحصول من الحركة على تنازلات ولو جزئية لتقديمها على أنها نجاح من الوسيط المصري وخاصة القطري الذي سيفاجأ بما أقدمت عليه حماس.
ويعتقد مراقبون أن تقديم التنازلات لصالح أنقرة وليس لصالح الدوحة سيدفع إلى توتر العلاقة بين حماس وقطر التي ترى أنها الطرف الأهم بالنسبة إلى حماس بسبب احتضانها القيادة السياسية للحركة والدعم المالي والسياسي والإعلامي الذي قدمته لها لسنوات طويلة.
وسبق لتركيا أن عملت على توظيف حماس خلال فترة الربيع العربي وما بعدها لتبدو كما لو أنها تقف في صف تيار المقاومة، لكنها كانت تتراجع عن ذلك في أكثر من موقف ووفق ما تفرضه مصالحها قبل أن تعاود الاقتراب من حماس.
حح
وفي نوفمبر الماضي، نفت أنقرة صحة ادعاءات تفيد بنقل حركة حماس مكتبها السياسي إلى تركيا بعد ضغوط على قطر لترحيل قادة الحركة. ووجهت أنقرة بذلك رسالة واضحة بأنها لا تساوم على مصالحها، وهي ليست مستعدة لإرباك العلاقة بينها وبين الأميركيين والإسرائيليين بمثل هذه الخطوة. ورغم ذلك ما يزال البعض من قادة حماس يتنقلون من تركيا وإليها ويروّجون لفكرة أن أنقرة حليف للحركة.
وفي يوليو 2024، اضطرت أنقرة لتكذيب تسريبات تتهمها بالضلوع في دعم حماس ووصفتها بأنها “أكاذيب” و”قلة احترام”، ما يؤكد حجم الحرج في تركيا من الربط بينها وبين حماس.
ويعتقد الأتراك أن الحفاظ على علاقة متينة مع حماس، ودون دعم فعلي لها حتى لا يحسب ضدهم، يكفل لهم توظيف الحركة في العلاقة مع واشنطن، والإيحاء بأن أنقرة يمكن أن تحقق ما عجز عنه الآخرون في الضغط على حماس وجلبها إلى مربع التسوية بعد أن عجزت عن ذلك قطر بالرغم من امتلاكها أوراق ضغط كثيرة على الحركة.
حماس تحرص على أن تبدو التنازلات المطلوبة بقرار ذاتي منها، إلا أن إخراج التفاهمات مع أنقرة إلى العلن يضع الحركة في موقف صعب
ونفت وزارة الخارجية التركية، الاثنين، أنباء الإعلام الإسرائيلي بشأن ضغط أنقرة على حماس لدفعها نحو تقديم تنازلات بشأن وقف إطلاق النار في غزة.
جاء ذلك في تصريح للمتحدث باسم الخارجية التركية أونجو كتشالي الذي قال إن “الادعاء بأن وزيرنا (الخارجية) أجبر حماس على تقديم تنازلات بشأن وقف إطلاق النار خلال لقائه بمسؤولي حماس في الدوحة الأحد، لا يعكس الحقيقة.”
والأحد، بحث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع رئيس مجلس شورى حماس محمد درويش، وأعضاء المكتب السياسي للحركة، الوضع الإنساني بقطاع غزة ومفاوضات وقف إطلاق النار.
وتشير تصريحات فيدان الأحد بخصوص نتائج محادثاته مع حركة حماس، إلى أن تركيا باتت تقدم نفسها وسيطا للحركة لحل مشاكلها مع إسرائيل.
وتحدث فيدان، خلال محادثات جرت مع الحركة في أنقرة بحضور رئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين، عن “انفتاح حماس على اتفاق يتجاوز وقف إطلاق النار إلى حل دائم للصراع،” وهو ما يرجّح أن حماس تستخدم الوساطة التركية كـ”غطاء دبلوماسي وأمني.”
وتسعى حماس بالاعتماد على أنقرة لترتيب دور لها قبل أن تختفي تماما من المشهد، حيث تواجه مساعيها لاقتسام السلطة مع حركة فتح صعوبات كثيرة في ظل تقهقرها العسكري وترديد المسؤولين الإسرائيليين بأن لا مكان لها في المشهد بعد حرب غزة، ويزيد تعيين حسين الشيخ نائبا للرئيس الفلسطيني محمود عباس من الضغوط على حماس التي استنكرت الخطوة واعتبرتها تكريسا لنهج “التفرّد والإقصاء.”