أحد الإعلاميين المشهورين سبق الجميع في وصف انسحاب أبو صاروخ من المؤتمر بـ”الكارثة”.
والكارثة، كما هي العادة، قد تبدو حدثًا بسيطًا لحظة وقوعها، لكنها، ككل الكوارث، لا تظهر آثارها الحقيقية إلا لاحقًا.
هذه المرة، كانت المسألة مكانية بحتة، لا علاقة مباشرة لها بعامل الزمن، رغم أهمية الوقت فيما يتعلق بالمواعيد المتفق عليها، أو تلك التي تم تأجيلها مرارًا وتكرارًا.
أبو صارخ العزماني، اسم ابنه “صاروخ” أصبح لقبه المعتمد بين الخاصة، لكنه لم يكن يتوقع أن يكون ابنه صاروخ، من بين جميع أولاده، هو من سيوجّه اليه الضربة السياسية القاتلة.
لقد اختار لولده هذا الاسم في زمن كانت فيه الصواريخ رمزًا للقوة والتفوق، فإذا بصاحب الاسم، بالمفارقة، يُصبح سببًا في كارثة ستلاحق والده مدى الحياة.
في ذلك اليوم، وضع بدلته الأنيقة على طرف الكرسي. ثم جاءته المكالمة الهاتفية المشؤومة.
المكالمة كانت حول “كيف” سيشارك الحزب في المؤتمر؛ وحين أقول “كيف”، أعني حرفيًا الكيفية، لا مجرد الحضور.
كان قد استعد تمامًا للانطلاق، كصاروخ، نحو مركز المقاطعة حيث سيُعقد المؤتمر. ولكن المكالمة قاطعته.
وقد بدا موضوعها غاية في الأهمية بالنسبة للسيد أبو صارخ العزماني. الرفاق في الطرف الآخر من الخط كانوا، على ما يبدو، في أقصى درجات التأهب والاستنفار. المسألة مصيرية هذه المرة.
منذ انطلاق تحضيرات المؤتمر، كان أبو صارخ وحزبه قد حدّدوا موقفهم بوضوح، بعكس أولئك الانتهازيين، المترددين، الشكاكين، المتطرفين، والناقّين، الذين لا يعجبهم شيء.
بل إن معظم وسائل الإعلام باتت تعرف موقف أبو صاروخ جيدًا، وبعض القنوات الجادة خصّصت تقارير مطوّلة عن رؤيته للمؤتمر.
لكن المكالمة نزلت عليه كجلمود صخر على صدره.
المشاركة باتت محسومة، لكن المسألة الأخطر الآن هي “المكان”.
ليس المكان بالمعنى الرمزي المتعلق بمكانة الحزب في الخريطة السياسية التي ستُعرض في المؤتمر، فهذا لا يعني أبا صاروخ ورفاقه كثيرًا.
المقصود هنا هو المكان الحرفي: “الكراسي”.
وليس القصد هنا كراسي السلطة، بل الكراسي التي سيجلس عليها أعضاء الحزب في قاعة المؤتمر. وكان من البديهي أن يحصلوا على مواقع متقدمة، خاصة بعد الضجة الإعلامية الكبيرة حول مواقفهم.
لكن المكالمة فجّرت المفاجأة: الكرسي المطلوب، الواقع في الصف الأمامي، الثالث إلى يسار القائد العام، والذي ستكون عدسات الكاميرات مصوّبة نحوه، لم يكن مضمونًا.
بل إن سكرتير الحزب ونائب أبو صاروخ لم يكن متأكدًا أصلًا من حصولهم على أي كرسي في الصف الأول.
فالمنافسة على هذه المقاعد بلغت ذروة الحساسية بين الأحزاب، والقائد العام تدخّل شخصيًا ليحجز أكثر من نصفها لأعضاء حزبه، رجالًا ونساءً.
عندها ثارت كرامة أبو صاروخ، وغضب غضبًا شديدًا، وراح يرفس كحمار هائج.
وليس “رفسه” هنا استعارة، بل حقيقة واقعة.
ولكي يتمكن من الرفس بحرية، خلع جاكيت بدلته. وبدل أن يضعه على الكرسي أو يعلّقه كما يفعل عادة، رماه على سجادة الغرفة.
وهنا بدأت ملامح الكارثة تتشكّل.
ذاك الجاكيت تحديدًا، الذي شارك في كل المؤتمرات السابقة، والذي صار معروفًا لكل المحطات التلفزيونية، وكتب بعض المحللين مقالات مطوّلة عن سرّ تمسّك أبو صاروخ به، رُمي بإهمال على الأرض.
وفي لحظة كان فيها أبو صاروخ منشغلًا بالصراخ والرفس، حاول ابنه الصغير القفز فوق الجاكيت حتى لا يوسخه، لكن صراخ والده المفاجئ أرعبه بشدة.
وعندما نظر الطفل إلى والده، انفلت منه سيل من البول، أصفر، دافئ، غزير، سُكب مباشرة على جاكيت الوالد.
وهنا بلغت الكارثة ذروتها.
صرخ أبو صاروخ بأعلى صوته:
“لن يحضر حزبنا هذا المؤتمر اللعين!”
اندلعت ضجة إعلامية بسبب غياب حزب “أبو صاروخ العزمانيان” وقائده.
بعض المحللين ربطوا ذلك بضغوط من القواعد الحزبية، وآخرون أرجعوه إلى الجذور الإيديولوجية للحزب.
لكن التفسير الذي اتفقت عليه معظم وسائل الإعلام، المقروءة منها والمرئية، هو أن أبا صاروخ فشل في اقناع القائد العام منحه وزارة في الحكومة الجديدة، أو حتى مقعد في المؤتمر الشعبي لصياغة العقد الاجتماعي الجديد.