بعد تَرقُّب وانتظار وقلق، صدر مرسوم تشكيل هيئة العدالة الانتقالية في سوريا في السابع عشر من أيّار (مايو) الجاري، لكن نصّه لم يستطع إرواء تعطّش السوريين-ات وحاجتهم-نّ إلى عدالة انتقالية كما ينبغي أن تكون، فهو لم يُراعِ المتطلّبات التي حدّدتها الأمم المتحدة لتلك العملية ومبادئها التوجيهية، التي تُحدّد مكوّنات تلك العملية الحسّاسة من حيث إمكانية إطلاقها شرارات مؤذية في الحقل الذي تقوم من أجله:
«تتكوّن العدالة الانتقالية من عمليات وآليات قضائية وغير قضائية، تشمل مبادرات المقاضاة، وتيسير المبادرات المتعلّقة بالحقّ في معرفة الحقيقة، وتقديم التعويضات، والإصلاح المؤسسي، والمشاورات الوطنية. ويجب أن يتوافق أي مزيج من هذه العناصر مع المعايير والالتزامات القانونية الدولية».
لم يُحدّد مرسوم إنشاء الهيئة علاقتها المهمّة بالسلطة القضائية المحلّية وربّما الدولية، ولم ينصّ بوضوح على استقلالها عن السلطتين التنفيذية والتشريعية أو علاقتها بهما، كما لم يحدّد مرجعيّتها التي ينبغي أن تُشير إلى الالتزام بالقانون والمعايير الدولية. كذلك، لم يأتِ على ذكر علاقتها بالإصلاحات المؤسساتية المتعلّقة بها، والضرورية من أجل فاعليّة عملها ومردوده المطلوب… على سبيل المثال.
ولم يُحدّد المرسوم أيضاً حدود مهمّتها ومجالاتها، بحيث تشمل انتهاكات النظام السابق بكلّ مؤسّساته وشخصيّاته، وقوى المعارضة المسلّحة بكلّ تشكيلاتها، كما لم يُشر إلى علاقة الهيئة بانتهاكات داعش وتفريعاتها.
تشير العدالة الانتقالية في أفضل تعريفاتها إلى مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تهدف إلى معالجة إرث انتهاكات حقوق الإنسان والفظائع الماضية، ومساعدة المجتمع على الانتقال من الصراع أو الحكم الاستبدادي إلى السلام والديمقراطية. وتشمل جهوداً لتوفير العدالة والمساءلة والمصالحة، وغالباً ما تتضمّن آليات مثل المحاكمات، ولجان الحقيقة، والتعويضات، والإصلاحات المؤسسية، وأعمال المصالحة الرمزية.
أما مصطلح «التصالح مع الماضي أو ما مضى» فقد قام إيكهارد جيسي عالم السياسة الألماني بتحديد العوامل التي يقوم عليها، حيث يتطلّب ثلاثة عوامل: أوّلاً، الجرائم ذاتها؛ وثانياً، إيقافها؛ وثالثاً، إرساء الديمقراطية. ولا يمكن للتصالح مع الماضي، تصالحاً يستحق هذا الاسم، أن يترسّخَ إلّا بتوفّر هذه الجوانب الثلاثة مجتمعة. لكن زميله هيلموت كونيش قدّمَ تعريفاً أوضح للمصطلح، واعتبره «مجموع تلك الأفعال والمعارف التي تحملها أو تكتسبها الأنظمة الديمقراطية الناشئة بعدما تنتهي من دولها غير الديمقراطية السابقة عليها»… طبعاً بافتراض أن التغيير الذي جرى هو من تلك إلى هذه، لأنّ تغييراً لا ينتهي إلى الديمقراطية لا يكون تغييراً قادراً على المصالحة مع الماضي وآثاره.
كأنّ العدالة الانتقالية أساسٌ ماديّ ملموس يجعل التكيّف مع الماضي المظلم ممكناً أو هادئاً غير متفجّر. هما إذن مفهومان مترابطان بقوة، لكنهما ليسا متطابقين، بل متداخلان إلى حدّ كبير في الهدف والوظيفة؛ لأنّ كليهما يهدفان إلى مواجهة مظالم الماضي وفظائعه، لكنهما يختلفان في إطار ونطاق عملهما وبؤر تركيزه.
تلك العدالة تعالج المجتمع المعني قانونياً وعملياً ونفسياً، وتُقرِّبُ إليه إمكانية المصالحة مع ماضيه. إنّها جزء أساسي ومؤسِّس، عبر آلياتها وسياساتها ومكوّناتها، من مرحلة الانتقال السياسي من الحرب إلى السلام، ومن الاستبداد إلى الحرية والديمقراطية. يتمّ ذلك من خلال كشف حقيقة انتهاكات الماضي، ومحاسبة الجناة، وتحقيق العدالة وجبر ضرر الضحايا وبرنامج التعويضات، وإصلاح مؤسسات الدولة المعنيّة وأدوات ممارستها لاحتكار العنف، لأنّ تكرار الانتهاكات في الوضع الجديد ينكأ الجراح والندوب، ومن ثمّ تستشري حالات الثأر والانتقام، وتتغذّى على تلك الحالات الناشئة. تكون تلك العدالة بذلك هي الأساس والأداة لشفاء المجتمع ووقايته من تكرار مآسيه.
فيما يلي أوّلاً استعراضٌ سريع لأهم ملامح بعض التجارب في مراحلها الانتقالية، التالية لانتهاء الحرب أو سقوط نظام الاستبداد والتمييز، أو تسوية النزاع… قد تكون عوناً لبرمجة الطريق الوطني الخاص للعدالة الانتقالية في سوريا، ولفتح الطريق إلى التكيّف مع الماضي والتصالح معه. ثم نخوض قليلاً في بعض ما يفيد التجربة السورية:
ألمانيا 1945:
لا ريب أنّ التجربة الألمانية في الحقل الذي نتكلّم عنه كانت الأولى والأكبر في العصر الحديث، وقد انطلقت بعد نهاية الحرب وتقسيم ألمانيا بين الحلفاء المنتصرين؛ الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والاتحاد السوفييتي. وقد ارتكزت تلك العملية على ثلاثة أسس: المحاكمات، واجتثاث النازية، وجبر الضرر.
شملت محاكمات مدينة نورمبرغ، التي اشتهرت بها، كبارَ الضباط النازيين المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، والتي خيّمت عليها خصوصاً كآبة الهولوكوست و«الحلّ النهائي» النازي للمسألة اليهودية كما تصوّرته قيادات النازية. حُكم على البعض بالإعدام، وعلى آخرين بفترات سجن متفاوتة، وتمّت تبرئة عدد منهم أيضاً.
بالمقابل، أخذت عملية اجتثاث النازية وقتاً أطول، وربما ما زالت مستمرة حتى الآن. وينبع ذلك من كونها جزءاً من «التصالح مع الماضي» بعد فترتها الأولى كجزء من ترتيبات «العدالة الانتقالية». شمل الاجتثاث إجراءات واسعة من مراجعة وتدقيق سجلات المنتمين إلى الحزب، مع مراعاة الأعضاء «العاديين» أكثر من غيرهم، كما امتد إلى تضمينه في الدستور والقوانين والقواعد الناظمة، وفي مناهج التعليم والثقافة والفنون.
جنوب أفريقيا 1994:
كانت تجربة جنوب أفريقيا الثانية من حيث الأهمية عالمياً، وساعد اختلافها وتركيزها على «الحقيقة والمصالحة» على تفادي الحرب الأهلية وتخميد عواملها، بشكل مختلف عن التجربة الألمانية. في الوقت ذاته، جعلت عملية «المحاسبة» المحدودة و«جبر الضرر» البطيء عملية التكيُّف مع الماضي هشّة وضعيفة وغير متساوية.
اعتمد المسار في جنوب أفريقيا على تحويل الديمقراطية «البيضاء» إلى أخرى «ملوّنة» أكثر توازناً وحداثة، دون أن يتمّ التحوّل بسهولة أو بساطة. وكانت «لجنة الحقيقة والمصالحة»، التي ارتبطت بالأُسقف ديزموند توتو، هي الآلية الأشهر والأكثر تميزاً في العدالة الانتقالية. بدأت اللجنة عملها عام 1995، وحقّقت في الانتهاكات وكشفت حقيقتها، لكنها تسامحت مع من اعترفوا بأخطائهم.
كان خيار العدالة التصالحية بدلاً من العقابية سمة مميّزة للتجربة، وسمح بالكشف عن بشاعة جرائم العنصرية مع الكثير من العفو والتسامح، أو ما قد يراه البعض «إفلاتاً من العقاب». وبطريقة أخرى، أتاح ذلك تسهيل عملية المصالحة وساعد، نسبياً، على تعافي المجتمع من آثار ماضيه.
بالطبع، ساعدت التعويضات، سواء المالية أو تلك التي كانت على شكل اعتراف رمزي بالتسبّب بالمعاناة، في التخفيف من آثارها. وساهمت إجراءات الحكومة في تعديل أو إصدار قوانين وتأسيس أجهزة أمن وعدالة متلائمة مع عملية التغيير، مع تعزيز النظام الديمقراطي، وتحصين المجتمع من أي انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان، وهو ما أُنشئت لأجله لجنة مستقلة أيضاً.
رغم ذلك، وُجِّهت انتقادات للفشل في تحقيق المُساءلة الكاملة، وعدم محاكمة العديد من المنتهكين السابقين، واستمرار بروز مظاهر عدم المساواة حتى الآن. هذه التحديات أثّرت على التجربة، وكان لا بدّ من مواجهتها. ويعرقل ذلك أحياناً تواتر الغرق في التنافس السياسي أو الفساد. على هذا الأساس، ما تزال النقاشات جارية حول مقدار ما تحقّقَ من العدالة، في أجواء ما تزال فيها إجراءات المصالحة مستمرة هنا وهناك.
رواندا 1994:
على مدى مائة يوم، وقعت مقتلة لن تنساها البشرية، أو ينبغي ألّا تنساها على الإطلاق، راح ضحيّتها حوالي 800 ألف من قبائل التوتسي والهوتو المعتدلين، ودخلت البلاد في حالة دمار ومجتمع ممزّق ومصدوم.
تميّزت محاكمات رواندا بما يُعرَف هناك بمحاكم «غاكاكا» التقليدية، التي وفّرت ملتقيات لكشف الحقائق، والتعامل مع تلك المجازر الجماعية، والاعتراف بها، ثم العودة إلى التفاعل المجتمعي ومن ثمّ المصالحة. وقف الضحايا والجناة وجهاً لوجه، ونتج عن تلك المحاكمات أحكام مُخفَّفة مقابل الاعتراف بالجرائم.
تميّزت حالة رواندا أيضاً بإسهام الأمم المتحدة في تأسيس المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، التي حاكمت كبار المسؤولين عن تلك المأساة، بمن فيهم رئيس الوزراء كامباندا وقادة عسكريون كبار.
كانت، ولا تزال، تجربة رواندا مهمّة جداً من حيث درجة نجاحها في ما كان يُحسَب مستحيلاً. وقد ساعد على ذلك الانخراط في عملية إعادة البناء، وبرامج الوحدة الوطنية، وتوفير فرص النجاح في إعادة الإدماج: للناجين والجناة السابقين في الوقت نفسه. أسهمت «اللجنة الوطنية للوحدة والمصالحة» في هذه العملية، من خلال تركيزها على تعزيز الانتماء والهوية الوطنية، وعزل الجوانب السلبية من الانقسامات القبلية والعرقية. وكما في الأمثلة السابقة، بقي هناك من ينتقد محاكم «غاكاكا» لقصورها في مُحاسبة الجناة وتساهلها معهم، وكان من بين المنتقدين العديد من الضحايا الذين بقي الشعور بالظلم وضعف القصاص كامِناً في صدورهم.
تظلّ تجربة رواندا تحت الرقابة والسيطرة، رغم نجاحاتها المشهودة. وهي موضع شكاوى من انتهاكات حقوق الإنسان الطارئة، ومن القيود على حرية التعبير والعمل السياسي المعارض أيضاً.
البوسنة والهرسك:
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ودول «المعسكر الاشتراكي»، تفكّكت دولة السلاف الجنوبية (يوغوسلافيا) بعنف، ووقعت حرب البوسنة بين عامي 1992 و1995، وتميّزت بالتطهير العرقي، والقتل الجماعي، والانتهاكات الجسيمة، في الصراع بين صرب البوسنة وكرواتها والبوشناق (المسلمين البوسنيين).
تأسّست «المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة» في لاهاي، وحاكمت المسؤولين الكبار عن فظائع تلك الحرب، وأدانت زعيمي الصرب كاراديتش وملاديتش بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب. كما أنشأت البوسنة والهرسك نظامها القضائي الخاص لمحاكمة بقية الجناة المحليين.
لكن النظام السياسي الناشئ، المعقّد والمنقسم على أساس عرقي، شكّل عائقاً أمام تنفيذ المحاكمات واستكمال وظيفتها. بالمقابل، ساعدت لجان الحقيقة وأعمال التوثيق على استيعاب الفظائع، ومساعدة الجمهور على معالجة آثار الحرب.
ورغم المساعدة المهمّة التي قدّمها المجتمع الدولي في تنفيذ العدالة الانتقالية، فإن الإصرار على الانعزال، ورفض الاعتراف بما جرى، أو مقاومته، كلها عوامل منعت المصالحة من بلوغ غاياتها الأعمق والأكثر استدامةً.
ما هو مشترك؟
هناك قواسم مشتركة بين هذه التجارب وغيرها، يمكن تلخيصها بما يلي:
وقفت الموازنة بين متطلبات العدالة المجرّدة والمصالحة الوطنية، كمصلحة مستقبلية، دائماً أمام أعين من صمّموا مسارات العدالة الانتقالية وإجراءاتها، كما لعبت الظروف الخاصة بكل بلد دوراً حاسماً في تحديد الخيار الوطني لذلك التصميم.
غالباً ما ارتكز التوجّه نحو الملاحقات الجنائية على أسس ضرورية للمحاسبة. على سبيل المثال: تعرّضَ للمحاكمة في نورمبرغ 199 قيادياً نازياً فقط، بينما خضع آخرون لأشكال أخرى من المُساءلة، كان آخرها وأكثرها تعميماً وبساطة هو «التدقيق» وفحص السجلات الخاصة بالأفراد ومدى أهليّتهم للعمل في الدولة من جديد.
تعرّضت التجارب، بتنوّعها، إلى مسألة الاختيار أو توزيع العمل بين المحاكم الدولية والمحلية. فالأولى ضرورية لتعميق المسؤولية وتقديم المثال، وخصوصاً في ما يخص القادة، لكنّ الإمكانيات لا تسمح بذلك إلّا لعدد محدود. وتقوم العدالة المحليّة بتنفيذ محاسبة العدد الأكبر من المُنتهِكين. من المهم أن تكون هناك لجنة قضائية رفيعة تضع أسساً لذلك، وتحدّد المتّهمين الذين يُحالون إلى المحاكمة دون تفريط ولا مبالغة؛ فالتفريط يُفقد العملية وظيفتها، والمبالغة قد تحوّل العدالة إلى انتقام يجعل المصالحة الوطنية والسلم الأهلي أكثر صعوبة.
كما يمكن أن يكون هناك جدل وتركيز على التعويضات المادية المباشرة للضحايا، وذلك بمثابة دفعة أولى نحو المصالحة؛ في حين ينبغي توفير الوقت والإمكانيات اللازمة لإعادة التماسك المجتمعي، الذي قد يحتاج إلى معالجة في مجال علم النفس الاجتماعي، إضافةً إلى لجان السلم الأهلي أو الوطني، وكلّ الإمكانيات التي تتيحها الأعراف المحليّة. يحتاج ذلك إلى مأسسة مناسبة أيضاً، ضمن إطار مأسسة العدالة الانتقالية المحدودة الأمد، ومأسسة المصالحة مع الماضي وتعزيز الوحدة الوطنية، وهي عملية طويلة الأمد وتحتاج إلى استدامة.
بالمقابل، كثيراً ما تكون انتهاكات النظام الاستبدادي متداخلة مع انتهاكات جديدة يرتكبها من يُعتبَرون من ضحايا الانتهاكات الأصلية، في فترة الكفاح ضد الاستبداد أو بعد الانتصار عليه. لذلك يُعتَبر من أهم مبادئ العدالة، ومن عوامل نجاحها، إعلان الاستعداد للمُساءلة وقبول تطبيقها من قِبل المشتكي ذاته، من بين أولئك الذين يطالبون بالعدالة لما لحق بهم من انتهاكات سابقة.
وبالطبع، لا بدّ من الإصلاح المؤسسي قبل أو مع انطلاق عملية العدالة الانتقالية؛ فذلك لا يمنع فقط تكرار الانتهاكات تحت شعارات جديدة، بل يُعزّز أيضاً قدرة قوى الأمن والقضاء على محاسبة الانتهاكات السابقة. لذلك، لا بدّ من تنظيم عملية فحص سجلات المسؤولين في هيكلية الدولة قبل التغيير، كمقدّمة لاستبعاد الميؤوس منهم، وإعادة توظيف البقية مع إعادة التأهيل الضرورية، وبدرجة التسامح الممكنة. يتمّ ذلك دون أن يعرقل متابعة آليات محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة الجليّة وتحويلهم إلى القضاء.
فيما يلي بعض الاقتراحات العاجلة للحالة في سوريا:
مناقشة الموضوع الأكثر ضرورة: هل يجب متابعة موضوع إحالة بشار الأسد وأهم المسؤولين عن الانتهاكات في نظامه إلى محكمة الجنايات الدولية أو ما يحلّ محلّها؟ وما هي مستلزمات ذلك، مثل توقيع اتفاقية روما مثلاً؟
ومع رفع العقوبات، ينبغي عدم تأجيل أو تأخير تشكيل مؤسسة العدالة الانتقالية ومكوّناتها الفرعية، وضمان استقلاليتها وتأمين ميزانيتها وصندوق جبر الضرر المرتبط بها. فالتأخير قد يفضي إلى خسائر جسيمة، كما حدث في الساحل أو في جرمانا وأشرفية صحنايا.
ويجب أيضاً تشكيل لجنة تنظّم وتصمّم مسائل المصالحة مع الماضي، وتفريعاتها المتعلقة بالسلم الأهلي، والتوثيق، والتماسك الاجتماعي، وإحياء ذكرى الضحايا، ومنع نسيان المفقودين ومتابعة قضيتهم، ومتطلبات ذلك في مجالات التربية والتعليم والثقافة والفنون، وغيرها.
ويمكن البدء أيضاً بإقرار تأسيس متحف لذكريات القمع في سجن صيدنايا وتدمر أو في أي موقع مناسب، وإنشاء دائرة للتوثيق والذاكرة، وبناء نصب تذكارية تحدّ من النسيان، وأخرى تحفّز على التسامح حيث يكون ذلك ممكناً وبالقدر الضروري.
من الضروري الإشارة هنا إلى أن مرسوم تأسيس هيئة العدالة الانتقالية، المشار إليه في مقدّمة هذا المقال، قد ترافق مع مرسوم آخر بتشكيل لجنة للمفقودين، وهي خطوة ضرورية وإيجابية، إن تأكّدت جديّتها ومردودها مع الوقت، كما هو مأمول.
أخيراً:
كان واضحاً أعلاه ارتباطُ كلّ المسار بالديمقراطية؛ فغياب الاستقرار، وظهور معالم الاستفراد بالسلطة، والابتعاد عن تأمين مشاركة أوسع في القرار وصناعته، وبعض مظاهره التي تبرز من وقت لآخر؛ كلها عوامل تمنع، أو على الأقل تعرقل، مسار العدالة الانتقالية وتسوية العلاقة مع الماضي الاستبدادي، بل وقد تقوم بتشويهه!
مقالات مشابهة