عقدت الجولة الخامسة للمفاوضات بين الأميركيين والإيرانيين يوم الجمعة في روما بوساطة عُمانية على وقع التناقض الكبير بين خيارات الطرفين. إذ يبدو أنّ ترامب والوفد الذي يمثّله بقيادة ستيف ويتكوف، صار أقرب إلى وجهة النظر الإسرائيلية الداعية إلى منع إيران من تخصيب اليورانيوم على أراضيها، فيما ترفض طهران المساس بما تعتبره حقّها السيادي في هذه المسألة. تصريحات خامنئي الأخيرة واتّهامه ترامب بالكذب تدلّ بشكل واضح على عمق أزمة الثقة القائمة بين الطرفين. نتنياهو الذي يتوجّس أصلاً من خيار ترامب التفاوض مع الإيرانيين، ينظر بعين إلى ما يجري فوق طاولة المفاوضات وتحتها، ويوجّه العين الثانية نحو لحظة الفشل التي تطلق يده في تفعيل الخيار العسكري لتدمير البرنامج النووي الإيراني. فكيف ينظر معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل إلى هذه التحدّيات؟ وما هي السيناريوهات المطروحة لديه لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي ومواجهة معضلات الاتّفاق السياسي أو الخيارات العسكرية؟
نشر معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل دراسة للباحثَين تامير هايمن وراز تسيمت بعنوان “بين تسوية نووية وهجوم عسكري على إيران – نحو لحظة الحسم”، تضمّنت تصوّراً استراتيجيّاً كاملاً للتعامل مع الهدف الاستراتيجي لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، والحدّ من قدراتها الصاروخية. تناولت الدراسة ثلاثة مسارات عمل، يدمج كلٌّ منها عناصر تشمل الدبلوماسية والقوّة العسكرية والضغط على النظام، وهي:
– مسار يرتكز على تسوية سياسية.
– مسار يرتكز على الخيار العسكري (سواء أكان ذلك من خلال عملية عسكرية إسرائيلية، أو عملية تقودها الولايات المتّحدة).
– مسار مركّب: ضربة تحذيرية، بهدف الوصول إلى اتّفاق.
الموقف الرسمي الإسرائيلي غير مقتنع بالمسار السياسي ويراهن على فشل المفاوضات ويستعدّ للخيار العسكري
التّسوية مع إيران تعزّز نفوذها الإقليميّ
تحتاج التسوية السياسية مع إيران بنظر هايمن وتسيمت إلى تهديد عسكري موثوق به يركّز على البرنامج النووي وعلى بقاء النظام نفسه. وبرأيهما، يمكن تفعيل هذا التهديد “في ظلّ الفرص الحالية التي تشمل الدعم الأميركي لإسرائيل، وضُعف إيران، وإمكان تنفيذ ضربة من دون الخوف الجدّي من الانزلاق إلى حرب إقليمية لأسباب عدّة من بينها زوال تهديد الردّ من طرف “الحزب”.
يستنتج الباحثان أنّ التسوية السياسية مع إيران “قد تؤدّي، على الأقلّ في المدى القريب، إلى تعزيز النظام الإيراني، وذلك بفضل الامتيازات الاقتصادية الكبيرة التي ستحصل عليها طهران في إطار أيّ اتّفاق مستقبليّ. هذه الامتيازات ستقوّي إيران اقتصاديّاً وتعيد إدماجها في النظام العالمي، بما فيه دول الغرب. ومن المرجّح أن تستغلّ إيران هذه الموارد الاقتصادية أيضاً لتعزيز قدراتها العسكرية، وتوسيع نشاطاتها الإقليمية المثيرة للجدل، وإعادة تأهيل المحور الموالي لها، على الرغم من أنّ التغييرات التي طرأت في المنطقة خلال الأشهر الأخيرة تصعّب كثيراً جهود إعادة تأهيله”. وفي خلاصة بحثهما لمفاعيل ومعضلات التسوية، اعتبرا أنّ النظام الإيراني لن يتراجع عن معتقداته الأيديولوجية، ولن يتخلّى عن طموحاته النووية وسياساته لتعزيز نفوذه الإقليمي. ولذا لا حلّ بنظرهما بسوى تغيير النظام، علماً أنّهما اعترفا بأنّ تغيير النظام يعتمد على عوامل خارجة عن سيطرة إسرائيل، ويخضع لمسار لا يمكن التنبّؤ بوقت تفعيله.
الخيار العسكريّ غير مضمون النّتائج
الموقف الرسمي الإسرائيلي غير مقتنع بالمسار السياسي ويراهن على فشل المفاوضات ويستعدّ للخيار العسكري كما تشير آخر التطوّرات. تناولت الدراسة المذكورة أعلاه بشكل واضح محدوديّة الخيار العسكري، وأهمّية التنسيق مع واشنطن ومشاركتها على الأقلّ في مواجهة ردّ الفعل الإيراني تجاه إسرائيل عقب العملية. طرحت الدراسة عدّة إشكاليّات بشأن فعّالية وجدوى الخيار العسكري المحتمل، ومنها:
إسرائيل في مأزق الخيارات، والمعلومات الصحافية تشير إلى أنّ نتنياهو ومعه اليمين المتطرّف يميلون إلى الاعتقاد بأنّ المفاوضات آيلة إلى الفشل
1- التنسيق ضروري مع الأميركيين على الرغم من قدرة إسرائيل على التحرّك منفردة وتوجيه ضربة إلى البرنامج النووي الإيراني. لكنّ الخشية واضحة لدى الباحثَين بسبب عدم القدرة على التنبّؤ بعواقب هذه العملية وإمكان أن تؤدّي إلى تصعيد إقليمي كبير. والخشية أيضاً من عدم القدرة على تحقيق الأهداف الاستراتيجيّة بسبب ما سمّياه بـ”ثغرات استخباريّة أو إخفاقات وأعطال محتملة قد تترك في يد إيران قدرات نووية مهمّة، وقد تؤدّي إلى نتائج خطِرة، من ضمنها وقوع جنود في الأسر”.
نتنياهو
2- لا يوجد أيّ ضمانات مسبقة، مهما كانت فعّالية الضربة العسكرية، سواء أكانت إسرائيلية أو أميركية أو مشتركة، في تحقيق الهدف الاستراتيجي الأساسي المتمثّل في منع إيران من امتلاك سلاح نووي. ولا يوجد أيضاً أيّ إمكان عمليّ “لتدمير المعرفة والتكنولوجيا التي يملكها العلماء الإيرانيون، والتي ستتيح لهم إمكانات إعادة بناء البرنامج بعد الضربة العسكرية”.
3- لن تتمكّن إسرائيل من مواجهة الردّ الإيراني المحتمل بعد الضربة العسكرية ضدّ إيران. والمخاوف تتعاظم عند الباحثَين أيضاً من عدم قدرة إسرائيل على تدمير كامل القدرات الصاروخية لإيران إذا ما نفّذت العملية دون تدخّل أميركي.
4- قد تؤدّي ضربة عسكرية إلى تشجيع إيران على تطوير سلاح نووي والانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT).
نتنياهو الذي يتوجّس أصلاً من خيار ترامب التفاوض مع الإيرانيين، ينظر بعين إلى ما يجري فوق طاولة المفاوضات وتحتها
في الخلاصة، إسرائيل في مأزق الخيارات، والمعلومات الصحافية تشير إلى أنّ نتنياهو ومعه اليمين المتطرّف يميلون إلى الاعتقاد بأنّ المفاوضات آيلة إلى الفشل والاستعدادات تجري في تل أبيب لقطف ثمار هذه اللحظة. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة: هل يعطي ترامب الضوء الأخضر لنتنياهو لتوجيه ضربة عسكرية لتدمير البرنامج النووي الإيراني، ويقدّم الدعم الاستخباري والعسكري المطلوب، أم يترك نتنياهو يقرّر القيام بالعملية بمفرده؟ وبغضّ النظر عن جدّية التهديدات الإيرانية بـ”ردّ مدمّر” على إسرائيل، وسواء نفّذت إسرائيل العملية بمفردها أم بمساعدة أميركية، فمن المحتمل أن تذهب المنطقة إلى مسارات مختلفة عن تلك التي رسمتها زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة وقطر.
تقترب مهلة الشهرين التي وضعها ترامب لنهاية المفاوضات، وربّما تكشف نهاية الجولة الحالية المؤشّرات التي تحدّد وجهة خيارات الأطراف المعنيّة.
* أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية.