يواجه قطاع الكهرباء في سورية تحديات غير مسبوقة منذ أكثر من أربعة عشر عامًا، حيث أسفرت الحرب الطويلة عن دمار واسع للبنية التحتية، بينما ساهمت العقوبات الدولية في إبطاء جهود إعادة التأهيل. ومع انخفاض الإنتاج اليومي إلى 1600 ميغاواط فقط، مقابل 8593 ميغاواطا كانت متاحة قبل اندلاع الثورة السورية، تسعى الحكومة السورية إلى إيجاد حلول مستدامة لإنقاذ قطاع الطاقة.
في هذا السياق، شهدت دمشق توقيع اتفاقية مع أربع شركات دولية بقيمة سبعة مليارات دولار، تهدف إلى مضاعفة إنتاج الكهرباء عبر إنشاء محطات تعمل بتقنية الدورة المركبة، إلى جانب مشاريع للطاقة الشمسية. هذه الاتفاقيات تأتي استجابة للأزمة الكهربائية التي دفعت ملايين السوريين للاعتماد على الكهرباء الحكومية لساعات محدودة يوميًا، في ظل تكاليف مرتفعة للمولدات الخاصة والمصادر البديلة.
انعكاس الاتفاقيات على المواطنين
أكد المدير العام للمؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، المهندس خالد أبو دي، في تصريح خاص لـ”العربي الجديد”، أن المنظومة الكهربائية في سورية تعتمد بشكل شبه كامل على الوقود الأحفوري، في ظل استثمارات محدودة في الطاقة المتجددة. وأوضح أن أي تحسن في الإنتاج الكهربائي سينعكس على جميع المواطنين دون استثناء مناطق محددة. وأضاف أبو دي أن تحسين قطاع الكهرباء يعتمد بشكل أساسي على الإسراع في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة، وبدء استيراد الغاز والكهرباء لدعم الإنتاج المحلي، مشيرًا إلى أن التحسينات الحالية لا تزال محدودة وتعتمد على الموارد المتاحة داخليًا.
أمام المركزي السوري في دمشق، 30 ديسمبر 2024 (Getty)
اقتصاد عربي
الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات الاقتصادية عن سورية جزئياً
الاقتصاد والصناعة
يرى خبراء أن إعادة تأهيل قطاع الكهرباء قد يحمل تحولًا جوهريًا في المشهد الاقتصادي السوري، حيث يؤدي استقرار الطاقة إلى دفع عجلة الإنتاج الصناعي، وتعزيز بيئة الاستثمار، وتحسين الخدمات العامة. الخبير في مجال الطاقة، المهندس يوسف السيد، أكد في تصريح خاص لـ”العربي الجديد” أن استقرار الكهرباء يشكل ركيزة أساسية لدعم الصناعة السورية، إذ إن انقطاعات الكهرباء المتكررة أجبرت العديد من المصانع على تقليص إنتاجها أو الإغلاق بالكامل. وتوفر الكهرباء المنتظمة يعني خفض تكاليف التشغيل، وتقليل الاعتماد على المولدات الخاصة مرتفعة التكلفة، مما يسمح للمصانع باستعادة طاقتها الإنتاجية، حسب الخبير.
وأضاف السيد أن الصناعات الثقيلة، مثل الإسمنت، الحديد والصلب، والصناعات الكيميائية، تحتاج إلى طاقة مستقرة، وهو ما لم يكن متاحًا في السنوات الماضية. وأكد أن الاتفاقيات الجديدة ستسهم في إعادة تشغيل المصانع المتوقفة، وزيادة العرض المحلي للمنتجات الصناعية، وتقليل الاعتماد على الواردات.
الطاقة والاستثمار
لا تقتصر الاتفاقيات على التأثير الصناعي فحسب، بل تمتد إلى تحسين بيئة الاستثمار في سورية، حيث يرى خبراء أن توفير الكهرباء المستدامة يعزز جاذبية البلاد للاستثمارات الإقليمية والدولية، خصوصًا في قطاعات العقارات والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية. في هذا السياق، يشير السيد إلى أن استقرار الكهرباء يشكل عاملًا حاسمًا في جذب المستثمرين، مؤكدًا أن أي تقدم في ملف الطاقة سيحمل رسائل طمأنة للمستثمرين ورجال الأعمال السوريين في الخارج، مما قد يدفعهم للعودة وضخ استثمارات جديدة محليًا.
وفي القطاع الخدمي، فإن توفير الكهرباء بشكل مستقر سيؤدي إلى تحسين الخدمات الأساسية، مثل تشغيل المستشفيات والمدارس بكفاءة أعلى، وضمان تشغيل أنظمة النقل العامة والمرافق الحكومية دون انقطاع. كما ستتاح للطلاب فرص أفضل للتعلم عبر استخدام التكنولوجيا الحديثة دون التأثر بانقطاعات الكهرباء، مما يرفع جودة التعليم ويسهم في تحديث البنية التحتية الرقمية.
تفاصيل الاتفاقيات
تم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة السورية ومجموعة “UCC Concession Investments” القطرية، التي ستتولى دور المطور الرئيسي للمشروع، إلى جانب شركتي “Kalyon GES Enerji Yatirimlari” و”Cengiz Enerji” التركيتين، وشركة “Power International USA” الأميركية.
الاستثمارات المهاجرة طوق نجاة للاقتصاد السوري (Getty)
اقتصاد عربي
سورية… ارتباك حكومي بسبب “تأمينات العاملين”
الاتفاقية تشمل تطوير أربع محطات توليد كهرباء بتوربينات غازية تعمل بالدورة المركبة في دير الزور، محردة، زيزون بريف حماة، وتريفاوي بريف حمص، بسعة توليد إجمالية تقدر بـ4000 ميغاواط، باستخدام تقنيات أميركية وأوروبية، إلى جانب محطة طاقة شمسية بسعة 1000 ميغاواط في وديان الربيع جنوبي سورية. من المتوقع أن تساهم هذه المشاريع في زيادة عدد ساعات التغذية الكهربائية، مما سيدعم سوق العمل عبر توفير 50 ألف فرصة عمل مباشرة و250 ألف فرصة عمل غير مباشرة، ويسهم في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
إضافةً إلى ذلك، تعمل الحكومة السورية على اتفاقيات مع تركيا لتزويد البلاد بستة ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا، بالإضافة إلى 500 ميغاواط من الكهرباء عبر خط الربط بين حلب وتركيا، مما قد يسهم في تحسين التغذية الكهربائية لتصل إلى 6-8 ساعات يوميًا خلال الأشهر المقبلة.
يذكر أن عدد محطات التوليد في سورية يبلغ 12 محطة، منها محطتان خارج الخدمة بالكامل وهما زيزون ومحردة، مما يزيد من الضغط على باقي المحطات في تغطية الطلب المتزايد على الكهرباء. تعمل الحكومة حالياً على تنفيذ مشاريع صيانة وإعادة تأهيل لعدد من المحطات المتضررة، بهدف تحسين القدرة الإنتاجية وتخفيف انقطاعات التيار الكهربائي، ولكن يبدو أن الاتفاقيات الموقعة تمثل خطوة حاسمة على طريق إعادة تأهيل قطاع الكهرباء في سورية، ولكن التنفيذ الفعلي لهذه المشاريع والتغلب على التحديات المفروضة سيبقى العامل الحاسم في تحقيق تغيير جوهري.