تحيط علامات استفهام بسلوك وزير الاتّصالات شارل الحاج في مقاربته للقطاع الحيويّ الذي يديره لأكثر من سبب، وربّما أهمّها الاستعجال في إِشراك الشركات الخاصّة قبل تطوير القطاع. وها هو يُسرع ليدخل شركة ستارلينك إلى السوق اللبنانية على الرغم من التحفّظات التي كانت تسجّلها الأجهزة الأمنيّة قبل أن تعود عنها، وبشكل يُضعف الشركات المحلّية العاملة في هذا المجال، متجاهلاً دور الهيئة الناظمة المفترض بها منح التراخيص، مضاعفاً الشكوك في أدائه، وتحديداً بسبب تضارب المصالح بين موقعه وزيراً وكونه مستثمراً.
في الواقع، لا يزال قطاع الاتّصالات أشبه بالدجاجة التي تبيض ذهباً على الرغم من تراجع مداخيله بسبب الأزمة الاقتصادية- الماليّة، لكنّ تطوّر هذا القطاع عالميّاً، لا سيّما في مجال الداتا، أي الإنترنت، يجعل منه كنزاً مطموراً لا بدّ من مواكبة العصر والحداثة للاستفادة منه بعد تطويره. لكن يبدو أنّ الوزير اختار مساراً أقلّ تعقيداً وأكثر سهولةً وسرعةً في سبيل تحقيق الأرباح، حتّى لو أدّى ذلك إلى تبديد مداخيل إضافية يمكن تحقيقها فيما لو تمّ الاستثمار في القطاع ورفع مستوى جودته.
بالتفصيل، يتبيّن أنّ الشكوك المثارة حول أداء الوزير، تنطلق من جوانب ثلاث:
1- التضارب في المصالح. وقد عبّر سؤال وجّهه النائبان إبراهيم منيمنة وياسين ياسين إلى الحكومة، لم يردّ عليه الوزير حتّى الآن على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على توجيه السؤال، عن وجود تضارب مصالح بين وزير الاتّصالات الجديد وبعض الشركات الخاصّة العاملة في القطاع نفسه، والتي يُقال إنّه يملكها أو يشارك فيها.
جاء في السؤال أنّه تبيّن أنّ الوزير يملك أو له علاقة بعدد من شركات الاتّصالات، ومنها:
– Mada Communications
– Mada/Waves
– Connection Services
– XOL
– International Sal Holding
لا يزال قطاع الاتّصالات أشبه بالدجاجة التي تبيض ذهباً على الرغم من تراجع مداخيله بسبب الأزمة الاقتصادية- الماليّة
سأل ياسين ومنيمنة: ما هي الشركات التي يملكها أو له حصص فيها وزير الاتّصالات أو تربطه بها صلة مباشرة أو غير مباشرة؟ وكيف يمكن التأكّد من عدم وجود تضارب مصالح بينها وبين مهامّه الوزاريّة؟ ما هي طبيعة العلاقة بين الوزير وبين شركات مثل: Connection Services، Mada/Waves، MCI، وغيرها؟ ما هي الإجراءات التي يمكن أن تتّخذها الحكومة لضمان عدم وجود تضارب مصالح؟ هل بادرت الحكومة أو أيّ جهة مختصّة إلى التأكّد من عدم وجود تضارب مصالح؟
خطّة غامضة
2- غموض خطّة الوزير المقترحة للقطاع: تقدَّم الوزير بخطّة إلى لجنة الاتّصالات في مجلس النوّاب يشرح فيها رؤيته للقطاع على مدى ثلاث سنوات، لكنّها وفق خبراء تعاني عيوباً هيكليّة تهدّد بتحويلها من فرصة إصلاحيّة إلى تكريس للأوضاع القائمة مع تفاقم المشاكل، لا سيّما أنّها ترتكز على إنشاء شركة Liban Telecom. إذ تكشف الخطّة الثلاثية لوزارة الاتّصالات اللبنانية (2025-2028) عن تناقضات جوهرية ومخاطر كبيرة تهدّد تحقيق هدفها المعلن المتمثّل بتحويل لبنان إلى مركز رقميّ إقليميّ. تتمحور الانتقادات حول غياب الشفافية، التسرّع في التنفيذ، تجاهل المشاكل الهيكلية القائمة (خاصّة مشكلة الشبكات غير الشرعية) وإضعاف دور الهيئة الناظمة المستقلّة (TRA).
وزير الاتصالات
أمّا Liban Telecom فهي شركة اتّصالات وطنيّة مخطّط لإنشائها بموجب القانون رقم 431 الصادر عام 2002، والناظم لقطاع الاتّصالات. يفترض أن تكون هذه الشركة مملوكة للدولة وتعمل على تقديم خدمات الاتّصالات الثابتة والمتحرّكة، بالإضافة إلى خدمات الإنترنت، وذلك ضمن إطار تنظيمي يشمل أيضاً وزارة الاتّصالات وهيئة تنظيم الاتّصالات (TRA). ولتأسيس هذه الشركة لا بدّ من تقويم أصول القطاع قبل طلب الشراكة من القطاع الخاصّ. وهنا الأساس.
لوحظ أنّ الوزير مستعجل لإنشاء “ليبان تلكوم” كما ينصّ القانون
800 ألف مشترك غير شرعيّ
تحدّثت الخطّة عن مهلة زمنية غير واقعية (أقلّ من سنة للتأسيس ونقل الأصول)، وتجاهلت مشكلة الشبكات غير الشرعية في ظلّ وجود أكثر من 800 ألف مشترك غير شرعي (خسارة 100 مليون دولار سنويّاً)، وعدم وجود خطّة لمعالجة هذه المشكلة قبل إطلاق Liban Telecom. لهذا ثمّة خشية من تحوّل الشركة إلى مشغِّل هامشيّ ذي حصّة سوقية تبلغ 20% فقط، بسبب تكبير حصّة القطاع الخاصّ مع الوقت بحجّة أنّ الدولة مدير سيّئ.
هذا ما يطرح السؤال: هل الهدف من هذه الخطوة هو الاستعجال لفتح القطاع أمام الشركات الخاصّة، والوزير جزء من هذا القطاع كما هو متّهم؟ أين الهيئة الناظمة التي يفترض بها أن تكون شريكة تنفيذية مع الوزير؟ وما دام الوزير عبّر أكثر من مرّة عن نيّته إنشاء الهيئة والتخلّي عن بعضٍ من صلاحيّاته لها، فلماذا تجاوزها؟
في هذا السياق، لوحظ أنّ الوزير مستعجل لإنشاء “ليبان تلكوم” كما ينصّ القانون، وتفيد المعلومات أنّه يستعدّ لإجراء مناقصة لاختيار شركة تقوم بمهمّة تقويم الأصول والموجودات قبل فتح الباب أمام القطاع الخاصّ، وكان أعدّ دفتر شروط المناقصة وتبيّن أنّه يشوبه الغموض وليس كافياً ويفتقر إلى سند قانوني لتقويم أصول شركتَيْ الخلويّ “ألفا” و”تاتش” نظراً للاستقلالية التجارية التي تتمتّع بها الشركتان ولو أنّ الدولة استردّت إدارتهما، علاوة على السؤال عن صلاحيّة الهيئة الناظمة في هذا المجال. ولهذا لم يسلك الدفتر طريقه الرسمي إلى هيئة الشراء العامّ.
ستارلينك والشّركات المحلّيّة
3- المسارعة إلى إدخال ستارلينك. بداية لا بدّ من الإيضاح أنّ “ستارلينك” (Starlink) هي خدمة إنترنت عبر الأقمار الصناعية أطلقتها شركة سبيس إكس (SpaceX)، التي أسّسها إيلون ماسك. تهدف “ستارلينك” إلى توفير اتّصال إنترنت عالي السرعة ومنخفض الكمون (Latency) إلى المناطق النائية والمعزولة في العالم، حيث يصعب إيصال الإنترنت التقليدي بالألياف البصرية أو الشبكات الخلويّة.
يكفي الاطّلاع على كتاب رفعته مجموعة من الشركات اللبنانية الخاصّة المزوِّدة لخدمة الإنترنت إلى وزير الاتّصالات، عبّرت فيه عن اعتراضها
تعتمد على شبكة ضخمة من الأقمار الصناعية الصغيرة التي تدور في مدار أرضيّ منخفض (LEO)، على ارتفاع يراوح بين 300 إلى 600 كيلومتر. تُرسل هذه الأقمار وتستقبل الإشارة من محطّة أرضية (هوائي ستارلينك يُعرف بـ”Dishy”) موصولة براوتر في منزل المستخدم.
ماذا تُخفي هذه الخدمة؟
للإجابة على هذا السؤال يكفي الاطّلاع على كتاب رفعته مجموعة من الشركات اللبنانية الخاصّة المزوِّدة لخدمة الإنترنت إلى وزير الاتّصالات، عبّرت فيه عن اعتراضها على هذه الخدمة، وعن المخاوف والملاحظات الفنّية والماليّة والقانونية على اقتراح استخدام خدمات “ستارلينك” لتوفير الاتّصالات الاحتياطية للمؤسّسات والشركات في لبنان.
تحدّثت الشركات عن قلق من عدم التشاور المسبق، إذ تمّ التبليغ عن الخطّة عبر وسائل الإعلام من دون مناقشة مسبقة مع الشركات المحلّية المزوِّدة لخدمات الإنترنت.
تناول الكتاب أيضاً التأثير على الاقتصاد الوطني:
– خسارة جزء كبير من دخل الشركات المحلّية (25% من زبائن المؤسّسات والشركات). ستؤثّر الخدمة بشكل مباشر على مداخيل شركات الاتّصالات الأساسية في البلد مثل “أوجيرو”، “تاتش” و”ألفا”، إضافة إلى الشركات الخاصّة.
– تحويل عائدات الخدمة إلى الخارج بدلاً من دعم الاقتصاد اللبناني.
– انخفاض مداخيل الدولة من قطاع الاتّصالات بنسبة 27%.
– إدخال Starlink بطريقة عشوائية قبل تصحيح الرسوم المفروضة على الشركات المحلّية، وهو ما يُعتبر ضربة قاضية لهذا القطاع.
تحيط علامات استفهام بسلوك وزير الاتّصالات شارل الحاج في مقاربته للقطاع الحيويّ الذي يديره لأكثر من سبب
تحدّث الكتاب عن التحدّيات التنافسيّة لجهة:
– كلفة الإنترنت المرتفعة على المزوّدين المحلّيين مقارنة بأسعار “ستارلينك”.
– عدم قدرة الشركات المحلّية على تحديث بنيتها التحتيّة بسبب القيود الحكومية.
ذكر أيضاً أنّ معظم دول المنطقة كالمملكة العربية السعودية لم تفتح سوق Starlink بشكل كامل، بل حدّدت استخدامها في قطاعات خاصّة ومحدودة كالملاحة الجوّية والبحريّة، وذلك حفاظاً على التوازن بين الحداثة التكنولوجيّة والحفاظ على استدامة قطاع الاتّصالات الوطنيّ.
إقرأ أيضاً: خطوات انقاذ لبنان: انهاء الفساد والشراكة مع القطاع الخاص
أمّا اللافت في تواقيع الشركات التي حملها الكتاب فهو غياب توقيعين لشركتين يُسأل وزير الاتّصالات عن علاقته بهما، وهما شركتا Mada/waves وConnection. هكذا يدخل الوزير بقدميه إلى قفص الاتّهام بتغليب مصالحه الخاصّة على المصلحة العامّة، خصوصاً أنّه قرّر تجاوز كلّ موجبات تعديل القانون الناظم لقطاع يتقدّم بسرعة البرق، مفضّلاً الذهاب إلى الخصخصة، ولو الجزئيّة، تحت عنوان تطبيق القانون وإنشاء شركة “ليبان تيليكوم” من دون العمل على تحسين القطاع وتطويره لرفع قيمة أصوله وموجوداته، متجاهلاً دور الهيئة الناظمة التي يخصّصها القانون بصلاحيّة منح التراخيص.
لمتابعة الكاتب على X:
@clairechaka