لا تبدو التطورات السياسية والعسكرية والاجتماعية قد غيّرت في مقاربة “الثنائي الشيعي” للسياسة وأسلوبها وأدواتها.
هو الأسلوب نفسه، والخطاب نفسه: التمسك بالسلاح. تصعيد في الخطاب وتلويح بالشارع. حتى محاولات رئيس مجلس النواب نبيه برّي “التمريك” على الخصوم، وافتراضه تسجيل نقاط “بلاغية” لمّاحة… هي نفسها.
في الأيام القليلة الماضية أعيد إحياء الشارع كصندوق بريد محمّل برسائل واضحة، يختلف المتابعون، فقط، في قراءة حدودها. يقرأ فيها بعضهم ضغطاً على الحكومة ورئيسها نواف سلام، سقفها “التدجين”، ويعتبر آخرون أن الهدف المضمر إسقاط الحكومة ورئيسها، ولا ضير من إخراج “نموذج” سلام من نادي رؤساء الحكومات.
لقاء برّي- سلام وأبواب الأخير المشرّعة لحزب الله، أوحيا بالتهدئة وإفساح المجال لحراك سياسي يقرّب المسافات إلى مساحة مشتركة.
ومع ذلك، الآمال ضعيفة. فالمسافة السياسية مترامية بين الفريقين، ترعى فيها الغزلان وتعلوها رياح الحذر والتوجس.
وما تكرار الأساليب المستخدمة والتلويح بالشارع، المنهك أصلاً، إلاّ استعادة لسلوكيات سبق اختبارها.
مسار الاحتواء والتطويع
منذ أواخر التسعينات بدأ اختراق الاتحاد العمالي العام والنقابات في محاولة احتوائها وتطويعها. وكان للثنائي، تحديداً لحركة أمل، ما أرادت. فوضعت اليد على العمل النقابي وصار وسيلة ضغط سياسي معلن.
عام 1997 استخدم “التحريض النقابي” ضد حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحُمّل انذارات سياسية حازمة.
وعام 2001 ترجم تصاعد الخلاف بين الحريري والنظام السوري تحركات نقابية واسعة “برعاية” الثنائي. واستمر الإمساك بالعمل النقابي بعد الانسحاب السوري عام 2005.
عام 2006 حرّك الثنائي قواعده النقابية والشعبيةـ وكان الهدف تقويض شرعية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وتهيئة الشارع لاعتصام وسط بيروت.
لاحقاً، وفي أوج الانقسام بين 8 و14 آذار كان الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام أحد الشرارات التي مهدت الطريق إلى أحداث 7 أيار 2008.
و…تطول اللائحة، وصولاً إلى محاولة الالتفاف على “ثورة 17 تشرين” التي بدا واضحاً أنها عكست فقدان الاتحاد العمالي العام وغالبية النقابات شرعيتها التمثيلية.
احتواء مستحيل وصدام مؤجل
يتم راهناً التلويح بالأساليب نفسها. لم يغيّر الزمن ونوائبه شيئاً عند “الثنائي”. ويبدو وكأن الدفع حثيث إلى تعميق الأزمات والإبقاء على الاجتماع الأهلي معلقاً على حدود التوتر المزمن. وهو ما تُرجم مثلاً، في الهتافات التي صدحت ضد سلام في المدينة الرياضية واستهدافه بشكل ممنهج على وسائل التواصل الاجتماعي.
وإذا كان لقاء برّي-سلام قد خفف من أجواء التوتر التي كانت إلى تصاعد واضح، وهو ما يُرجح أن ينسحب شكلاً على اللقاء المفترض اليوم بين سلام وكتلة “الوفاء للمقاومة”، إلاّ أنه لا يصعب توقع مسار العلاقة بين الطرفين: احتواء مستحيل وصدام مؤجل، يدفع سلام في الحالتين ثمنهما من “صورته” ورصيدها.
فالصراع اليوم ليس شدّ حبال على حقيبة وزارية ولا حتى على ثلث معطل. هو اختبار جديّ، بمهلة زمنية محددة إلى ما قبل الانتخابات النيابية، لمدى قدرة الحكومة والعهد على إعادة انتاج سلطة تعبّد الطريق، أقله، أمام تطبيق البيان الوزاري وخطاب القسم. بتعبير آخر، سلطة تعيد الاعتبار للقانون والدستور والمؤسسات وهيكل الدولة، وتلتزم بتعهداتها. سلطة “تضرب الحديد وهو حام” على ما يقول المثل ، طالما أن الزمن زمن “تسخين وتبريد”…والكامخ بينهما.
increase