لفت نظري من خلال متابعتي لبعض الصفحات على الفيسبوك ، ان هناك من يحاول اقتحام حقول التاريخ والسياسة المليئة بالالغام ، دون زاد معرفي كاف ، فيثير الكثير من اللغط حول مسلمات اوبديهيات بغنى عن الجدال والسجال.
اعادتني هذه الكتابات إلى ظاهرة تاريخية – اجتماعية، تتمثل في نشوء ما يسمى ب “وعي الذات القومي” وتطوره . الذي ظهر في مراحل مبكرة من التاريخ البشري، ضمن المجموعات البشرية ذات الخصائص العرقية و التقاليد الثقافية المشتركة ( لغة ، عادات ، معتقدات..الخ) . وهذا الوعي قد خلق تصورات ومواقف حول المجموعة من الناس تميزت أو اختلفت الأخرى ، سواء أكان ذلك في الشكل والمظهر الخارجي ، أم في اللغةو التقاليد والمعتقدات ..الخ . بتعبير آخر وبأختصار ، ظهر مفهوم جماعتنا وجماعتهم .. قبيلتنا وقبيلتهم .. قومنا وقومهم .. ” نحن “.. و ” هم ” . لكن من الضروري الإشارة إلى تلازم هذا الوعي بظاهرة أخرى ، مفادها لصق كل الصفات السلبية ب ” هم ” ، و الايجابية ب ” نحن ” . فلا اشكال “هم ” جميلة ، ولا لغة “هم ” مستساغة ، ولا عادات ” هم “مقبولة ، بل حتى ديانة ومعتقدات ” هم ” سخيفة .. واستمر هذا التقليد على هذا النحو او ذاك حتى أيامنا هذه، ليتطور هو الاخر ويتحول إلى مفاهيم و “نظريات ” عنصرية مختلفة .
هذا ما المسه من كتابات البعض لدى الحديث عن تاريخ وعراقة الشعب الكردي ، عن جمال وغنى وفرادة اللغة الكوردية، عن شجاعة وإقدام الكوردي ، عن حضارة الشعب الكوردي ، عن عظماء وقادة الكورد .. وصولا إلى “الاحصائيات ” التي تتناول عديد افراد الشعب الكوردي . بالمختصر المفيد ان البعض مت ” نحن ” لم ” يقصر ” بتاتا في احتكار المحاسن والايجابيات ، بينما بلع لسانه فيما يخص النقائص والسلبيات .. ليس هذا فحسب بل ولم يقصر في تقييم ال ” هم ” ايضا ..!!
أما اذا وضعنا التاريخ جانب وانتقلنا إلى السياسة ، فنجد أن البعض من ” نحن ” يدعي بأن لا علاقة للكورد بما يجري في غزة .. بمعنى “فخار يكسر بعضه” ..أو إبداء بعض التشفي المموه ، بما يحدث للغزاويين ، والفلسطينيين عموما ، ف ” هم ” لم” يدعمو قضيتنا العادلة والمشروعة ، بل وقفوا في الماضي موقف العداء منها اثناء مناصرتهم لصدام ..أما اليوم فيدعمون مرتزقة اردوغان في بناء المستوطنات في عفرين ” بغية تغيير تركيبتها السكانية و استلاب هويتها الكوردية .
المشكلة ان اهل غزة “هم ” ، كلهم ” هم ” ، حمساويون ارهابيون اسلامويون متطرفون ، مرتزقة لأيران … لكن هل من المعقول ان نصف كل الغزاويين او الفلسطينيين بأنهم حمساويون ..لماذا هذا التوصيف المسيء للفلسطينيين ، في الوقت الذي يؤكد فيه زعيمهم عباس مرارا بأن حماس لا تمثل الفلسطينيين ..! لماذا ننزعج عندما يوضع كل الكورد ، او على الاقل كورد سورية في خانة البيكيكي ، ويوصمون بالارهاب .!؟
لماذا نتغافل عن اؤلئك المعارضين لنهج حماس واخواتها من الفلسطينيين !؟
لماذا نتجاهل أن هناك بشر من صنف ” نحن ” مغلوبون على أمرهم .. ؟
لماذا نتناسى الأطفال والنساء والشيوخ الذين يدفعون ضريبة جنون وارتزاق وارهاب حماس و حكومة نتنياهو !؟
من المعيب ان نتنكر للقيم الانسانية .. أن نبخل بالتضامن مع الضحايا المدنيين ومع المظومين والمقهورين مهما اختلفت انتماءاتهم ، واينما كانت اراضيهم . القضايا العادلة تحتاج إلى الاصدقاء، نحن بحاجة إلى كثير من الاصدقاء، فأعدائنا كثر . التنديد بالارهاب والعنصرية والقتل والتجويع والتشريد واجب انساني وليس منة على أحد !
وبالأخير فإن مثل هذا السلوك لا يستوي مع تقاليد شعبنا في العرفان بالجميل ، وخاصة إزاء وقف وتضامن معنا يوما من أبناء فلسطين وشرفائها ، ولا حاجة للتذكير بهم ، يكفي ان نرجع بذاكرتنا ، لأكثر من قرن وربع القرن، لنتذكر ” الهدية الحميدية ” القاموس الكردي- العربي الأول الذي وضعه فلسطيني أسمه يوسف ضياء الدين باشا الخالدي المقدسي في عام ١٨٩٢ .