يتأرجح أكراد سورية ما بين مساري تفاوض مع دمشق، الأول لـ”الإدارة الذاتية”، الذراع المدنية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والثاني يقوده وفد كردي مشترك من عدة تيارات سياسية، سقفه التفاوضي مرتفع للغاية، ويحمل مطالب تبدو صعبة التحقق.
واتفق أكراد سورية أخيراً على تشكيل وفد مشترك سيكون المرجعية السياسية للحوار مع الحكومة، حول مطالبهم السياسية. وأُعلن عن أسماء الوفد المكون من تسعة أعضاء، مساء أول من أمس الأربعاء، وهم: بروين يوسف (حزب الاتحاد الديمقراطي) ومحمد إسماعيل (رئيس المجلس الوطني الكردي)، آلدار خليل (الاتحاد الديمقراطي)، ونصر الدين إبراهيم (الديمقراطي الكردستاني)، وسليمان أوسو (المجلس الوطني)، وفيصل يوسف (المجلس الوطني)، وصلاح درويش (الحزب التقدمي)، وأحمد سليمان (الحزب التقدمي)، وريحان لوقو (مجتمع مدني). ويرأس الوفد الذي من المفترض أن يتوجه إلى دمشق بُعيد عيد الأضحى، كل من بروين يوسف ومحمد إسماعيل.
وقالت الرئاسة المشتركة للوفد الكردي، في بيان الأربعاء الماضي، إنه تشكل “بعد مشاورات جرت بين الأطراف المشاركة في كونفرانس (مؤتمر)، وحدة الصف والموقف الكردي في سورية”، والذي عقد في 26 إبريل/نيسان الماضي، برعاية أميركية وفرنسية. وأشارت إلى أن مهمة الوفد “الحوار مع حكومة دمشق والأطراف الدولية والكردستانية، ووفقاً للرؤية الكردية المشتركة بشأن سورية والقضية الكردية”.
ويحمل الوفد إلى دمشق وثيقة سياسية توافقت عليها القوى السياسية الكردية في المؤتمر، تتضمن مطالب يبدو أنه من الصعوبة بمكان تنفيذها، وخاصة لجهة منح أكراد سورية لا مركزية سياسية. ودعت الوثيقة إلى اعتماد نظام حكم برلماني لا مركزي في سورية “يتبنى التعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات”. وتطالب الوثيقة بـ”توحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سورية اتحادية”، و”الإقرار بالوجود القومي للشعب الكردي في سورية كشعب أصيل”، و”الاعتراف الدستوري باللغة الكردية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في البلاد، وضمان التعليم والتعلم بها”. وتضمنت الوثيقة مطالب أخرى تدعو إلى “ضمان مشاركة أكراد سورية في مؤسسات الدولة التشريعية، القضائية، التنفيذية والأمنية”.
واستدعت هذه المطالب رداً سريعاً من الإدارة السورية، حيث أعربت، في بيان شديد اللهجة في 27 إبريل الماضي، عن رفضها القاطع لأي محاولات “لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة بمسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل”. واعتبرت أن الوثيقة تتعارض بشكل صريح مع اتفاق وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع مع قائد قوات “قسد” مظلوم عبدي في مارس/آذار الماضي نص على “دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية كافة ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”. وقد شرعت هذه القوات بالفعل في مسار تفاوض مع الحكومة السورية عبر “الإدارة الذاتية”، ذراعها الإدارية والمدنية، لتطبيق مضامين هذا الاتفاق الذي تحاول ربط تنفيذه مع قضية أكراد سورية برمتها، في محاولة واضحة للحصول على مكاسب لها في المنظومة العسكرية في البلاد وللأكراد في الدستور المزمع كتابته خلال الفترة الانتقالية والمقررة خمس سنوات.
لا اختراقات مهمة في مفاوضات أكراد سورية والحكومة
ولم تحقق جولات تفاوض بدأت منذ مارس الماضي اختراقات مهمة في الملفات الصعبة، وهي تتعاطى مع ملفات لا خلافات جوهرية حولها. وكان المشهد السياسي الكردي يشهد تشظياً قبيل إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي. فالهوّة كانت واسعة ما بين المجلس الوطني الكردي، الذي يضم العديد من الأحزاب، وبين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيطر فعلياً على “قسد” من خلال ذراعه العسكرية (الوحدات الكردية). لكن التغيير العميق الذي جرى في البلاد، أجبر أكبر تشكيلين سياسيين كرديين في سورية بدفع من الجانب الأميركي وإقليم كردستان العراق، إلى جسْر الهوة بينهما، وتوصلا إلى مرجعية سياسية واحدة، تجلت عبر الوفد المشترك الذي سيترقب الشارع الكردي نتائج اجتماعاته مع الحكومة في دمشق. ويُنظر إلى حزب الاتحاد الديمقراطي على أنه النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني في تركيا، والذي أعلن مؤخراً حل نفسه وتسليم سلاحه، وهو ما انعكس على أكراد سورية الساعين وراء مكاسب سياسية محصنة دستورياً.
وأشارت المعطيات إلى أن “الاتحاد الديمقراطي” هو الطرف الأقوى في المعادلة السياسية الكردية، ما يعني أنه المفاوض الحقيقي للحكومة السورية، سواء في وفد “الإدارة الذاتية” أو الوفد المشترك. وفي هذا الصدد، رأى المحلل السياسي فريد سعدون، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الوفدين المفاوضين لهما مرجعية سياسية واحدة “هي قيادة قسد”، مضيفاً: الاتفاق المبرم ما بين الشرع وعبدي هو الأساس الذي سيُبنى عليه في المفاوضات، فوفد الإدارة والوفد المشترك الذي سيذهب لاحقاً إلى دمشق لن يحيدا عن الاتفاق الذي جرى في مارس الماضي. وتابع: قسد هي التي تتسيّد الموقف، وهي رأس الحربة في المفاوضات مع دمشق، فهي الجهة المسيطرة على الأرض ومتحالفة مع قوى دولية.
وأشار سعدون إلى أن الوفد المشترك “سيناقش الحقوق الكردية المطلوب من حكومة دمشق الاعتراف بها دستورياً، بينما يناقش وفد الإدارة الذاتية قضايا تخصها لجهة ربط هذه الإدارة بالحكومة المركزية في دمشق”. وبين أن الطلب المشترك “هو اللامركزية السياسية”، معرباً عن اعتقاده أن دمشق “لن تعترف إلا بلامركزية إدارية في محافظة الحسكة فقط”، مضيفاً: “قسد” المحور الأساسي والجميع يدور في فلكها السياسي.
مهمة الوفد الكردي المشترك في دمشق
من جانبه، أوضح القيادي الكردي شلال كدو، في حديث مع “العربي الجديد”، أن مهمة الوفد المشترك الذي شُكل الأربعاء الماضي “تنحصر في مناقشة الوثيقة التي توصلنا إليها في مؤتمر القامشلي في إبريل الماضي، وشرح بنود هذه الوثيقة للحكومة”. وتابع: وفد الإدارة الذاتية مهمته مناقشة تنفيذ بنود الاتفاق الذي تم بين الشرع وعبدي. لا أعتقد أنه سيكون هناك تضارب بين الوفدين. وأعرب عن اعتقاده أن التفاوض بين أكراد سورية والحكومة في العاصمة “سيواجه صعوبات كبيرة”، مشيراً إلى أن “المزاج السياسي مختلف”، مضيفاً: الوفد سيطالب باللامركزية وبحقوق متقدمة للأكراد، ولكن الرؤية مختلفة في دمشق التي رفضت الوثيقة عند إصدارها. الوفد سيحاول إقناع الجميع بواقعية بنود هذه الوثيقة.
وينتشر أكراد سورية في العديد من المناطق، إلا أن جلهم يقطنون في محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من البلاد، وخاصة في القامشلي وريفها، فضلاً عن منطقتي عفرين وعين العرب (كوباني) في ريف حلب. وكان المبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا قال في العام 2016 إن أكراد سورية يشكلون نحو 5% من السكان، إلا أن الناشطين الأكراد يعتبرون النسبة أعلى، في ظل غياب إحصائيات حديثة يمكن الركون اليها.
وتعرض أكراد سورية منذ استيلاء حزب البعث على السلطة في البلاد قبل نحو 60 عاماً للتهميش، وهو ما يدفعهم اليوم للبحث عن صيغ دستورية لضمان حقوقهم في النظام السوري الذي بدأ في التبلور.
وأعرب الباحث السياسي زيدون الزعبي، في حديث مع “العربي الجديد”، عن اعتقاده أن “الأكراد سيحصلون على تكريس لحقوقهم الثقافية مع ترتيبات تتعلق بالشرطة المحلية في سياق التحولات المتعلقة بقسد والتشكيلات المرتبطة بها”. وبرأي الزعبي فإن لدى الجانب الكردي أوراق ضغط على دمشق، مضيفاً: لديهم عدد من المقاتلين الذين يحتاجون إلى ضبط مركزي كي لا تحدث فوضى في البلاد. وتابع: لدي قناعة أن الطرفين (الحكومة وقسد)، بحاجة إلى حلول سريعة لمجمل القضايا العالقة، في ظل الترتيبات الجديدة في المنطقة ككل.