ملخص
استباحت إسرائيل لنفسها مرة أخرى خرق كل قواعد القانون الدولي العام والإنساني باستخدام القوة من جانب واحد وبصورة استباقية، مخالفة للفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي لا تجيز استخدام القوة بهذه الصورة، فضلاً عن استهدافها مرافق نووية دولية في مخالفة فادحة للمادة الـ56 من البروتوكول الإضافي لاتفاق جنيف.
الاعتداء الاسرائيلي على إيران جاء في سياق هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي المعلن وعزمه تغيير طبيعة الشرق الأوسط باستخدام أو التهديد بالعنف عبر المنطقة بأكملها، والنتائج العسكرية والأمنية والسياسية والأحداث الجارية غير مكتملة، وتحتاج إلى تقييم دقيق في نهايتها.
وتتلخص أهم الأهداف الإسرائيلية المعلنة والمتصورة من تصرفاتها الأخيرة في إيران، في القضاء على البرنامج النووي، وتحجيم القدرات العسكرية الإيرانية، مع تأكيد قدرات إسرائيل العسكرية والسياسية المتفوقة والمميزة في المنطقة، وتثبيت حقها السياسي في استخدام القوة بصورة استباقية تحت ذريعة الدفاع عن النفس، مع إعادة هيبة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إقليمياً ودولياً، وتغيير النظام الإيراني وبث الانشقاقات داخله، فهل يستخلص من تطور الأحداث حتى الآن نجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها؟
نجحت البرمجة الإعلامية الإسرائيلية في الأيام الأولى بدرجة كبيرة في إبراز قدرات إسرائيل الاستخبارية والعسكرية بسرعة إعلان قتل الشخصيات الإيرانية السياسية والعسكرية، واستهداف مواقع إيرانية مهمة، مع التحكم في المعلومات الصادرة عن الخسائر الإنسانية والمادية الإسرائيلية.
وقتلت إسرائيل أكثر من 20 شخصية إيرانية قيادية مهمة سياسياً وعسكرياً ومن المتخصصين في المجال النووي، واستهدفت أكثر من 100 موقع استراتيجي، بينها مراكز تحكم عسكرية ونووية ومولدات طاقة ومعسكرات، في ظل إمكانات عسكرية عالية ومتفوقة ودعم أمني غربي، ونجحت بالتأثير في القدرات الإيرانية عامة من دون تحمل خسائر عسكرية كبيرة أثناء العمليات داخل الحدود الإيرانية، ومع هذا واصلت إيران القصف الصاروخي داخل إسرائيل، وحققت بعض الخسائر التي جعلت سكان إسرائيل يشعرون أنهم في حرب حقيقية، وعليه لم تحسم الأمور.
وليس من الواضح حتى الآن مدى تأثر البرنامج النووي الإيراني بالعدوان الإسرائيلي، وطبيعة الخسائر في مرفقي نطنز وفوردو، لأن القضاء على هذا البرنامج يتطلب حجب المواد النووية المطلوبة لتغذية التسليح النووي، وتدمير الأجهزة اللازمة لصناعة تلك الأسلحة، والقضاء على المعرفة الإيرانية الضرورية لتحويل المواد إلى أسلحة نووية، وكلها أمور لا يوجد دليل مادي على حدوثها، لذا فلم يتحقق هذا الهدف الإسرائيلي حتى الآن.
وكان لافتاً أن إيران استطاعت إعادة تشكيل هيئاتها سريعاً، والاستمرار في إطلاق مئات من الصواريخ ضد إسرائيل، على رغم خضوعها لنظام العقوبات الغربية منذ أكثر من عقد من الزمن، وهو مؤشر أن إسرائيل حملت إيران خسائر جمة، إنما لم تقض على القدرات العسكرية الإيرانية غير النووية كلياً حتى الآن.
واستباحت إسرائيل لنفسها مرة أخرى خرق كل قواعد القانون الدولي العام والإنساني، باستخدام القوة من جانب واحد وبصورة استباقية، مخالفة للفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي لا تجيز استخدام القوة بهذه الصورة، فضلاً عن استهدافها مرافق نووية دولية في مخالفة فادحة للمادة الـ56 من البروتوكول الإضافي لاتفاق جنيف، الذي يحظر استهداف المرافق النووية، علماً أن غالب الدول الغربية أطراف فيها، ومع هذا يعلنون تأييدهم لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، مما يخل ويضعف من صدقية كل القوانين الدولية.
ولعل أكبر النجاحات الإسرائيلية هي إعادة قدر كبير من الهيبة لمنظومة ومؤسسات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، مع توغلها الشديد في إيران وإتاحة معلومات بالغة الدقة والأهمية، مما ترك انطباعات واسعة على المستويين الدولي والإقليمي، وذلك بعد قتل إسماعيل هنية وهو بين جدران الإقامة وسط الحرس الثوري في طهران، وهو دليل واضح على وجود نقاط ضعف عديدة في المكون السياسي والمؤسسي الإيراني، علماً أننا شهدنا أيضاً توغلاً استخبارياً إيرانياً في إسرائيل إنما على مستويات أقل.. عند سكوت المدافع من الطبيعي والمنطقي إجراء الأنظمة والمجتمعات مراجعة للأوضاع، بعد تقدير حجم ونوعية الخسائر وتداعياتها بعمق، بخاصة أنه بات واضحاً أن إسرائيل لم تنجح حتى الآن في تغيير النظام الإيراني، وهو أحد الأهداف الذي أبرزها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ولم تتضح بعد التوجهات القادمة في سياسات إيران، نحو مزيد من المرونة بعد تكبد خسائر كبيرة، أو على نقيض من ذلك نحو التشدد، تحت ضغط الذين يرون أن الأزمة الحالية سببها التراخي والأخطاء من التيارات الإيرانية المعتدلة الداعية إلى الانفتاح والتفاوض مع الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، فقد تقرر العودة للمشاورات المكثفة مع وكالة الطاقة الذرية والمفاوضات مع الولايات المتحدة، أو تتجه نحو التصعيد بتجميد تنفيذ إجراءات التفتيش الخاصة بالبروتوكول الإضافي للضمانات الدولية وتعليق عضويتها في معاهدة عدم الانتشار النووي، ومجموعة من الخيارات الأخرى.
ويتوقع أن تشمل المراجعة السياسية والعسكرية إسرائيل أيضاً، بل وأن تمتد إلى دول وساحات أخرى، بعد انتهاء الجميع من مراجعة الأحداث ونتائجها وتصرفات الجانبين الإيراني والإسرائيلي، وردود الفعل الضعيفة والمتباينة من المجتمع الدولي، والاحتياط من المفاجآت والتوترات أصبح حاجة ملحة في ضوء عسكرة الأحداث وانكماش الدبلوماسية.
بين إيران والقنبلة النووية 5 أسابيع… انظروا إلى الصين
أتابع كل هذه الأحداث وأتذكر المبادرات المصرية الواعية منذ عام 1974 لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية بالتعاون مع إيران، وفي أوائل التسعينيات منفردة لإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل الكيماوية والبيولوجية، مبادرات كانت تجنبنا التوترات الحالية في المنطقة، وما يرتبط بها من أخطار نووية، وجهود تعثرت إزاء رفض إسرائيل الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي أو دخول المبادرات المصرية إلى حيز النفاذ، فضلاً عن ميوعة وازدواجية سياسات ومعايير الدول المودع لديها المعاهدة، وهي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا، ورفضها التعامل الجاد مع البرنامج النووي الإسرائيلي.
هناك الآن أخطار أمنية وإنسانية حقيقية مترتبة على الأحداث الأخيرة، وتداعيات اقتصادية على الملاحة الجوية والبحرية تمس دول المنطقة كافة وتتجاوزها، وعلى المجتمع الدولي سرعة التحرك، ومطالبة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن للاجتماع، وهو الجهاز المنوط به حفظ الأمن والسلم الدوليين وإجراء اتصالات دبلوماسية مشتركة وعاجلة ومكثفة بهدف:
– وقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، والتشديد على ضرورة حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية.
– تقوم الدول الخمس بتوفير الرقابة عن بعد لوقف إطلاق النار، مع تقديم تقارير إلى مجلس الأمن بأي خرق لوقف إطلاق النار.
– الاستئناف الفوري للمفاوضات النووية الأميركية – الإيرانية، بغية معالجة المحاذير والقلق المرتبط بالبرنامج النووي الإيراني، وتوفير الشفافية اللازمة بخصوصه، مع احترام حق طهران المشروع في الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
– تأكيد مواقف المجلس السابقة بضرورة تجنب الحروب النووية، والالتزام بالمواثيق الدولية باستخدام القوة أو عدم استهداف المرافق النووية.
– دعوة مجلس الأمن إلى إصدار قرار ببدء استضافة مفاوضات قبل الدورة القادمة للجمعية العامة في الخريف لإخلاء الشرق الأوسط من دون استثناء من الأسلحة النووية كافة، كخطوة بناء ثقة نحو السلام الإقليمي في الشرق الأوسط، وإنشاء مؤسسة أمن إقليمي في الشرق الأوسط مع حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي.