التباين الذي خرج إلى العلن بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما هو إلاّ بداية لمواجهة بين الرجلين، قد تنتهي إلى ما انتهت إليه المواجهة بين الرئيس الأميركي سابقاً باراك أوباما ونتنياهو، حول تجميد الاستيطان والقبول بحل الدولتين عام 2009.
معلوم أنّ نتنياهو تمكّن في السابق من تقليب الكونغرس ضدّ أوباما، وخرج نتنياهو من المواجهة منتصراً، وتمكّن من تمييع المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وزاد من النشاط الاستيطاني إلى الحدّ الذي أحرج السلطة الفلسطينية وأخرجها من المفاوضات.
اليوم، يخوض نتنياهو معركة إنهاء حل الدولتين مرّة واحدة وإلى الأبد. هذا ما يعنيه عندما يصرّ على إعادة احتلال قطاع غزة إلى ما لا نهاية، وعدم الوثوق بأي جهة فلسطينية كي تدير القطاع.
ليس هذا فحسب، بل انّ نتنياهو يحوّل غزة إلى مكان يستحيل فيه العيش، وسيجد الفلسطينيون الذين تهدّمت منازلهم والذين يتعرّضون لأقسى أنواع الحصار، أنّ ضخ مياه البحر المتوسط في الأنفاق التي أنشأتها “حماس”، سيترك تأثيرات بيئية تمتد لأجيال وتتسرّب إلى المياه الجوفية.
إنّ منع حل الدولتين وزيادة الاستيطان هما عماد الاستراتيجية التي يعتمدها نتنياهو من أجل الحفاظ على دعم أقصى اليمين المتشدّد لحكومته. ومن دون هذا الدعم سيسقط الائتلاف وتجد إسرائيل نفسها أمام سادس انتخابات في أقل من 6 سنوات.
وحكومة أقصى اليمين المتطرّف التي انتقدها بايدن، هي صمّام الأمان بالنسبة إلى نتنياهو، وهي التي ستنقذه من التعرّض للمحاسبة عن الإخفاق في 7 تشرين الأول (أكتوبر) أمام هجوم “حماس”.
وعندما قاتل نتنياهو من أجل الحدّ من صلاحيات المحكمة العليا، كان يفصّل قوانين على مقاسه، بحيث تكون الكلمة العليا في المسائل الحسّاسة في يد الحكومة وليس يد المحكمة.
وحتى أنّ أي لجنة تحقيق في الإخفاق ستكون منتقاة من نتنياهو، بحيث لا يتعرّض هو نفسه للوم. وهو كان أصلاً حاول منذ فترة رمي تبعة ما جرى للأجهزة الاستخباراتية والعسكرية.
وحتى في الداخل الأميركي، يمكن نتنياهو أن يعتمد على صقور الكونغرس من أجل الحؤول دون ممارسة بايدن ضغوطاً كافية على إسرائيل كي تتآلف مع حل الدولتين. وفي سنة انتخابية، من الممكن أن تكون هناك حدود للضغط الأميركي، بحيث لا يصل إلى حدّ ربط المساعدة الأميركية بالموافقة على حلّ سياسي مع الفلسطينيين. وكان السيناتور الديموقراطي بيرني ساندرز قد دعا إلى مثل هذه الخطوة منذ بداية الحرب، من أجل منع إسرائيل من التمادي في قصف المدنيين.
ما يريده نتنياهو هو دعم أميركي مطلق وعدم مساءلة إسرائيل عن سياساتها الإقليمية، على رغم أنّ بايدن أكثر رئيس قدّم لإسرائيل مجاناً ومن دون مقابل، وهو الذي أنقذها في 7 تشرين الأول من حال الانهيار التي مرّت فيها. وحشدت أميركا ثلاث حاملات للطائرات وأنظمة للدفاع الجوي وقوات برّية في شرق المتوسط لمنع توسّع الحرب، مع جسر جوي نقل عشرات آلاف القذائف وأنواعاً أخرى من الأسلحة لدعم إسرائيل.
وحمت واشنطن الدولة العبرية من الضغط الدولي، ومنعت مجلس الأمن أكثر من مرّة من الدعوة إلى وقف للنار، وضغطت على أوروبا كي تسير في ركبها في ما يتعلق بالحرب، باستثناء تمرّدات من قِبل إسبانيا وبلجيكا وإيرلندا. وكان الموقف الأميركي مؤثراً على أكثر من دولة في العالم كي لا تندّد بإسرائيل.
وعندما طلبت واشنطن من إسرائيل فقط حماية المدنيين الفلسطينيين وإدارة الحرب بطريقة تقلّل من الإصابات في صفوفهم، لم تستجب حكومة الحرب لطلبها. وعندما ناشدت الحكومة الإسرائيلية وقف هجمات المستوطنين في الضفة الغربية، أيضاً لم تستجب حكومة نتنياهو كي لا تخسر دعم المستوطنين.
لم يعد المجتمع الدولي يلوم إسرائيل وحدها، بل باتت الانتقادات توجّه إلى أميركا نفسها باعتبارها شريكاً في ما يجري.