تنأى سوريا بنفسها على الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل، بعد سنوات طويلة عوقبت فيها دمشق لتحالفها مع طهران، هذا التحالف الذي انتهى مع سقوط نظام بشار الأسد الذي هرب إلى موسكو بعد انتصار المعارضة المسلحة وانهيار نظامه.
اختارت الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، التركيز على التنمية الاقتصادية ومشاريع الاستثمار والتعافي، والانحياز عن التحالفات العسكرية، التي ساهمت بسيطرة طهران على نسبة كبيرة من مقدرات البلاد ثمناً لمشاركتها في الصراع السوري إلى جانب الأسد.
ورغم هدوء البنادق في بلادهم إلا أن السوريين لا سيما في جنوبي البلاد؛ عايشوا الصراع بين إسرائيل وإيران، نتيجة استمرار سقوط الصواريخ المدمرة والطائرات المسيرة بالقرب من منازلهم، لكن حكومتهم التي اختارت الحياد لم تتأثر من الناحية الاقتصادية والأمنية والعسكرية.
وصباح الجمعة الماضي، بدأت الضربات الإسرائيلية على إيران حين شنّت إسرائيل سلسلة من الضربات الجوية غير المسبوقة وواسعة النطاق على أهداف داخل الأراضي الإيرانية، شملت منشآت نووية، ومصانع صواريخ باليستية، وقادة عسكريين، وعلماء نوويين.
ويرى محللون أن الصراع بين طهران وتل أبيب ينعكس بشكل إيجابي على دمشق، في ظل انشغال الطرفين ببعضهما، بعد سنوات من استخدام إيران للأراضي السورية منطلقاً لتهديداتها لإسرائيل، واستهداف الأخيرة المتكرر لمواقع عسكرية وقياديين أجانب في دمشق وحمص قبيل سقوط نظام الأسد.
اقرأ أيضاً: أول اختبار خارجي للإدارة الانتقالية: حياد سوريا بين نيران الحرب الإيرانية الإسرائيلية
ويتخوف سوريون من انعكاس الصراع على الواقع الاقتصادية وعرقلة مشاريع التنمية، لا سيما بعد رفع العقوبات عن بلادهم، فيما يشير آخرون إلى أن إيران قد تحاول الدخول مجدداً إلى سوريا ودعم حركات تمرد تقوض الأمن والاستقرار.
الحرب.. شأن إيراني داخلي
يرى الدكتور أسامة قاضي، رئيس مركز قاضي للاستشارات الاقتصادية والإدارية والمالية في كندا وسوريا، أن “سوريا خارج دائرة الحرب الإسرائيلي الإيراني، بعد نقل ساحة الصراع من الدول العربية التي كانت تحاول إيران التدخل في شؤونها إلى داخل طهران، كما أن دمشق تنأى بنفسها عن ذلك”.
ويعتقد إن أمن سوريا “لن يتأثر في الحرب الحاصلة بين تل أبيب وطهران، التي حاولت طيلة عقود نقل ساحة الصراع إلى الدول العربية وعملت على تدمير اقتصادها، لكن الآن الحرب باتت بين طرفين وكل على أراضيه دون أن تتأثر الدول العربية لا سيما سوريا”.
ويقول إن تلك الحرب “لن تؤثر على مشاريع التنمية، إذ سيتم العمل على إعادة إعمار سوريا خلال السنوات العشر المقبلة، كما أن الشركات الاستثمارية لا زالت تتدفق إلى البلاد”، مضيفاً؛ أن “المشاكل في إيران تدفع المستثمرون إلى البحث عن بيئة أكثر استقراراً وهو ما يتوفر في سوريا”.
ويقول لـ”963+”، إن “الشركات الدولية والاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم التي وقعت في مجال الاقتصاد السورية تُظهر الحرص على استقرار سوريا، ومساعي دول إقليمية في هذا الصدد، لا سيما الاستثمار الأميركي وهو رسالة للعالم أن البلاد لن تكون ساحة صراع مجدداً”.
ويستبعد أن تتوغل إسرائيل في سوريا بشكل أكبر في المستقبل، لا سيما بعد توجيهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي أدت إلى تغيير في الخطاب تجاه دمشق، وربما يكون هناك ضمان وعودة للاتفاقات السابقة.
ويضيف أن “إيران لم تتوقف عن دعم بعض الخواصر الهشة، إلا أنها باءت بالفشل الذريع، وتحولت مشكلتها إلى مسألة داخلية، بعد تقليم أضافرها في الدول العربية، وإنهاء المشروع الفارسي”، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تركّز في الوقت الحالي على تصفير المشاكل والتركيز على التنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط.
تأثير إيجابي
يقول وجدان عبدالرحمن، مختص في الشأن الإيراني وقضايا الشرق الاوسط، لـ”963+”، إن الحرب الإسرائيلية الإيرانية “تنعكس بشكل إيجابي على الواقع الأمني والاقتصادي في سوريا، إذ لن تتمكن طهران من دعم الأذرع والخلايا من فلول النظام المخلوع، لزعزع الأمن والاستقرار داخل سوريا”.
اقرأ أيضاً: زيارة مرتقبة وسط توترات إقليمية: ملفات شائكة تُحيط بزيارة الشيباني إلى بيروت
ويضيف أن الأمر ينطبق على إسرائيل التي تركز كل طاقتها في الحرب مع إيران، “وبذلك تنشغل وتكون فرصة لدمشق لإعادة تأهيل قواتها العسكرية والأمنية”.
ويشير إلى أن الصراع الدائر في الوقت الحالي لن يؤثر على مشاريع التنمية التي تدفعها عدة عوامل منها؛ إزالة سوريا من قائمة العقوبات ورفعها من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والدعم العربي لدمشق، لذا يمكن للأخيرة أن تستفيد من الصراع بين طهران وتل أبيب للعمل على تطوير وتحسين الاقتصاد السوري.
ويتابع أن التصريحات الإسرائيلية على لسان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بطلب الوساطة الأميركية بشأن القضايا العالقة بين دمشق وتل أبيب، تؤكد أن التوغلات الإسرائيلية في سوريا لن تكون بشكل أكبر كما أنها لن تستمر طويلاً.
ويلفت إلى أن “سوريا تمثّل قاعدة مهمة للنظام الإيراني الذي استثمر فيها عشرات المليارات إلا أنه فقدها مع سقوط نظام بشار الأسد، حيث أصبحت الأجواء السورية عاملاً مهماً لتنفيذ الضربات الإسرائيلية، كما أن حلمها بالوصول إلى البحر المتوسط تبدد مع سقوط الأسد، لذا حاولت طهران الانتقام منذ الأيام الأولى لاستلام الإدارة الجديدة زمام السلطة في البلاد لكنها فشلت وستفشل في المستقبل أيضاً”.
تصفح أيضاً