لم تكن الضربة الأميركية التي استهدفت منشآت إيران النووية فجر الأحد مجرّد عملية عسكرية محدودة، بل لحظة تحوّل استراتيجية تعيد فتح أبواب الجحيم في الشرق الأوسط. في عملية حملت اسماً لافتاً – “مطرقة منتصف الليل” – وبتوقيع مباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نفذت الولايات المتحدة هجوماً معقّداً استهدف منشآت نووية في فوردو ونطنز وأصفهان، في خطوة تحمل أكثر من بعد عسكري، وأعمق بكثير من مجرد إضعاف قدرات نووية. وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث لم يُخفِ فخره بما وصفه “نجاحاً مذهلاً”، مؤكداً أن الهجوم تطلب شهوراً من التخطيط السري، وشارك فيه سلاح الجو والغواصات ومقاتلات “بي-2” غير القابلة للرصد، فيما كشف رئيس هيئة الأركان عن استخدام “14 قنبلة خارقة للتحصينات”، وخداعٍ تكتيكي أربك الدفاعات الايرانية.
أما إيران، التي أعلنت أن “الحرب قد بدأت”، فباتت اليوم أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الرد المباشر من دون أي سقف او النظر الى البعيد، بما يحمله من مخاطر تصعيد شامل قد لا تُحتمل نتائجه داخلياً، أو التريّث وتحمّل الاهانة الاستراتيجية، ما يعني خسارة هيبتها الردعية أمام جمهورها وقواعدها المنتشرة في المنطقة، ليبقى الخوف الأكبر من جرّ لبنان الى حرب عبثية لا علاقة له بها، من خلال تحريك “حزب الله” أهم أذرع إيران لمساندتها بوجه إسرائيل.
وفي لحظة مشحونة بالتوتر الاقليمي، جاء التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق، ليضيف بعداً دموياً جديداً إلى مشهد بات يتأرجح على حافة الفوضى. 13 قتيلاً و53 جريحاً، في حصيلة أولية أكدت حجم المأساة، التي نفذها انتحاري من تنظيم “الدولة الاسلامية”، وفق وزارة الداخلية السورية. الحدث، بما يحمله من رمزية دينية ومكان التنفيذ في قلب العاصمة السورية، يتجاوز كونه مجرد “هجوم إرهابي” ليطرح تساؤلات ملحّة حول توقيته في سوريا الجديدة، بالتزامن مع التصعيد الأميركي – الايراني، ومع تجدد نشاط التنظيمات المتطرفة في فراغات الجغرافيا المضطربة.
محافظ دمشق يدين العمل الارهابي
وأدان محافظ دمشق محمد ماهر مروان، تفجير الكنيسة، ووصفه بـ “العمل الإرهابي المجرم”، مؤكداً أن مثل هذه الأفعال لن تثني إرادة الدولة والمجتمع عن مسيرة البناء والاستقرار. وطمأن الى أن الأجهزة الأمنية المختصة تقوم بمتابعة الحادثة وكشف ملابساتها وملاحقة الفاعلين لينالوا جزائهم العادل، مشدداً على أن المحافظة ستتابع الأمر بكل حزم وبالتعاون مع الأجهزة المعنية لإحقاق الحق وإنزال أقصى العقوبات بحق كل من شارك أو دبر أو خطط لهذا العمل الإجرامي.
عون: لا مصلحة للبنان في حروب الآخرين
وبالعودة الى الرد العسكري الأميركي المباشر، والخوف من اعادة سيناريو الحرب على لبنان، استنفرت الشرعية اللبنانية لتأكيد سياسة النأي بالنفس.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الجمهورية جوزاف عون أن “لبنان قيادة وأحزاباً وشعباً، مدرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أنه دفع غالياً ثمن الحروب التي نشبت على أرضه وفي المنطقة، وهو غير راغب في دفع المزيد ولا مصلحة وطنية في ذلك، لا سيما وأن كلفة هذه الحروب كانت وستكون أكبر من قدرته على الاحتمال”، مشدداً على أن “قصف المنشآت النووية الايرانية يرفع منسوب الخوف من اتساع رقعة التوتر على نحو يهدد الأمن والاستقرار في أكثر من منطقة ودولة”. ودعا إلى “ضبط النفس وإطلاق مفاوضات بناءة وجدية لاعادة الاستقرار إلى دول المنطقة وتفادي المزيد من القتل والدمار”.
سلام: لعدم زجّ لبنان في المواجهة الدائرة
أما رئيس الحكومة نواف سلام فرأى أنه “في مواجهة التصعيد الخطير في العمليات العسكرية، ومخاطر تداعياتها على المنطقة بأسرها، تزداد أهمية تمسكنا الصارم بالمصلحة الوطنية العليا التي تقضي بتجنيب توريط لبنان أو زجّه بأي شكل من الأشكال في المواجهة الإقليمية الدائرة”، معتبراً أن “وعينا لمصلحتنا الوطنية العليا هو سلاحنا الأمضى في هذه الظروف الدقيقة”.
وإزاء التصعيدات القائمة، جاءت المواقف العربية حذرة، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية التي دعت إلى ضبط النفس، فيما بدت إسرائيل وحدها تحتفي علناً بما وصفه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بـ”تغيير في مجرى التاريخ”.
وأعلنت الخارجية السعودية في بيان، أن “المملكة العربية السعودية تتابع بقلق بالغ تطورات الأحداث في الجمهورية الاسلامية الإيرانية الشقيقة المتمثلة في استهداف المنشآت النووية الايرانية من الولايات المتحدة الأميركية. وإذ تؤكد المملكة على المضامين الواردة في بيانها الصادر بتاريخ 13 / 6 / 2025 التي أكدت فيه إدانتها واستنكارها لانتهاك سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تعرب عن ضرورة بذل الجهود كافة لضبط النفس والتهدئة وتجنب التصعيد”.
كما دعت “المجتمع الدولي إلى مضاعفة الجهود في هذه الظروف بالغة الحساسية للوصول إلى حلٍ سياسي يكفل إنهاء الأزمة بما يؤدي إلى فتح صفحة جديدة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”.
أميركا: خدعنا إيران
في المقابل، أعلن رئيس الأركان الأميركي الجنرال دان كين أنّ “خطّة ضرب إيران لم تعلم بها سوى قلّة من المخططين والمنفذين، والمهمّة كانت سرية للغاية”، مشيراً الى أن “العمليّة صُمّمت لإضعاف الأسلحة النووية الايرانية والبنية التحتية بشكل كبير، وشاركت فيها غواصات، كما استخدمنا أساليب عدّة لخداع إيران أثناء الضربة. ومقاتلاتنا لم تواجه أيّ خطر في الأجواء الايرانية وأطلقنا 14 قنبلة خارقة للتحصينات ضد المنشآت النووية”.
وأضاف: “العملية ضد إيران كانت مهمّة معقّدة وعالية المخاطر، وكانت الأوسع في تاريخنا، وقواتنا في حال تأهب قصوى ومستعدون لأي رد من إيران أو وكلائها”.
عراقجي: نحتفظ بكل الخيارات
أما إيران، فأكد وزير خارجيتها عباس عراقجي أن “واشنطن ارتكبت انتهاكاً جسيماً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بمهاجمتها منشآتنا النووية السلمية”، لافتاً الى أن “أحداث هذا الصباح لها عواقب وخيمة وعلى أعضاء الأمم المتحدة الشعور بالقلق إزاء هذا السلوك الاجرامي”.
وشدد عراقجي على “أننا نحتفظ بكل الخيارات للدفاع عن سيادتنا ومصالحنا وفقاً لميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح بالرد دفاعاً عن النفس”.