ملخص
ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها حكم خامنئي تحديات كبيرة، إذ شهدت إيران خلال الأعوام الماضية احتجاجات واسعة قمعتها السلطات بعنف وراح ضحيتها مئات، من “الحركة الخضراء” في 2009، إلى احتجاجات 2019 رفضاً لزيادة سعر البنزين، والتظاهرات التي أعقبت وفاة مهسا أميني عام 2022.
للمرة الثانية خلال أقل من خمسة عقود، يكون علي خامنئي في موقع مسؤولية وإيران في حال حرب، وعليه أن يتصدى بعد المواجهة القاسية مع إسرائيل، لتحديات عدة بدءاً من تداعيات الضربات العسكرية إلى ضمان تماسك الحكم في الجمهورية الإسلامية.
بعد يومين من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، بث التلفزيون الإيراني رسالة مصورة لخامنئي أمس الخميس، أعلن فيها “الانتصار” في المعركة، مقللاً من شأن الضربات الأميركية التي طاولت ثلاثة مواقع نووية رئيسة في خضم المواجهة مع تل أبيب.
لكن خامنئي (86 سنة) الذي عانى سابقاً السرطان ونجا من محاولة اغتيال في الثمانينيات شلت ذراعه اليمنى، بدا تعباً وتحدث بإيقاع بطيء في كلمته المتلفزة، وهي الثالثة له منذ بدأت إسرائيل الحرب على إيران بصورة مباغتة فجر الـ13 من يونيو (حزيران) الجاري.
وفي حين كان المرشد يلقي خطاباته في أيام السلم أمام الزوار في قاعة داخل مجمع القيادة العليا بطهران، بدا في الرسائل الثلاث الأخيرة جالساً أمام ستارة وصورة لمؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني، مما أثار تكهنات عن وجوده في مكان محصن، ربما تحت الأرض.
وأوردت صحيفة “نيويورك تايمز” أن خامنئي تجنب خلال الحرب الاتصالات خشية أن يتم تعقبه وتحديد موقعه واغتياله، وفقد المرشد عدداً من كبار القادة العسكريين المقربين منه، وأصيب مستشاره علي شمخاني جراء ضربة إسرائيلية، بحسب وسائل إعلام إيرانية.
ووجهت إسرائيل خلال الحرب تهديدات مباشرة له، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس لإذاعة “كان” العامة مساء أمس “لو كان (خامنئي) في مرمانا، لقتلناه”.
وحرب الـ12 يوماً هي الأولى لخامنئي كمرشد أعلى، إذ كان رئيساً للجمهورية خلال الحرب مع العراق (1980-1988)، وقد انتخب “قائداً للثورة الإسلامية” في 1989 بعد وفاة الخميني، وبات بموجب ذلك، صاحب الكلمة الفصل في السياسات العليا.
وأتت الحرب بين إسرائيل وإيران في سياق تصاعدي من عمل إسرائيل على إضعاف المجموعات الحليفة لطهران في الشرق الأوسط، من حركة “حماس” الفلسطينية إلى “حزب الله” اللبناني والحوثيين في اليمن، كما خسرت طهران حليفاً أساساً هو الرئيس السوري بشار الأسد الذي أطاحت بحكمه فصائل معارضة.
وأظهرت الحرب الأولى المباشرة بين القوتين الإقليميتين، تفوق إسرائيل على الصعيد الجوي والتقني والاستخباري، وقدرتها على توجيه ضربات للكثير من مواقع إيران النووية والعسكرية والأمنية، وردت طهران بإطلاق صواريخ ومسيرات.
وعلى رغم كثافة الضربات على إيران، لم تصدر مؤشرات خلال الحرب على تزعزع نظام الحكم الذي واجه خلال الأعوام الأخيرة معارضة داخلية متزايدة.
ويقول الأستاذ في جامعة أوتاوا الكندية توماس جونو “في الوقت الحالي، لا يبدو أن النظام على وشك السقوط، لكنه بالتأكيد أكثر ضعفاً مما كان عليه في الأعوام الأولى بعد الثورة” عام 1979.
ويتابع “على رغم أن موقعه لا يزال محفوظاً، أي إن حكمه لن يواجه أي تحدٍ مباشر في الوقت الحالي، لكن صدقيته تراجعت وهو يتحمل مسؤولية مباشرة عن الخسائر الكبرى التي تكبدتها الجمهورية الإسلامية”.
وليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها حكم خامنئي تحديات كبيرة، إذ شهدت إيران خلال الأعوام الماضية احتجاجات واسعة قمعتها السلطات بعنف وراح ضحيتها مئات، من “الحركة الخضراء” في 2009، إلى احتجاجات 2019 رفضاً لزيادة سعر البنزين، والتظاهرات التي أعقبت وفاة مهسا أميني عام 2022.
وعلى رغم تقدمه في السن، تبقى خلافة خامنئي غير مطروحة في العلن داخل إيران، وفي المقابل، يرى محللون أجانب كثر أن نجله مجتبى مرشح محتمل لخلافته، علماً أنه لا يمتلك المؤهلات الشرعية الكافية لانتخابه “الولي الفقيه”.
ويرى الباحث الإيراني في جامعة بوسطن آرش عزيزي أن خامنئي بدا “هزيلاً وضعيفاً”، و”بعيداً” عن قدراته الخطابية “المعروفة” في كلمته أمس، ويضيف “السلطة في طهران تنتقل إلى مؤسسات وأجنحة مختلفة، ومعركة خلافته ستصبح أكثر حدة في المرحلة المقبلة”.
وأوردت قناة “إيران إنترناشيونال” المعارضة أن خامنئي لم يشارك في الاتصالات التي سبقت وقف إطلاق النار، بل أدارها المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يترأسه رئيس الجمهورية ويضم كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين، إضافة إلى ممثل للمرشد، ولم تتأكد هذه التقارير بصورة رسمية.
ويقول مدير السياسات في مجموعة “متحدون ضد إيران نووية” ومقرها في الولايات المتحدة، جايسون برودكسي، إن خامنئي بدا “منفصلاً عن الواقع” بتقليله من شأن تداعيات الضربات على المنشآت النووية الإيرانية.
ويضيف “على رغم ذلك، أشكك في مسألة تهميش خامنئي”، متابعاً “بالتأكيد ستطلق الحرب نقاشاً ضمن النخبة السياسية في الجمهورية الإسلامية في شأن أفضل السبل لإعادة بناء قدرات الحكم، لكن في نهاية المطاف، الكلمة الأخيرة دائماً لخامنئي”.