في التفاصيل، أعلن مجلس الوزراء العراقي عن تخصيص مبلغ 43 مليار دينار (قرابة 30 مليون دولار) لتمويل انتخابات برلمان إقليم كردستان، التي ستجري في شهر شباط (فبراير) المقبل. المبلغ تم تحويله من موازنة المفوضية المركزية المستقلة للانتخابات لصالح حساب تمويل انتخابات برلمان الإقليم. حكومة الإقليم أثنت على قرار الحكومة المركزية، معتبرة إياه حدثاً يؤكد الروابط الحتمية بين الطرفين. كذلك قرر مجلس الوزراء العراقي تحويل مبلغ 25 مليار دينار (قرابة 15 مليون دولار) من احتياطي الطوارئ إلى حساب إقليم كردستان.
قرارات الحكومة العراقية الأخيرة جاءت بعد أيام قليلة من إعلانها تخصيص مبلغ 5.5 مليارات دينار (قرابة 3.5 ملايين دولار) لصالح اللجنة الوطنية العليا لحل مشكلات الجفاف والفيضانات في إقليم كردستان. جاء ذلك بعد إعلان حكومة الإقليم عن حالة طوارئ محلية، لمواجهة موجة سيول متوقعة خلال فصلي الشتاء والربيع، بعد زيادة استثنائية في الهطولات المطرية هذا العام.
لم تكن الحكومة العراقية وحدها من بادرت تجاه الإقليم، إذ أعلن رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم عدنان درجال عن أمله بتمويل الحكومة المركزية للنوادي الرياضية في إقليم كردستان، كما تفعل مع باقي نوادي الدرجة الممتازة من الدوري العراقي لكرة القدم، إذ تقدم لها مخصصات سنوية بقيمة 4 مليارات دينار سنوياً (2.5 مليون دولار) لكل ناد رياضي. مبادرة درجال جاءت عقب إعلان عدة أندية في الإقليم عن اقترابها من حالة الإفلاس، وعدم قدرتها على تقديم الخدمات ورواتب لاعبيها المحترفين.
الرأي العام في إقليم كردستان، وإن كان يشيد بتلك المبادرات التي تقدمها الحكومة المركزية، وتؤشر إلى مستويات من حس المسؤولية الواجبة عليها حيال كل مناطق العراق، لكنه يذكّر بالسبب الرئيسي وراء حاجة الإقليم إلى مثل تلك المبادرات، الكامن في عدم إرسال الحكومة المركزية لحصة الإقليم من الميزانية المركزية، ما تسبب بحدوث أزمة مالية في العديد من القطاعات والمؤسسات الخدمية في الإقليم، فتأتي مبادرات الحكومة المركزية بمثابة محاولة لمنع انهيار حركة الحياة العامة في الإقليم.

الباحثة والكاتبة الاقتصادية جومان رابري شرحت في حديث مع “النهار العربي” ما تعتقد أنه الاستراتيجية المضمرة من الحكومة المركزية والقوى السياسية الداعمة لها، التي تدفعها لاتخاذ مثل هذه المبادرات، مقابل امتناعها عن حل ملف الميزانية العامة بسرعة وحيوية، وقالت: “في المحصلة، لا تريد الحكومة العراقية للمؤسسات والحياة العامة في الإقليم أن تنهار، لأن ذلك قد يدفع باتجاه خروج الأمور عن السيطرة، سواء كتظاهرات عامة مناهضة لها، أو قرارات من مؤسسات الإقليم للقطيعة مع نظيرتها المركزية، وأمور أخرى كثيرة قد تسبّبها حالة الحصار الفعلية التي تعيشها مؤسسات الإقليم. إلى جانب ذلك فإن الحكومة المركزية تريد الإيحاء بالطابع الأبوي المركزي تجاه الإقليم ومؤسساته، متبعة سياسة فرط المؤسسات وتفريغها من موقعها الفيدرالي”.
كانت الحكومة العراقية أعلنت في أواخر الشهر الماضي عن تنفيذ استراتيجية عامة لتشييد شبكات من محطات معالجة مياه الصرف الصحي وأخرى خاصة بتصريف مياه السيول وإنشاء سدود ومناطق حجز المياه في مختلف مناطق العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، الذي سيحظى بمعاملة تفاضلية إيجابية، لطبيعته الجغرافية الجبلية وغناه بمصادر المياه والتدفقات النهرية، التي تغذي باقي مناطق العراق بحاجاته المائية.
حسب مراقبين اقتصاديين، فإن حكومة إقليم كردستان كانت قادرة على تمويل كل المؤسسات الخدمية ورواتب الموظفين في المراحل التي كان يصدّر فيها النفط بمعزل عن السلطة المركزية، وتمكنت من تحقيق تنمية اقتصادية وبشرية تفوق عما حققته الحكومة المركزية في باقي مناطق العراق، لكنّ منع الإقليم من تصدير النفط، ووقف الحكومة المركزية إرسال حصته من الميزانية، سبّبا أزمة اقتصادية خانقة بالنسبة إليه.