تعد من أقدم صالات العرض السورية وتضم مكتبة سينمائية تحوي مئات الأفلام المحلية والعالمية
ملخص
أصدرت مديرية أوقاف دمشق قراراً طالبت فيه ورثة مستأجري سينما الكندي بإخلاء العقار خلال أسبوع، وذكرت المديرية في كتابها أنها “ستحول سينما الكندي إلى مركز ثقافي يشع منه نور المعرفة والعلم”.
أثار كتاب المديرية ردود فعل وموجة غضب واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل مخاوف من التضييق على الحياة الثقافية في سوريا. ناشطون وسينمائيون نظموا وقفة احتجاجية أمس الجمعة أمام مبنى السينما التاريخية التي تضم سينماتك (مكتبة أفلام) تحوي مئات الأشرطة من نوادر السينما السورية والعالمية، ولم تعلق إدارة المؤسسة العامة للسينما حتى الآن على قرار مديرية الأوقاف، مع أنها الجهة التي تستثمر العقار منذ عام 1970.
وحمل المحتجون أمام أبواب السينما المغلقة لافتات كتبوا عليها عبارات تندد بقرار مديرية الأوقاف، فكتب أحدهم: “السينما نور في حياة مظلمة”، فيما رفع آخر لافتة تطالب وزارة الثقافة بالتدخل العاجل، وكتبت فتاة من طلاب قسم السيناريو في المعهد العالي للسينما عبارة تقول: “وها أنا أراني اليوم منزلقاً على بساط التاريخ، فقد أغلق أمامي باب السينما، والمفتاح ليس معي”، في حين حملت فتاة أخرى لافتة كتبت عليها: “المركز الثقافي لا يعوض عن السينما ولا يخدع المثقفين”.
من الوقفة الاحتجاجية التي نظمها سينمائيون سوريون أمام مبنى سينما الكندي في دمشق.jpg
وقفة احتجاجية أمام صالة الكندي ليل أمس (انبدندنت عربية)
يعود تأسيس صالة الكندي إلى ما يطلق عليه بعض السوريين الزمن الجميل للسينما السورية، بعدما تحول اسمها من سينما أدونيس، ثم إلى سينما بلقيس في ستينيات القرن الماضي، لتأخذ اسمها الحالي من اسم العالم الموسوعي والفيلسوف العربي أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (801-873 م)، الذي يعد أول من نادى بالنسبية كجوهر قانون للوجود، معتبراً أن الزمان والفراغ والحركة والأجسام جميعها نسبية، وهو أول من وضع علم البصريات الحديث مشككاً في نظريات الرؤية عند فلاسفة الإغريق.
الصالة العريقة
ومنذ عام 1970 اتخذ النادي السينمائي من صالة الكندي مقراً له بإدارة كل من محمد ملص وهيثم حقي ونبيل المالح وأسامة محمد، الذين قدموا فيها أفلاماً من أهم نتاجات الموجة الفرنسية الجديدة وتيار الواقعية الإيطالية، إضافة إلى أفلام رواد السينما الروسية والأميركية، وكان النادي يخصص الثلاثاء من كل أسبوع لعرض فيلم من روائع السينما العالمية، يتلوه نقاش مفتوح مع أعضاء النادي، ويشهد تاريخ السينما السورية على الأسبوع السينمائي الذي خصصته صالة الكندي لعرض أفلام المخرج الإيطالي بيير باولو بازوليني (1922-1975)، والذي حضر شخصياً في عرض خاص لشريطه الروائي الطويل “ميديا” الذي صور مشاهد منه في مدينة حلب السورية عام 1969.
وتعتبر صالة كندي دمشق واحدة من سلسلة صالات الكندي المنتشرة في كل من مدن طرطوس واللاذقية ودير الزور وحلب وحمص، لكن وزارة الثقافة فقدت اثنتين منها هي صالة كندي حلب التي تم السيطرة عليها بحكم قضائي من صاحبها الأصلي عام 1998، فيما قامت وزيرة الثقافة لبانة مشوح بتسليم طوعي لدار سينما الكندي في حمص لمجلس المحافظة، بعدما رفضت الوزيرة في النظام البائد إعادة ترميمها، لتتحول الصالة الحمصية اليوم إلى صالة أفراح ومناسبات، وتعاني صالتا كندي دير الزور واللاذقية إهمالاً وتهميشاً كبيرين من قبل إدارة المؤسسة العامة للسينما، وتحتاج كلتا الصالتين إلى إعادة ترميم عاجلة بعدما تحولت أجزاء منهما إلى خطوط اشتباك في عهد النظام البائد.
من عروض سينما الكندي فيلم يحدث في غيابك لسيف سبيعي.jpg
من عروض سينما الكندي (أرشيف السينما)
وواظبت صالة سينما كندي دمشق منذ تأسيسها على توفير عروض بمبالغ زهيدة للطلاب والأطفال، فقد كان عرض الأفلام المقتبسة عن روايات عالمية طقساً من طقوسها الأسبوعية، وكان جمهور هذه العروض في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي من دارسي اللغتين الإنجليزية والفرنسية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في دمشق، فيما كانت الصالة تخصص أيام العطل لعروض أفلام الرسوم المتحركة لجمهور الأطفال والعائلات، ومع الثورة الرقمية تحولت الصالة إلى مقر لدبلوم العلوم السينمائية الذي أطلقته المؤسسة عام 2012، فيما عملت نوادٍ نظمها مخرجون وكتاب سيناريو لإحياء طقوس المشاهدة السينمائية، ومن أبرز تلك النوادي نادي أحفاد عشتار وبيت السينما الذي يشرف عليه كل من المخرجين رامي نضال وفراس محمد.
وشغلت صالة الكندي أول مقر لكل من مجلة “الحياة السينمائية” و”سلسلة الفن السابع” اللتين أطلقهما كل من الناقد سعيد مراد والشاعر بندر عبدالحميد، وأصدرا من مقر المجلة عشرات الكتب التي تعنى بتاريخ الفن السينمائي ومخرجيه ومدارسه وتياراته، كما تحفل صالة الكندي بما يشبه متحفاً لآلات العرض السينمائية من نوع 35 و16 ملم، وقد شهدت الصالة عشرات العروض لمخرجين عرب وأجانب قدموا أفلامهم على شاشتها، من بينهم الإيراني عباس كيروستامي والمصري محمد شاهين والروسي كارين شخنزاروف، كذلك فإن الصالة شهدت افتتاح أهم الأفلام السورية، ولعل أهمها “ليالي ابن آوى” لعبداللطيف عبدالحميد و”أحلام المدينة” لمحمد ملص و”الفهد” لنبيل المالح و”شيء ما يحترق” لغسان شميط و”الطحالب” لريمون بطرس و”اللجاة” لرياض شيا.
“أيام السينما”
كانت صالة الكندي مقراً لإقامة تظاهرة “أيام سينما الواقع” التي كان يشرف عليها ويديرها المخرج السوري عروة نيربية، وكانت هذه التظاهرة التي استمرت حتى عام 2010 تقيم في الصالة ما يشبه مخيماً تدريبياً موجهاً للتسجيليين الشباب العرب، حيث تجاوز عدد المتقدمين إلى هذه الورشات عام 2009 أكثر من 50 شابة وشاباً من سورية والعالم العربي، قبل منهم 14 متقدماً، وكان هؤلاء يتلقون تدريباً في صالة الكندي لصناعة أفلام وثائقية على أيدي عدد من أهم المدربين العالميين، وذلك في مجالات الإنتاج والإخراج والتصوير والمونتاج.
وكانت تظاهرة “أيام سينما الواقع” تقيم نشاطاتها التخصصية في صالة الكندي تحت عنوان “الفرص البديلة” للإنتاج والتوزيع التسجيلي في العالم العربي، وذلك عبر برنامج تبادل كان يدعو المتخصصين من منتجين وموزعين وممثلي محطات تلفزيونية وصناديق دعم ومهرجانات، للمشاركة في مجموعة من النشاطات التشبيكية، كما كان يفسح هذا البرنامج المجال أمام التسجيليين الشباب للتعريف بمشاريعهم والتشبيك مع منتجين محتملين لها.
أما من جهة العروض التي كانت تظاهرة أيام سينما الواقع DOX BOX تقيمها في صالة كندي دمشق، فكان هناك عروض لـ45 فيلماً من أهم الإبداعات التسجيلية من حول العالم. وكانت تنقسم إلى تظاهرات، أولاها المختارات الرسمية التي تتنافس على جائزة الجمهور، وكان يرافقها تظاهرات جانبية تحت عناوين متنوعة هي “الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة” و”رجال ونساء” إضافة إلى تظاهرة “روائع المهرجانات” التي كانت تقدم عدداً من الأفلام الحائزة جوائز أهم المهرجانات العالمية، وتظاهرة “أصوات من سورية” التي كانت أيام سينما الواقع تتضمن أفلاماً لتسجيليين سوريين تختارها لجنة انتقاء مستقلة، ومن ثم تمنح لجنة تحكيم دولية أحدها جائزة أفضل فيلم تسجيلي سوري المسماة DOX BOX – Soura المقدمة بالتعاون مع شركة “صورة” للإنتاج الفني التي كان يديرها المخرج الراحل حاتم علي.
الممثل أديب قدورة “فهد” السينما السورية
أفلام سورية شبابية تتبارى في ظروف الإنتاج الفقير
وكانت صالة الكندي موئل التسجيليين السوريين وجسر لقاء مع المخرجين العرب والأوروبيين عبر تظاهرة أيام سينما الواقع DOX BOX، فقد وفرت الصالة فرصة استثنائية للقاء بعض أشهر السينمائيين التسجيليين، إذ حل المخرجان الأميركيان د. ا. بينيبيكر وكريس هيغدس ضيفين على أيام سينما الواقع في دورة عام 2010، وقدمت الصالة بعض أعظم أفلامهما التي تعد من روائع السينما التسجيلية التاريخية.
وقد حققت تظاهرة أيام سينما الواقع مساحة للسينما البديلة كان فضاؤها الحميمي هو صالة كندي دمشق التي استقبلت عبر دورات هذه التظاهرة أكثر من 12 ألف متفرج عام 2009، وقدمت أكثر من 80 فيلماً تسجيلياً، واستقبلت أكثر من 70 ضيفاً من العالم والبلاد العربية قبل أن تتوقف دوراتها مع اندلاع الثورة السورية عام 2011.
“اندبندنت عربية” تواصلت مع نضال قوشحة مدير المكتب الصحافي في “المؤسسة العامة للسينما”، وعند سؤاله عن الإجراءات التي ستقوم بها المؤسسة إزاء قرار مديرية الأوقاف الأخير قال “هناك كثير من إشارات الاستفهام على القرار، سواء من جهة طبيعة نشره وتوقيته عند نهاية عطلة الأسبوع، فالعقار هو من ضمن ملكية شركة خط الحديد الحجازي، الذي يعود لأوقاف دمشق بما فيها صالات سينما وفنادق ومقاهٍ ومسارح، سينما الكندي واحدة من تلك العقارات التي ورثتها الأوقاف إبان انهيار الدولة العثمانية عشرينيات القرن الماضي، وقد استأجر الصالة كل من عائلتي عارف الخيمي وفلاحة، ونحن بدورنا كمؤسسة استثمرنا الصالة بعقد رسمي من العائلتين. الأوقاف وجهت كتابها للخيمي، وهناك مستأجر آخر من عائلة فلاحة لم يأت الكتاب على ذكره، وحديث مديرية الأوقاف عن رغبتها بتحويل الصالة إلى مركز ثقافي ليس منطقياً، فعلى بعد أقل من كيلومتر واحد هناك مركز ثقافي في حي أبي رمانة، هذه إشارة استفهام أخرى”.
وأضاف نضال قوشحة: “الكتاب كان يجب أن يوجه للمؤسسة العامة للسينما وليس للمستأجر، فالمؤسسة هي من تدير المكان منذ أكثر من 60 عاماً. لذلك أشعر أن الموضوع لا يتعدى “التريند”، وزمن نشر القرار مساء الخميس في ظل ظروف حرائق اللاذقية وقبل عطلة نهاية الأسبوع وضعنا في إرباك. الأحد سنجري اتصالاتنا مع مديرية الأوقاف ونتأكد من صحة هذا القرار. شخصياً حاولت الاتصال بمديرية الأوقاف ولم أستطع أن أتواصل على أرقامهم المنشورة على موقع المديرية، أشك أن هذا القرار ’مضروب‘، الأمر ليس جديداً، وقد حاولت الأوقاف كثيراً في هذا الصدد عندما قاموا بإغلاق أكثر من محل لبيع المشروبات الروحية في محلة باب شرقي، وعندما راجع أصحاب المحال محافظة دمشق أعيد تجديد تراخيصهم”.