يبدي الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سورية حكمت الهجري موقفاً متصلباً ضد السلطات السورية برئاسة أحمد الشرع، ليبرز اسمه أكثر مع المواجهات الحالية ما بين القوات الحكومية السورية والمجموعات المسلحة التابعة للمجلس العسكري في السويداء المدعوم من قبله، ما دعاه إلى تجديد مطالبته بتدخل دولي لصالح الدروز ضد الحكومة السورية، في بيان مصوّر صدر عنه اليوم الثلاثاء.
ورفض الهجري بيان التهدئة الصادر عن رئاسة الدروز في السويداء، معتبراً أنه “فُرض” من قبل الحكومة في دمشق وبضغوط من دول خارجية، دون أن يحدد طبيعة هذه الضغوط أو يسمي دولاً بعينها، معارضاً بذلك خطوات التوصل إلى اتفاق في السويداء يقضي بعودة مؤسسات الدولة وانتشار الأمن الداخلي فيها. لكن ذلك ليس أول موقف مثير للجدل يتخذه حكمت الهجري. فبعد إسقاط نظام بشار الأسد اتخذ الهجري مواقف متباينة تجاه الحكومة السورية، من التوافق في الرؤى إلى المعارضة والرفض القطعي لها، متهماً إياها بـ”الإرهاب”.
ولد حكمت سلمان الهجري في 9 يونيو/ حزيران من عام 1965 في فنزويلا، حيث كان يعمل والده، وعاد إلى سورية، ليكمل التعليم الأساسي والثانوي فيها، وبعد هذه المرحلة التحق بكلية الحقوق في جامعة دمشق في عام 1985، وتخرج من الكلية سنة 1990، ليعود إلى فنزويلا ويقيم حتى عام 1998 من ثم يعود إلى سورية. وفي عام 2012، توفي شقيقه أحمد جراء حادث سير بظروف غامضة، ووجهت أصابع الاتهام إلى نظام الأسد في وقتها بترتيب عملية اغتيال له، ليخلفه حكمت في منصب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، وهو منصب تتوارثه العائلة منذ القرن التاسع عشر، وفي الأثناء شهدت الهيئة الروحية للموحدين الدروز انقساماً إلى هيئتين، ما بين الهجري من جهة، وحمود الحناوي ويوسف الجربوع من جهة ثانية.
حكمت الهجري وتقلّب الموقف
منذ اندلاع الثورة في سورية ضد نظام الأسد اتخذ حكمت الهجري مواقف ذات طبيعة متدرجة من الحياد إلى الدعم والمعارضة، ففي بداية الثورة، اتخذ موقفاً حيادياً نسبياً دون انحياز واضح إلى النظام أو المعارضة السورية، رغم قربه من بشار الأسد. أبدى بعدها دعمه لجيش نظام الأسد في عام 2013، حيث قال لصحيفة البعث: “خيارنا هو مواجهة المجموعات الإرهابية بكل ما نملك من إمكانيات والوقوف صفاً واحداً مع جيشنا الباسل في معركته ضد الإرهاب”.
في مايو/ أيار من عام 2014، اتخذ موقفاً أكثر وضوحاً لصالح بشار الأسد، وقال في تصريحات صحافية له: “إننا نرى فيه الخلاص لهذه الأمة، وبالأخص بعدما مررنا بهذه المرحلة العصيبة، وكان العنوان الأول والأخير للصمود لنا نحن كشعب”، وأردف “الرئيس الأسد رمز لهذه الأمة”. وفي عام 2015 طالب حكومة نظام الأسد المخلوع بتسليح السويداء في مواجهة المسلحين. وقال في بيان له: “نؤكد لجميع أبناء السويداء الراغبين في التسليح أننا سنسعى باتجاه طلب تأمين السلاح والدعم اللوجستي المناسب فوراً من الجهات المعنية في الحكومة السورية، وكذلك طلب الإشراف المباشر على تدريب معظمهم”.
ودعا حكومة نظام الأسد في العام ذاته للقضاء على “حركة رجال الكرامة” بعد أسابيع من مقتل مؤسسها وحيد البلعوس. وقال في تصريحات له: “نحن اتفقنا على كلمة واحدة: إطلاق يد القانون والدولة بما تراه مناسباً”. وفي عام 2017، زار وفد من مليشيا النجباء العراقية الهجري، حيث قدم الوفد له ما يعرف بـ”درع المقاومة الإسلامية”.
وفي عام 2018، طالب الهجري، في بيان صدر عن المكتب الإعلامي للرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين عبر فيسبوك، الشباب بالالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية للقتال في صفوف نظام الأسد، مشدداً على ضرورة استفادة المطلوبين من عفو صدر عن نظام الأسد وقتها خاص بالمتخلفين لتسوية أوضاعهم. وبدأت ملامح الخلاف ما بين حكمت الهجري ونظام الأسد المخلوع تظهر في عام 2021، بعد طلب الهجري من رئيس فرع المخابرات الجوية في السويداء آنذاك لؤي العلي الإفراج عن أحد المعتقلين من السويداء، إلا أنه قوبل بالإهانة من قبل العلي، الأمر الذي تبعته احتجاجات شعبية واسعة في المحافظة.
لكن بعدها تلقى الهجري اتصالاً من بشار الأسد، وفق ما أكدت شبكة “السويداء 24” ومصادر مقربة منه، حيث قالت: “بشار الأسد تواصل مع سماحته – الهجري – وقال له إنه لا يقبل الإساءة للرموز الدينية، وتحدث عن اللحمة الوطنية”. لكن الهجري اتخذ موقفاً أكثر حدة من نظام بشار الأسد في أواخر عام 2021، حمّله فيه مسؤولية الفقر والجوع والفوضى الأمنية في سورية، ليتطور الموقف في عام 2022، بالمطالبة بعزل رؤساء الأفرع الأمنية في السويداء ومن ثم إعلان النفير العام في يوليو/ تموز ضد قوات نظام الأسد المخلوع، والمجموعات المدعومة منه بما فيها عصابة راجي فلحوط.
ومع تأييده لحراك الشارع في السويداء، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية في سبتمبر/ أيلول 2023 عن اتصال هاتفي ما بين الهجري ونائب وزير الخارجية الأميركي، براندان بويل، أكد فيه دعمه الحراك السلمي في السويداء وحرية التعبير والاحتجاج، بالإضافة لدعم قرار مجلس الأمن 2254. وبعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، تذبذب الهجري في المواقف من الحكومة الحالية، حيث أبدى نيته “التعاون” مع الحكومة الانتقالية والرئيس أحمد الشرع، في إدارة المفاصل الحساسة في السويداء حتى تشكيل جيش وطني، ولفت إلى تقارب وجهات النظر مع الإدارة السياسية الجديدة.
غارة جوية إسرائيلية على السويداء، 15 يوليو 2025 (Getty)
تقارير عربية
الرئاسة السورية تحذّر من التجاوزات وتؤكد التزامها بسيادة القانون
لكن في مارس/ آذار 2025، وجه الهجري اتهامات مباشرة للحكومة السورية بأنها “حكومة متطرّفة ومطلوبة للعدالة” دولياً، وقال إن طائفة الموحدين الدروز في سورية في “مرحلة نكون أو لا نكون”، ورفض الإعلان الدستوري بالمطلق، مطالباً بتأسيس نظام ديمقراطي تشاركي. واصل الهجري التصعيد في المواقف وصولاً إلى المطالبة بالحماية الدولية، مؤكداً عدم الثقة بالحكومة السورية، ومشدداً على احتفاظ الفصائل المحلية بالسلاح، ليدلي بتصريحات لصحيفة واشنطن بوست قال خلالها إن “إسرائيل ليست العدو”.