بشرى بلحاج حميدة محامية ونائبة سابقة في برلمان 2014 وأيقونة نسوية مناصرة لتحرير النساء والقيم الديمقراطية منذ أربعة عقود ونيّف. وفي الآونة الأخيرة، تبوأت منصب رئيسة ، حيث عملت على . وقد واجهت، بسبب جهودها هذه، تهديدات بالقتل ونشر معلومات مضلّلة عنها عبر الإنترنت، مع ظهور منشورات جديدة “كل عشر دقائق تقريبًا”، كما قالت في مقابله معها في عام 2018.

تربطني علاقة صداقة ببشرى وقد صُدِمت عند رؤية هذه المنشورات من معارضيها التي ادّعت أنها تعمل على تقويض الإسلام خدمةً لأجندة خارجية. ليست حميدة الناشطة النسوية التونسية الوحيدة التي تتعرض للمضايقات عبر الإنترنت في الأعوام الأخيرة: فقد أوردت   في عام 2023 أن المنصّات الرقمية التي أدّت في السابق دورًا في تعزيز المساواة والديمقراطية في تونس تحوّلت إلى معاقل للتضليل وكراهية النساء. يُستخدَم موقعا “فيسبوك” و”تويتر” وسائر مواقع التواصل الاجتماعي على نحو تعسّفي لاستهداف الناشطات النسويات وتكميم أفواههن، لا سيما الناشطات اللواتي يعبّرن جهارًا عن معارضتهن لحكم الرئيس قيس بن سعيد المُمعن في السلطوية.

تكشف ، وهي منظمة نسوية تونسية أسّست في عام 2011، عن تصاعد كبير في مثل هذه الحوادث منذ 25 تموز/يوليو 2021، حين قام سعيد بإطاحة الحكومة وتجميد أعمال البرلمان. فالناشطات اللواتي اعترضن على تفسير سعيد للمادة 80 من الدستور، والذي استخدمه لشن الانقلاب المقنّع، تعرّضن للتشهير بحياتهن الخاصة عبر الإنترنت ونُعِتن بالعاهرات وواجهن التشييء والاتهامات الباطلة بخيانة بلادهن.

فشلت الدولة في التعامل مع العنف الإلكتروني المستهدف لنشطاء النساء وبالعكس، اعتمدت خطابًا رسميًا معاديا للنساء. ففي حزيران/يونيو 2022 مثلًا،  سعيد الزخم لحملة إلكترونية شُنَّت لتشويه سمعة قاضية من خلال اتهامها بالزنا، في إطار ضد استقلال القضاء. تلجأ الأنظمة الديكتاتورية إلى تقويض حقوق النساء في إطار تكتيك استراتيجي متعمد لتدمير مرتكزات الديمقراطية. فهي تسعى، من خلال قطع الطريق على مشاركة النساء في السياسة والإبقاء على التمييز الجندري، إلى دفع النساء للابتعاد كلّيًا عن السياسة أو اللجوء إلى الرقابة الذاتية.

بدلًا من حماية الحقوق الرقمية وتعزيز الشمول ومشاركة الجميع، سلكت الحكومة التونسية منعطفًا مقلقًا، فألحقت  وقضت على التقدّم الذي تحقق على مر عقود من الزمن. وعوضًا عن أن يتصدّى سعيد لممارسي التضليل الجندري عبر مواقع التواصل الاجتماعي،   لمكافحة “الأخبار الكاذبة” عبر الإنترنت. والمرسوم الذي اعتبرته مجموعات حقوق الإنسان أنه يُجرِّم حرية التعبير، استُخدِم بالفعل لقمع المعارضة السياسية وتكميم أفواه مَن تبقّى من المعارضين.

في هذا العصر الرقمي، يجب ألا يبقى نشر المحتوى المؤذي سياسيًا والمتحيّز جنسيًا من دون ضوابط. ينبغي تحميل مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما “ميتا”، المسؤولية فيما يختص بضبط المحتوى باللغة العربية. يكتسب دور الدولة أهمية حيوية بالقدر نفسه لضمان سلامة جميع المواطنين، من خلال وضع تنظيمات صارمة للأمن السيبراني وتطبيقها للمساعدة على حماية الأفراد من التهديدات السيبرانية، وحماية البيانات الحسّاسة، وتعزيز الأمان عبر الإنترنت. ويتعيّن على الحكومة أيضًا تخصيص الموارد اللازمة لتنفيذ  الذي يهدف إلى حماية النساء من كل أشكال العنف، ولكنه لم يُنفَّذ على نحو كامل منذ إقراره في عام 2017.

يحاول النظام الأبوي، من خلال استهدافه شخصية عامة مثل بشرى بلحاج حميدة، زرع الخوف في نفوس المواطنين وإبقائهم جميعًا تحت السيطرة. في أيار/مايو الماضي، صعّدت الحكومة وتيرة هجماتها على حميدة من خلال إدراجها، إلى جانب معارضين تونسيين آخرين، على قائمة المتهمين في  واجهوا فيه تهمًا باطلة بالتآمر. ولكن سعيد وأنصاره يستهينون بقوة وإصرار كثير من النساء اللاتي يقفن باعتزاز على كتفي بُشرى ويعبرن عن آرائهن السياسية بصوت عال وواضح، سواء عبر الإنترنت أو في الشوارع.

إكرام بن سعيد ناشطة نسوية تونسية. مؤسِّسة منظمة “أصوات نساء”، وهي منظمة نسوية تونسية تعمل على تعزيز مشاركة النساء في السياسة وتدعو إلى اعتماد سياسات عامة نسوية.