على شاطئ بحر إيجة، في مدينة أزمير التركيّة، رميتُ حقيبة. كان يوتّرني صوت أحدهم، وهو يتقافز كالسَّعادين مكرِّراً: «كبّو الشّناتي». في الحقيقة، تسرّعتُ في رميها على الشاطئ، وأنا نادمة على ذلك، إذ كان ينبغي أن أودعها أعماق البحر لكي أضمن اختباءها كسرٍّ آخر موجِع بين أسراره الهائلة، لكن الندم لم يكن يوماً لينفع. كنتُ أتأمّلُ في الهجرة «غير الشرعية» تلك، في ذاك العالم الغريب الذي لا أفقهُه، وأسألني: ما الشرعيّ؟ أن يُدمَّر بلد مثلاً، ويُستباح أهلوه، ويهجَّرون، من أجل أن يبقى رئيس «غير شرعي» على الكرسيّ؟ (هه). أن أبقى أموت في بطء، في تلك العزلة المتوحّشة، حين كنتُ أسمع أصوات القصف من محافظتي على محافظة درعا الحبيبة؟ كانت أصوات تهزّ من شدتها نافذتَي غرفتي، فأظلّ طوال الليل مذعورة باكية، إلى أن يهدّني التعب فأنام وأستيقظ متورِّمة العينين، أو أن أظلَّ أُقتَل يومياً بذاك القتل الرهيب في محيطٍ محافظ، وغِد، عنصريّ ولئيم، يمقت الحرية بالمطلق، ويكره المرأة الحرة الثائرة خصوصاً، ويفضّل الركون إلى «كل شيء يسير على ما يُرام»؟!.
في تلك المخاطَرة، بدا الموت والحياة سيّان بالنسبة إليّ، بعد «انقضاء» كل تلك السنوات من العنف والاضطهاد والقهر. سنوات هُجِّرتُ خلالها وهَجَرتُ كلَّ ما يمتُّ إلى الحياة الطبيعية بصلة. كان سيّان عندي إنْ نجوتُ أو غرقتُ! بيدَ أني، ما كنتُ لأفعلَها، وأغامر بهذه الطريقة لو كان معي طفل مثلاً، فأنا لا أجازف في غير ما يخصّني، ولستُ حرة في ما يخصّ الأرواح الأخرى. أن أهرب، أنا الهاربة أصلاً والمدفوعة إلى الهرب دوماً، شيء، وأن أكون مهرِّبة شيء آخر. أن تكون مثقفاً «هارباً»، ولا أعني ها هنا، الهروب من المسؤولية الأخلاقية للمثقف مثلاً، يختلف عن أن تكون مثقفاً سمساراً ومهرِّباً. كنتُ الهاربة، و»كان» المثقف السمسار، ترى هل يستوي الهاربون والمهرِّبون؟ «أُجْلِستُ» بقسوة على حافة «البلم»، فجلستُ بهدوء الاضطرار الراضخ اليائس المتشلِّق المتشلِّع المُريد الخلاص، لكن ما أعرفه فيّ جيداً عن هذا الهدوء الذي يكتم المرارة، هو أنه ما يلبث أن يعود وينفجر على هذه الهيئة أو تلك، ولو بعد حين. عندما رميتُ الحقيبة، كنتُ حريصة على الاحتفاظ بـ»اللاب توب». قصّته قصة هذا اللاب توب! ذي «الكيبورد» المعطَّلة و»الكيبورد» الخارجية التي تزيد على ثقله ثقلاً، الذي طالما حملتُه معي من سوريا إلى لبنان في يوم 12 أيار/مايو 2015، ثم إلى اسطنبول يوم 12 تشرين الأول/أكتوبر 2015، ثم إلى ستة بلاد قبل وصولي إلى ألمانيا، وهو برفقتي أنقّله كطفل، وينهكني ثقله. فقدتُه مرّة في مخيمٍ في صربيا، ورحتُ أصرخ: «أين البوليس، أريد كمبيوتري، فيه ما أحبّ وأهوى، فيه جزء مهم من ذاكرتي، من روحي». بعد جولة بحثٍ سريعة برفقة أحدهم، وُجدَ اللاب توب موضوعاً في حاوية. هذا اللاب توب، جلبه لي في الأصل، شقيقي الغالي أيمن. بوهج القلب جلبَه ودمع «العين المغدورة». شُلَّت يد الغادر يا شقيقي. آه لو ترى عينيّ الآن، تبكيان بحرقة، وفي أعماقي يهيج الشوق والحب والنزف… النزف. حملتُ معي اللاب توب، على رغم الإلحاح «المريب» للمثقف السمسار، في أن أتركه عنده مؤقتاً، ثم يرسله إليّ في ما بعدُ إلى البلد الذي سأصلُ إليه. وفي ما بعدُ، كان هذا اللاب توب، بمثابة الإنقاذ الوحيد لي وسط استنزافٍ مشترَك للذات والخصوصية اسمه «Camp»، حيث كنتُ أهرب، بين الفينة والأخرى، إلى ما فيه من كتبٍ إلكترونية، وأقرأ. قرأتُ جزءاً من كتاب «الحيوان» للجاحظ. قرأتُ رواية «برهان العسل» لسلوى النعيمي. قرأتُ رواية «الأخوة كارامازوف» لدستويفسكي، قرأتُ وقرأتُ.
كان الشيء الوحيد الجميل في معمعة الأسى والأسف وقتما كنتُ جالسة في عرض البحر على حافة «بلم» مع زهاء سبعة وخمسين شخصاً، حاضِنةً اللاب توب، وألبوم صور لأهلي وبيتي، وجملة وثائق، هو بحر إيجة في هدوئه الجلل آنئذ، المسكوب في رماديّ محيِّر، والقمر المضيء في خفّةٍ مستديرة. القمر الذي كنتُ أنظر إليه مليّاً، ويخطر لي: إذا ما انقلبَ هذا «الشيء المطاطي» الذي يسمّونه «بلم»، ومتُّ غرقاً، ثمة شخص واحد ربما، حول هذا العالم، سوف يبكيني ويتألم. كانت تمزّقني فكرة أن أصيبه بألم من هذا الطراز، فأعمدُ إلى نسفِ الخواطر كلّها من بالي، وأفكر في أنني «يجب» أن أعيش. أريد أن أعيش. أريد أن أراني بعينيّ، لأني ما عدتُ أطيق عيون الآخرين. أريد أن أحيا معنايَ، لأني سئمتُ معاني الآخرين.
2
قبل تلك المغامرة التي ما كانت سوى محض مباغَتة لم يُحسب لها حساب، أمضيتُ في اسطنبول، نحو عشرة أيام. جئتُ إلى هذه المدينة الجميلة الضاجة بالحيوية، بطائرة وفي حوزتي قليل من مالٍ متحصّل لقاء مقالاتٍ نشرتُها في منابر ثقافية معروفة. كانت المرة الأولى في حياتي التي أركب فيها طائرة. مثلما كانت المرة الأولى في حياتي التي أفارق فيها سوريا يوم 12 أيار 2015، اليوم الذي سيبدأ معه مشوار «المرة الأولى» من كل شيء تقريباً. صار كل شيء بالنسبة إليّ هو «المرة الأولى» في ما عدا النزيف.
خلال الأيام التي أمضيتُها في اسطنبول، حضرتُ محاضرة تحت عنوان: «سورية، حقوق الإنسان والحدود الراهنة لعالميتها»، للباحثة الأمريكية كيلي غروتكة، المختصة في التاريخ الثقافي الأوروبي، وهي أيضاً أستاذة في جامعة كورنل في نيويورك. تعمل كيلي حالياً على مسودة تتناول تدهور نظريات الحق الطبيعي وصعود المنطق في القرن التاسع عشر في كتاب: «الدستورانية، الشرعية والسلطة: خبرات القرن التاسع عشر (أكسفورد 2014)». كيلي منضمَّة أيضاً إلى المعهد الدولي للقانون وحقوق الإنسان في جامعة هلنسكي في فنلندا وإلى أكاديمية هايدلبرغ للعلوم. المحاضَرة المذكورة، كان مركز «هامش» هو الذي نظّمها، وكان الأستاذ المحترم ياسين الحاج صالح، حاضراً حضوراً مشرقاً، متّقد الفكر والثقافة في جوٍّ لا تثقل عليه نزعاتٌ سياسية كيدية أو أيديولوجيّة أو دينية، فتتوافر للنظر العلمي والتفكير النقدي والفلسفي فرصة أكبر. كانت «المرة الأولى» التي ألتقي فيها هذا المفكر، بعدما التقيتُه مراراً من قبلُ في نتاجاته الفكرية والثقافية والمعرفية. رأيتُه مثالاً للمفكر الذي يصلُ برشاقة النظرَ بالعمل، والعمل بالنظر، كون الاهتداء إلى ماهيّة الثقافة لا يكون إلا بمباشرة فعل الثقافة، والفعل الفلسفيّ بوصفه تجربة حياة. ياسين الحاج صالح هو أيضاً بالنسبة إليّ قدوة في وصل الحرية بالأخلاق، والأخلاق بالحرية. عند المدخل الرئيسيّ للمكتبة التي نُظِّمت فيها المحاضرة المذكورة، ذكَّرني الأستاذ ياسين بمقال قديم لي، كان قد أيَّد في تعليق جميل عليه، فكرة ربطي للحرية بالأخلاق.
كانت تلك المحاضرة بالنسبة إليّ، بمثابة تجربة فكرية شيّقة، تحتشد باللّمحات الذكية والملاحظات المتعمِّقة. حين انتهت الباحثة غروتكة من قراءة المحاضرة، فُسِح المجال لكي تتدفّق الأسئلة، فرفعتُ يدي في خجلٍ وارتباك، مُريدةً المشاركة عبْر طرح سؤال، مؤمنةً في أنّ بالأسئلة نتعلّم بالفعل تلمَذة لا نهائية. كانت «المرة الأولى» في حياتي التي أتكلّم فيها من خلال مايكروفون، وأجري مداخلة في محاضَرة، وكان الأستاذ ياسين، هو مَن تولّى مهمّة تنقيل المايكروفون بين السائلين من الحاضرين. ما أن أعطاني المايكروفون باهتمام لائق بالمفكرين والفلاسفة، حتى بدأ خجلي يتلاشى، وما أن بدأتُ بطرح سؤالي، وسمعتُ من الخلف «نحنحة» كانت تشي بالنسبة إليّ، بالاهتمام بالسؤال والتفاعل معه من قبل الأستاذ ياسين، حتى زال خجلي نهائياً. هكذا هم أصحاب العقول المستقلة الحقيقيون، يتسامون في ربوع التفكير، ويتصدّون من حيث يدرون أو لا يدرون، لمصادر الإسفاف، وكل ما يمكن أن يهوي بقيمة الإنسان، فيشعر الناس في حضورهم بأنه مهما تعاظمت خسّة العالم ودناءته، وتعاظم مع الخسة والدناءة شعورٌ عميق بالعدم، تبقى هناك أفكار ومشاعر متلألئة وضمائر مضيئة، وقلوب ناصعة تنحت في صخر هذا العدم، فاتحةً كوّة للهواء والضوء رغم أنفه.
3
بدأتُ مداخلتي، بإعلاني عن رغبة، في ربط نقاشٍ ثقافي بواقعٍ سياسي مباشر، تحديداً بالمأساة السورية المستمرّة منذ أعوام، وكانت الباحثة غروتكة نفسها قد تطرَّقت في سياق محاضرتها إلى الفيلسوف الألماني ماكس فيبر، فرأيتُ أنَّ من المهم مثلاً، قراءة مفهوم «الكاريزما» عند هذا الفيلسوف الذي كان أول مَن أعطى هذا المصطلح، صبغة سياسية، عندما استخدمَه للإشارة إلى القدرة التي يتمتع بها شخص معيّن للتأثير في الآخرين إلى الحد الذي يجعله في مركز قوة بالنسبة إليهم، بحيث يمنحه الواقعون تحت تأثيره حقوقاً تسلّطية عليهم كنتيجة لقدرته التأثيرية. رأيتُ أن من المهم قراءة مفهوم «الكاريزما» هذا، في «ضوء» الواقع السوري، الذي بات، في معنى ما، واقعاً عالمياً، لأن المفاهيم في ذاتها لا تكفي، ولا بدّ من استخدامها في تفسير مشكلات ملموسة، فيتساوق النظر العقليّ بالنظر العينيّ، عبْر أدواتٍ معرفية ومنهجية قريبة من حرارة الحياة الواقعية للسوريات والسوريين. سألتُ الباحثة وقد أبدتْ إعجاباً بالسؤال: إلى أي مدى يمكن اعتبار أن السياسة العالمية حيال سوريا هي بمثابة تنافس ذكوري «كاريزماتي»؟ مثلاً: الأسد- البغدادي، أوباما، بوتين، خامنئي، نتنياهو، نصرالله، سليماني…والقائمة تطول، حتى أن بعض قادة الفصائل المحسوبة على الثورة، وبعض القادة في الأجسام السياسية السورية المعارضة، هم أيضاً ليسوا خارج هذا الصراع الذكوري «الكاريزماتيّ» وإن كان الصراع هنا أقل قسوة وخطورة ربما. ينبغي العلم هنا أيضاً، أن الروح الثورية تختلف عن التوق إلى الجديد ومن ثم المحافظة على هذا الجديد، كما أن التحرّر يختلف عن الحرية. إن الأسماء الآنف ذكرها وغيرها، هي أسماء لشخوصٍ تتصارع ذكورياً، وكل شخصية تحاول إثبات نفسها بوصفها «كاريزما» لها جاذبية مقنعة أو سحر يُلهم التفاني في المتلقين، ثم تتواطأ في ما بينها حين تتلاقى المصالح، فهُم أصلاً قادة تقودهم المصلحة، من دون أن يتمكن أيٌّ منهم من السيطرة على مجرى الأحداث. هؤلاء الزعماء يفضّلون أن يظهروا في مظهر مهذَّب، فيسرفون في الحديث عن السلام، عن القانون، عن حقوق الإنسان، عن الديمقراطية، عن حق الشعوب في تقرير مصائرها، عن المقاومة، عن الدين والإيمان الحقيقييْن، عن محاربة الإرهاب، ويبدون في كل مرّة كأنهم يطوّرون أسلوباً «كاريزماتياً»، ثم يمعنون في سياسة الاستقواء، واستعراض القوة والطاقة التدميريّة، وعلى مَن؟ على شعب أعزل، جلّ ما أراده هو الحرية والانعتاق. يمعنون في حروب تدور رحاها على المنابر الإعلامية، وتُترجَم على الأرض السورية حروباً ساخنة طاحنة ضد الشعب السوري وضد الثورة السورية بوصفها ثورة حرية وأفق. هؤلاء لا يَبدون أنهم يدافعون عن قضايا، بقدر ما يستشرسون في الدفاع عن «كاريزما» شخصية، ورغبة في الهيبة. هم عبيد لهذه «الكاريزما» التي باتت كأنها سياسة عالمية! وكم يثير حفيظتي شخصيّاً اصطلاحُ «تجفيف منابع الإرهاب»، إذ من شأن الشِّعر مثلاً أن «ينبع» وكل جميل وخلاّق، ولا شأن للنبع، للماء بالإرهاب، لا بل هذا الأخير يقتل الينابيع كلّها، وحين يسود خطاب «تجفيف منابع الإرهاب»، يصير كأنه «زلّة لسان» تشي بذهنيةٍ متواطئة تريد مساندة الإرهاب في اغتيال الماء بوصفه سائلَ حياة، وقتل الينابيع، قتلاً مضاعَفاً. إنه ضعف حاسم في الداخل، يُترجم عنفاً شرساً في الخارج. مُنازَلةٌ «كاريزماتية» من شأنها شرذمة العالم وتخريبه. هكذا، يصبح ممكناً أكثر ربما تفسير ظهور مجرم حرب كمِثل بوتين، في مظهرٍ «كاريزماتي»، مشيداً بحفلٍ موسيقيّ على سبيل المثال. حفلٌ أقامته فرقة أوركسترا مسرح «مارينسكي» الروسية الشهيرة في مدينة تدمر، معتبراً إياه «تخليداً لجميع ضحايا الإرهاب»!(هه) أو هكذا أيضا يصبح ممكناً ربما تفسير حرص أوباما على الظهور بوصفه صانع سلام (هه)! جاهلاً أو متجاهلاً أنَّ جلَّ مواقفه حيال سوريا تحديداً، يسجّلها «التاريخ الحر»، بوصفه رجلَ حرب بامتياز!
4
«إن التفلسف يتمثل في أن ننظر إلى الكون وكأن لا شيء فيه يسير على ما يرام». الكون بالنسبة إلى ما يُناقَش في هذه السطور، هو «العالم» أو «الآخر». أنتجت الثورة السورية، خلال بضع سنوات، من الأحداث الجسام، ما يمكن أن تنتجه البشرية خلال عقود طويلة! ويمكن القول إنها مرحلة من التاريخ عاد فيها إعلان حقوق الإنسان إلى الوراء. أن ننظر إلى هذا العالم «كأن لا شيء فيه يسير على ما يرام»، معناه أن ننظر إليه بوصفه مصدر عدم ثقة وقلق مبعثه انكشاف تهافت حقوق الإنسان فيه، بعد كل ما جرى ولا يزال في سوريا، من قتل ودمار ومجازر وجوع واعتقال وتشرّد…على مرأى من هذا «العالم» أو «الآخر» الذي يتكشّف لنا في تجربتنا على أنحاء شتّى، حتى أنه صار ينبغي علينا أن نتجنّب الإضفاء على ميدان «حقوق الإنسان» وقاراً لا يستحقّه، خصوصاً بعدما صار ما ينبغي ألا يكون مألوفاً في أي حال من الأحوال، مألوفاً. إن «حقوق الإنسان» التي لم تعد مُسنَدة بالمبادئ الثابتة والآراء الرصينة، يمكن القول إنها انحلّت في ظلّ الثورة السورية، أو إنها في حال خسرانٍ متواصل.
كان «وقف الأعمال العدائية» على سبيل المثال لا الحصر، الذي بدأ بتاريخ 27شباط/فبراير الماضي، والذي جرى خرقُه مراراً وتكراراً من قبَل النظام، وعودة التظاهرات المدنية السلمية، وعودة الشعارات الوطنية الثورية نفسها، يؤكّد أن نهاية الحرب تعني الثورة مجدَّداً، مثلما كانت الثورة سابقة على الحرب. الثورة إذن من قبلُ ومن بعدُ، فهي المسار الذي «قدَره» ربما أن يظلّ يكافح من أجل تحويل المألوف والمستساغ والموافَق عليه بوصفه أمراً واقعاً، إلى إشكالٍ مزلزِل. مثلما الثورة أيضاً، تجربة مقدرة الإنسان لكي يبدأ من جديد، في شيء جديد دائماً. في ظلّ روح عالمية يتنازعها عنصران، أحدهما عقليّ منظَّم، والآخر غريزيّ أهوج، ينبغي للثقافة وللتفكير النقديّ الفلسفيّ، الانحياز إلى الأول دوماً، وأن يبقيا على علاقة مباشرة وفعلية بالواقع وبالأشياء، من أجل التقويض المستمر لما بات «مألوفاً» و»اعتيادياً» و»مُستساغاً» و»موافَقاً عليه، كأن كل شيء يسير على ما يرام»، لغرض تحويله أيضاً إلى إشكالٍ مزلزلٍ ومزعزِع.