خلال العقد المنصرم، عملت أنظمة الخليج العربي على تهميش  القضية الفلسطينية وتمهيد الطريق للتطبيع مع إسرائيل. وحتى في الكتب المدرسية، حُذِفت أي إشارة دينية أو سياسية إلى النزاع المستمر، وقد صُوِّرت المسألة بأنها مجرد خلاف على الأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولكن الحرب الدائرة على غزة تكشف عن الأهمية المستمرة التي تكتسيها القضية الفلسطينية لشعوب الخليج العربية.

جاء التطبيع في نهاية عقدٍ صعب. فالانتفاضات العربية كانت عامل اضطراب حتى للمواطن الخليجي الأكثر ابتعادًا عن السياسة، وردّت حكومات المنطقة باللجوء إلى موجة قمع . شهدت هذه الفترة تقلّص المساحة العامة وتشوّش الخطوط التقليدية للمعارضة، فسادت أجواء من الخوف وانعدام الثقة. وظهرت إمكانية معاقبة المواطن الخليجي بمفعول رجعي بموجب  التعسّفية والمبهمة في صياغتها، ما زاد من المخاوف ودفعَ بالخطاب العام نحو اعتماد السرّية.

أصبحت حاجة الأنظمة الخليجية إلى استباق الرأي العام الشعبي والسيطرة عليه مسألة أمن قومي، ما أدّى بدوره إلى إثراء خزائن الشركات السيبرانية الإسرائيلية. وقد استفادت الحكومات من  لمراقبة المواطنين الخليجيين وتجريم حِراكهم، بما يشمل حتى المطلب الحميد ظاهريًا المتعلق بحق المرأة في القيادة. وسارت الأنظمة الخليجية أيضًا على خطا إسرائيل، فوسّعت استخدام ، متذرِّعةً بالإرهاب لحبس سجناء الراي  إلى أجل غير مسمّى. ومن خلال هذه التدابير، انتقل القمع الإسرائيلي إلى داخل الدول الخليجية، ما جعل النضال الفلسطيني يبدو أقل تجريدًا وبعدًا للمواطنين الخليجيين، وأجّج مظالم داخلية جديدة.

على الرغم من استراتيجيات القمع المشتركة، سعت دول الخليج إلى تجميل تقاربها مع إسرائيل من خلال تصويره بأنه وسيلة لتعزيز السلام الإقليمي والتسامح الديني. في آذار/مارس 2023، فيما كانت الإمارات العربية المتحدة تدشّن  ليكون بمثابة معلم للتعايش بين الأديان، كان المستوطنون  على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. والحال هو أن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين ا بعد توقيع اتفاقات أبراهام. لقد تنبّه المواطنون الخليجيون لهذه التناقضات الصارخة، فيما تلتزم الأنظمة الخليجية الصمت إزاء العنف الإسرائيلي المتمادي، وأدّى ذلك إلى القضاء على الحماسة الضعيفة للسلام.

 رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالروايات التوراتية العنيفة لإضفاء طابع شرعي على حربه على غزة، ولكن ذلك لا يستجلب أي إدانة من قادة العالم. في هذا السياق، قد يُدفَع المواطنون العرب في الخليج إلى التساؤل، لماذا عليهم  واعتماد لغة علمانية  يسلّط  الضوء على أهمية الدين للشعوب العربية، وهو واقع تنكره الأنظمة الخليجية التي تسلك المنحى العلماني، ويكشف استطلاع الرأي أيضًا عن دعم الاكثدية  لعمليات حماس.

تبعًا لذلك، يجب على الأنظمة الخليجية أن تتنبّه للجاذبية الجماهيرية التي تحظى بها المقاومة الفلسطينية التي يُعبَّر عنها من خلال مفردات دينية مألوفة. ويشمل جمهورها الخليجيالذين كانوا أيضًا أوّل من خضع للتجنيد العسكري الإلزامي.، الذين يستثيرهم خطاب الدولة عن الرجولة والبسالة العسكرية، يقعون تحت تأثير مقاطع الفيديو التي يبثّها مقاتلو حماس وهم يسدّدون ضربات قوية للقوات الإسرائيلية. ولا شك في أن قدرة حماس على التفاوض على تبادل الرهائن، على الرغم من ارتفاع حصيلة القتلى في غزة، ألهمت إمكانيات جديدة للمواطنين المغبونين في بلدان الخليج العربية.

فيما يُتوقَّع أن تستمر الحرب الإسرائيلية على غزة في الأشهر المقبلة، ثمة خطرٌ بأن يتحوّل  على التطبيع مع إسرائيل أو  العلاقات الجديدة معها، في وجه عدم شعبيتها الشديدة في الداخل، إلى النقطة التي يطفح معها الكيل. ونظرًا إلى احتمال عودة التشدد المستلهَم من الدين في مختلف أنحاء المنطقة، يقع على عاتق الأنظمة الخليجية التخلي عن استخدام القمع والنموذج الأمني وسيلةً لضمان بقائها. إنها، بحسب الأكاديمي الكويتيطلال خضر لحظةٌ مؤاتية للمصالحة بين الدولة والمجتمع في الخليج.

ميرا الحسين عالِمة اجتماع ومعلّقة متخصصة بشؤون الخليج. وهي زميلة أبحاث في مركز الوليد بن طلال في جامعة إدنبره.