غرفة الأخبار – نورث برس
قد يكون الحديث غريباً في الوقت الحالي عن أي حوار بين الإدارة الذاتية في شمالي سوريا وتركيا، لا سيما وأن الأخيرة تشن هجمات جوية تستهدف بنى تحتية ومنشآت خدمية وحيوية أدت لأزمة إنسانية في منطقة الأولى.
تدّعي تركيا بأن الإدارة الذاتية في سوريا تتبع لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض معها حرباً منذ أكثر من 40 عاماً، ومن المهم التذكير بأن الجانبين (تركيا والكردستاني) شهدا عمليات عدة لوقف إطلاق النار وعملية سلام في 2013 لكن لم تصل بالفعل إلى سلام دائم.
ينفي مسؤولو الإدارة الذاتية أي ارتباط عضوي أو تنظيمي مع العمال الكردستاني، لكن في أواخر 2021 قال كل من مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، وإلهام أحمد المسؤولة في مجلس سوريا الديمقراطية، إن مقاتلي “الكردستاني” ساندوا جهود الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وانسحبوا إلى خارج الأراضي السورية بعد القضاء على السيطرة الجغرافية للتنظيم المتطرف.
أبدى كل من عبدي وأحمد وفي مناسبات عدة استعداد الإدارة الذاتية للحوار مع تركيا بشرط انسحابها من مناطق “احتلتها” كعفرين وسري كانيه/ رأس وتل أبيض في أوقات مختلفة، وفي أواخر العام الفائت، دعت أوزاي بولوت، وهي باحثة لدى مركز “فيلوس بروجيكت” الأميركي، إدارة الرئيس جو بايدن إلى إقناع تركيا بالحوار مع الإدارة الذاتية ووقف حالة العداء المستمرة.
قائد “قسد” الذي حاولت تركيا اغتياله في نيسان/ أبريل الماضي في السليمانية بإقليم كردستان العراق، قال نهاية العام الفائت في تصريحات صحفية إن الإدارة الأميركية لا تضغط بشكلٍ كافٍ على تركيا لوقف هجماتها على شمالي سوريا، نافياً لوجود “العمال الكردستاني” في سوريا ونافياً علاقتهم بما يحدث في شمالي العراق.
لكن لا يستبعد باحثون ومراقبون إمكانية حوار مع تركيا لاسيما وأن الأخيرة أجرت لقاءات سرية وعلنية مع “العمال الكردستاني” وزعيمه المعتقل في سجن إيمرالي من أجل الوصول لتسوية سياسية للقضية الكردية داخل تركيا، كان آخرها اتفاق “دولمه باخجه” 2013، وهو ما يشير إليه الباحث في الشؤون التركية، خورشيد دلي.
يذهب الباحث إلى أبعد من ذلك ويتحدث عن مصالح سياسية واقتصادية لتركيا في أي حوار واتفاقات مع الإدارة الذاتية في شمالي سوريا.
حوار من أجل السلام
بعد انتخابه مؤخراً رئيساً مشاركاً لمجلس سوريا الديمقراطية، المظلة السياسية للإدارة الذاتية، أبدى محمود المسلط استعداده للحوار مع كافة الأطراف “من أجل السلام”، ومن بينها تركيا.
يقول خورشيد دلي، لنورث برس، إنها دعوة قد تجد طريقها للنقاش في الداخل التركي إذ ما فكر صانع القرار التركي بالفوائد الاستراتيجية التي يمكن أن تترتب على الحوار والتفاهم مع الإدارة الذاتية بدلاً من العداء المعلن لها ومحاربتها، خاصة أن ثمة في تركيا من يسأل عن جدوى وحقيقة أسباب هذه الحرب التي تتسبب بمشكلات كثيرة لتركيا لاسيما مع الحليف الأميركي.
إن الانفتاح التركي على الإدارة الذاتية سيخفف من حدة الخلاف مع الإدارة الأميركية، خاصة أن تركيا باتت مقتنعة بأن واشنطن لن تتراجع عن دعم حليفتها “قسد” لأسباب “تتجاوز الحرب ضد داعش”، بحسب دلي.
“فشل الرهان الروسي”
الباحث والخبير في الشؤون التركية تحدث عن سبب آخر للحوار بين الجانبين برأيه، وهو فشل الرهان التركي على الدور الروسي في دفع الإدارة الذاتية ودمشق إلى تفاهمات تؤدي لعودة الوضع في شرقي الفرات إلى سيطرة مؤسسات الحكومة السورية كما كان في السابق، “ازداد هذا الرهان تعقيداً مع تفجر الحرب الروسية الأوكرانية وحرب غزة وغيرها من التطورات التي دفعت بالولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في المنطقة بعد أن رجح كثيرون سحبها لقواتها منها، كل ذلك بالتزامن مع وصول التطبيع بين أنقرة ودمشق إلى مرحلة من الانسداد”.
وحول دور أميركي كوسيط بين الطرفين، يقول “دلي” إن المبعوث الأميركي السابق جيمس جيفري، قام بجهود في هذا الاتجاه، وبإمكان الولايات المتحدة لعب دور أساسي في أي حوار بين تركيا والإدارة الذاتية ولعل على الأخيرة أن تعمل أكثر في هذا الاتجاه.
وقد ينجح الجانب الأميركي في ضبط استقرار المنطقة ودفعها إلى الحلول السياسية، إذا ما طرحت مبادرات سياسية ونجحت بجمع تركيا والإدارة الذاتية على طاولة الحوار.
فوائد اقتصادية
اقتصادياً يقول خورشيد دلي إن لتركيا حدود طويلة مع مناطق الإدارة الذاتية، وتعاني من مشكلات مالية واقتصادية متفاقمة، قد تجد في هذه المناطق رئة جديدة للتنفس ومحاولة إنعاش اقتصادها المتهالك، خاصة في ظل غنى هذه المناطق بالموارد الاقتصادية والطاقة، ويمكن أن تتكامل مع تجربة إقليم كردستان العراق التي هي واحة مثمرة للاقتصاد التركي، بحسب رأيه.
عقبات على الطريق
ورغم استعداد الإدارة الذاتية للحوار مع تركيا، والفوائد التي يمكن أن يجنيها الطرفان من هذا الحوار، إلا أن ثمة عقبات جوهرية تعترض إمكانية الدخول في حوار حقيقي بينهما، وفي مقدمة هذه العقبات الصورة المترسخة في الذهن التركي حول علاقة الإدارة الذاتية بحزب العمال الكردستاني.
قد يرى البعض أن ما سبق لا يتوافق مع السياسة التركية العدائية المعلنة ضد الإدارة الذاتية بعد كل هذه الحروب ضدها، لكن الاستمرار في هذه السياسة دون تحقيق أهدافها قد تكون مدخلاً للتفكير بخيار الفوائد الاستراتيجية المرتجاة من هكذا حوار، بحسب دلي.
لكنه يقر بصعوبة حصول انعطافة دراماتيكية بهذا الخصوص بسبب الإرث السلبي لعلاقة تركيا بالكرد ولطبيعة تداخل هذا الصراع مع حزب العمال الكردستاني.