في أسبوعها الثاني على التوالي، تحصد الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزة المئات من الضحايا من أهل القطاع. ويبدو أن الاهوال التي ترتكب في حق المدنيين ستزداد الى حدود لم يسبق أن شهدتها ساحة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي منذ سبعة عقود. فالحرب حقيقية، ومضاعفاتها دراماتيكية أولاً على الشعب الفلسطيني، وثانياً على المنطقة باسرها، وثالثاً على الطرف الاسرائيلي الذي لا يزال بعد الضربة التي تلقاها في 7 تشرين الاول (أكتوبر) يتصرف كثور هائج وأعمى. بكل بساطة ومع مرور الأيام، وسقوط المزيد من الضحايا المدنيين في القطاع يتضح أن إسرائيل تتخبط في خياراتها، وكأنها تصعّد الضربات العسكرية في كل اتجاه من دون أن تمتلك أفقاً لمرحلة ما بعد الحرب والاجتياح الذي تلوح به.
نحن لا نعرف تماماً ما هي نوايا تل أبيب. لكن المنطق يقول إنها في حاجة لتحقيق اهم هدفين على الفور: الأول ترميم قدرتها الردعية قدر الإمكان، والثانية انقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة الجيش الإسرائيلي بما يعيد الثقة به بين الجمهور الاسرائيلي كي يحيي ما تبدد من الشعور بالأمن الذي ساد قبل 7 تشرين الاول. هذان الهدفان هما اللبنة الرئيسية التي تحدد مسار اسرائيل ومستقبلها كأرض يهاجر إليها اليهود من العالم اجمع. كما انهما حجر الرحى في بقاء إسرائيل ككيان في الشرق الأوسط الذي يبدو في مكان ما اشبه بمصيدة وحقل افخاخ. من هنا حاجة إسرائيل الوجودية الى تحقيق “نتائج” ملموسة فورية في غزة مهما ارتفعت كلفة الاجتياح الذي تهدد به منذ اليوم الأول.
وحتى الآن يمكننا ان نقول أن تأخر بدء العملية البرية قد لا يكون سببه العجز عن الدخول، انما قد يكون جزءاً من الحرب النفسية ومحاولة إسرائيلية لإرباك الفصائل المدافعة عن قطاع غزة. وثمة سبب آخر يتمثل في انهاء الترتيبات العملية على  المستويات كافة، لاسيما ان الاجتياح يمكن أن يؤدي الى رفع منسوب التدخل الإيراني في الحرب من خلال قيام “حزب الله” بفتح جبهة من لبنان. وجبهة لبنان ليست تفصيلاً. انها جبهة كبيرة، وأكثر خطورة من جبهة غزة حالياً. والسبب ان “حزب الله” قد يحاول اختراق الحدود والتوغل في الجليل الأعلى حيث مستعمرات وبلدات يقطنها يهود، فلسطينيون مسلمون مسيحون ودروز. هنا خطورة كبيرة لان الاختراق ان حصل سوف يدفع إسرائيل الى التطرف في حربها مع “حزب الله” الى حدود غير مسبوقة.
نحن إذاً أمام سيناريوات دراماتيكية ما لم تسبق الدبلوماسية الأعمال الحربية. وبقراءة سريعة لنتائج قمة القاهرة للسلام التي عقدت يوم السبت الماضي بدعوة من مصر، نستنتج من حجم الهوة بين المواقف العربية والغربية، فضلاً عن المواقف الإيرانية المزايدة على الموقف العربي انها لن تسمح في الأفق المنظور للدبلوماسية بأن تأخذ مداها لإيقاف الحرب ورفع الأذى الدموي عن اهل غزة. فلغة العنف هي التي ستسود في الأسبوعين المقبلين إلى أن يحقق الإسرائيليون ما يمكن ان يعتبروه إنجازا، او الى ان يفشلوا فيضطروا الى التوقف بفعل الضغوط العالمية التي ستتزايد يوما بعد يوم على خلفية مشاهد الدمار والموت من الناحية، وارتفاع مخاطر الحرب الشاملة في الإقليم.