استبعاد مسؤوليين إسرائيليين أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات على كتيبة “نيتسح يهودا” في الجيش الإسرائيلي قد يُفهم منه أن واشنطن ستكتفي فقط بالتعبير عن امتعاضها من انتهاكات حقوقية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وتحميل إسرائيل مسؤولية مراجعة الحسابات ومراقبة سياستها ضد الفلسطينيين.
وإذا تراجعت واشنطن عن تفعيل القوانين ذات الصلة لفرض عقوبات على تلك الكتيبة، فبذلك تكون قد خضعت عمليا للضغوط السياسية الإسرائيلية والزوبعة الإعلامية التي لم تهدأ لمجرد الكشف عن توجه في الإدارة الأميركية لمعاقبة أفراد “نيتسح يهودا” التابعة للواء كفير في الجيش الإسرائيلي.
وبافتراض أن القانون الأميركي سيُطبق على الكتيبة، فقد يؤدي من دون قصد إلى تضييق الخناق على إسرائيل بسبب الانتقادات الدولية المتنامية، لا سيما من الحلفاء، بشأن الممارسات التي ينتهجها الجيش الإسرائيلي في غزة، فضلا عن اتهامات من منظمات دولية وحقوقية لها بارتكاب إبادة وتطهير عرقي في قطاع غزة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الاحتجاجات العارمة المناوئة لإسرائيل في جامعات أميركية كبرى قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وسجلت قضية “نيتسح يهودا” ضربة معنوية لمؤسسة الجيش الإسرائيلي التي تبذل جهودا مستمرة للنأي بنفسها عن أي احتمال لمواجهة اتهامات وانتقادات دولية لأدائها، وتحاول التأكيد أن جهازها القضائي كفيل بالتعامل مع الجنود الذين يخالفون السياسة العامة.
كما أن الكتيبة ذائعة الصيت وصاحبة السوط المسلط على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة منذ وقت، تشارك في الحرب على غزة وقد تكون محط أنظار المنظمات الدولية والمؤسسات في المرحلة المقبلة خاصة في حال نفذت إسرائيل خططها في اجتياح رفح.
ما هي كتيبة “نيتسح يهودا” وما دورها؟
تأسست “نيتسح يهودا” بشكلها الحالي عام 1999 ضمن مبادرات تشجيع تجنيد الشبان اليهود المتزمتين دينيا أو الحريديم بمباركة عدد محدود من الحاخامات والنشطاء لتكون في بادئ الأمر جزءا من لواء “الناحل الحريدي” قبل أن تتحول إلى لواء “كفير”. وكلمة “نيتسح” هي اختصار لثلاث كلمات عبرية تعني الشباب العسكري الحريدي، والكتيبة هي واحدة من أبرز الكتائب في قوات المشاة الإسرائيلية التي أوكلت إليها، ما يسميها الجيش، مهمات أمنية يومية في الضفة الغربية حيث نشر أفرادها بداية في منطقة الأغوار قبل الانتقال إلى مناطق شمالي الضفة الغربية ومن ثم منطقة رام الله وبعدها الجولان المحتلة.
شهدت الكتيبة مع مرور الوقت انضمام جنود من تيارات مختلفة في الصهيوينة الدينية إليها بما فيها تيارات محسوبة على المستوطنين و”شبيبة التلال” المتطرفة خاصة أن الحريديم ظلوا متمسكين في أغلبيتهم بفكرة عدم الالتحاق بالجيش والتفرغ لدراسة تعاليم التوراة في المعاهد الدينية. وباتت نسبة الحريديم فيها تعادل الخمسين في المئة تقريبا مع اندماج مجموعات منهم في وحدات أخرى أو ألوية قتالية.
وسجلت “نيتسح يهودا” مشاركة فعلية في الحرب على غزة مطلع 2024 كما نقل جنودها إلى المناطق الإسرائيلية الحدودية مع غزة وشاركوا في تدريبات استعدادا لمزيد من التوغلات البرية.
كما شاركت كتيبة “نيتسح يهودا” في كثير من الأحداث والمواجهات في الأراضي الفلسطينية إلى جانب قتل فلسطينيين نفذوا عمليات ضد أهداف إسرائيلية هناك. لكن بعض الأحداث شكلت نقاطا بارزة في مسار الكتيبة والتعامل معها ومن بينها وفاة المسن الفلسطيني عمر أسعد الذي يحمل الجنسية الأميركية في يناير/كانون الثاني 2022 في قرية جلجليا بعد أن تعرض للتفتيش والاحتجاز والتكبيل في بيت مهجور اقتاده جنود من الكتيبة إليه خلال اقتحامهم القرية ليلا. في تلك الحادثة اكتفت النيابة العسكرية بإجراءات تأديبية بحق ضباط وجنود ضالعين في الحادثة من دون تقديم لائحة اتهام ضدهم وبعدها بوقت قصير نقلت الكتيبة إلى الجولان.
شهدت الكتيبة مع مرور الوقت انضمام جنود من تيارات مختلفة في الصهيوينة الدينية إليها بما فيها تيارات محسوبة على المستوطنين و”شبيبة التلال” المتطرفة
وقبلها ببضعة أشهر أظهرت لقطات مصورة مجموعة من الجنود يعتدون على مواطنين فلسطينيين بعد أن طرحوهم أرضا في منطقة قرب رام الله. في تلك الحادثة أيضا خلص التحقيق العسكري إلى إجراءات تأديبية اقتصرت على عزل الجنود من مهماتهم.
وفي سبتمبر/أيلول عام 2022 نشرت بعض وسائل الإعلام في إسرائيل أن الإدارة الأميركية تحقق في أداء كتيبة “نيتسح يهودا” واستجوبت من خلال سفارتها في إسرائيل مجموعة من الناشطين الحقوقيين والمواطنين الفلسطينيين المطلعين على ممارسات الكتيبة. وقد تكون تلك التحقيقات جزءا مما أسس لقرار فرض العقوبات على الكتيبة والتي ستشمل منع تزويدها بمعدات قتالية ووسائل عسكرية أميركية كالبنادق والجيبات العسكرية والخوذ.
لكن هذه المسألة هي أقل ما يقلق الأروقة السياسة والعسكرية في إسرائيل جراء العقوبات، مقابل أنها تعد سابقة في تاريخ تحالف تل أبيب وواشنطن، وقد تفتح المجال أمام المزيد منها على وحدات عسكرية أخرى في حال قررت واشنطن استخدام ذات القوانين الداخلية التي تمنع تزويد أي جهة يثبت انتهاكها حقوق الإنسان بالسلاح. كما قد تشجع أطرافا ودولا على ملاحقة جنود وضباط إسرائيليين من كتيبة “نيتسح يهودا” أو غيرها في محكمة الجنايات الدولية إلى جانب أن خطوة الولايات المتحدة تُقرأ إسرائيليا على أنها تدخّل في استقلالية جهاز القضاء وتطبيق القانون الذي تتذرع به إسرائيل للجم أي محاولة خارجية لمحاكمة جنودها.
تزامن الإعلان عن نية فرض العقوبات على “نيتسح يهودا” مع استمرار فرض عقوبات على مستوطنين ومتشددين إسرائيليين بسبب انتهاك حقوق الفلسطينيين في مناطق بالضفة الغربية المحتلة والمشاركة في اعتداءات عليهم وهو الأمر الذي يدفع للترجيح بأن الولايات المتحدة التي تبدو وكأنها تستخدم سياسة العصا والجزرة مع إسرائيل. اختارت شريحة صغيرة من الإسرائيليين لتعلن مواجهة معها. فبينما تواصل دعمها عموما للحكومة الإسرائيلية والجيش بموازاة الانتقادات التي توجهها هنا وهناك لأداء رئيس الحكومة بشكل خاص، تشدد انتقادها وسياساتها حيال الجناح المتطرف في تلك الحكومة مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي ايتمار بن غفير وشخصيات محسوبة عليهما وصولا إلى كتيبة عسكرية تشارك فيها مجموعات مؤيدة لهما. وهو الأمر الذي يبقي محلا للشكوك بشأن مدى جدية تأثير الخطوة الأميركية في الرقابة التي سيفرضها الجيش الإسرائيلي على قواته.