في أكثر الأوقات ملاءمةً وضرورة، تمكّنت الشراكة السعودية الفرنسية وامتداداتها الإقليمية والدولية من توفير شبكة أمانٍ لإبقاء مشروع الدولة الفلسطينية قائماً وقابلاً لمواصلة الحياة، بعدما كادت حرب الإبادة على غزّة، المترافقة مع حرب أقلّ صخباً على الضفّة، تبدّد آمال الفلسطينيّين بقيام دولتهم.
توافرت شبكة الأمان الدولية بفعل ازدياد الدول المعترفة واقعيّاً بالدولة الفلسطينية، والمتّجهة إلى الاعتراف الرسمي من الآن حتّى أيلول المقبل، وميزة هذه الدول أنّها بمعظمها حاضنة للدولة العبريّة، حتّى إنّها داعمة لعدوانها وتوسّعها وإدامة احتلالها، فأعطى تبدّل مواقفها قوّة تأثيرٍ في تأسيس معادلةٍ شرق أوسطيّة مختلفة يحلّ فيها قيام الدولة الفلسطينية في مكانة مركزيّة لا يمكن تجاوزها.
المعوِّق الأميركيّ
شبكة الأمان الدولية قيد التبلور والاتّساع، وقد تمكّنت من تحقيق ما كان يبدو مستحيلاً في السابق، وهو عزلة أميركا عن الاتّجاه الدولي المتعاظم، إذ بقيت وحدها مَن لا تزال تنكر حقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وما تزال تسعى إلى توسيع دائرة التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل، دون ربط هذه المسألة بشرط قيام الدولة الفلسطينية، وهو ما يُظهر أنّ التطبيع عمل غير منطقي، فما معنى التطبيع مع أذربيجان مثلاً، وما هو أثره في استقرار المنطقة دون نزع صاعق التفجير الأساسي فيها، وهو بقاء القضيّة الفلسطينية بلا حلّ.
بالمقابل أثارت شبكة الأمان الدولية، التي تبلورت بصورةٍ أكبر بكثير ممّا كان متوقّعاً، على نحو مبكر سؤالاً جوهريّاً ماذا بعد؟
شبكة الأمان
لا جدال في أنّ مشروع الدولة استمدّ مقوّمات حياةٍ أكثر بكثير من كلّ ما توافر قبل مؤتمر نيويورك وتسونامي الاعتراف، غير أنّ ذلك لا يعني تلقائيّة التقدّم نحو قيام الدولة الفلسطينية كما لو أنّها تحصيل حاصل أو أمرٌ مفروغٌ منه، وذلك بسبب المعوّقات القائمة والتي يمكن أن تقوم في سياق معركة إسرائيل الشرسة لمنع قيامها، وإسرائيل في هذه المعركة ليست وحدها ما دامت أميركا تتماهى معها في رفض قيام الدولة الفلسطينية.
شبكة الأمان الفلسطينية هي حجر الأساس لتنفيذ مشروع الدولة، والعالم كلّه ينتظر ولادتها وفاعليّتها، وهو جاهزٌ لدعمها وتوفير كلّ إمكانات نجاحها
لا بدّ أن يوضع في الاعتبار المعوّق الأميركي كي يتوجّه الجهد العربي والإسلامي والأوروبي إلى معالجته بالطرق التي يفهمها الرئيس ترامب، صاحب القرار الأوّل والأخير في سياسات وقرارات الدولة العظمى، خاصّةً أنّ جميع الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية وستعترف إمّا حليفٌ لأميركا أو صديق، إضافة إلى أنّها جميعاً وضعت في صلب مواقفها الجديدة مصالح إسرائيل السياسية والأمنيّة.
شبكة أمان فلسطينيّة
المعوِّق الأميركي، الذي هو في أساسه إسرائيلي أيضاً، يحتاج كي يعالَج بصورةٍ فعّالة إلى سياسةٍ منسّقةٍ في طليعتها السعودي والفرنسي، لِما لكلٍّ منهما من بعدٍ وعمقٍ عربيَّين إسلاميَّين أوروبيَّين، ولِما تملك أطراف هذه المجموعة من أوراق مساومةٍ فعّالةٍ تنفع في التعامل مع أكبر مقاول في العصر هو الرئيس دونالد ترامب.
بعد الاعترافات الثمينة بالدولة الفلسطينية، وبعد توافر شبكة الأمان التي تحول دون نجاح إسرائيل في إلغاء إمكانات قيامها، تظهر بإلحاح الحاجة إلى شبكة أمان فلسطينية، وهذه مسؤولية الفلسطينيّين أوّلاً، مع الوضع في الاعتبار أنّ لشبكة الأمان الدولية، بما فيها العربية والإسلامية، اشتراطاتٍ يتعيّن على الفلسطينيين، وتحديداً ممثّليهم المعترف بهم، الوفاء بها، دون أعذارٍ وتهرّب، ويمكن اختزالها بعناوين عامّة، أهمّها وأكثرها إلحاحاً ترتيب بيتهم الداخلي الذي ما يزال مشتّتاً ومنقسماً، وهذا الوضع إن لم يعالج على المدى المنظور بما يقنع الفلسطينيين أوّلاً وداعميهم أخيراً فسوف يكون الثغرة الخطرة التي تهرّب كلّ الإنجازات لتعيد اللعبة إلى ما دون الصفر، وهذا ما كان يحدث دائماً حين تفشل صيغة حلّ لأيّ سببٍ كان.
شبكة الأمان الفلسطينية هي حجر الأساس لتنفيذ مشروع الدولة، والعالم كلّه ينتظر ولادتها وفاعليّتها، وهو جاهزٌ لدعمها وتوفير كلّ إمكانات نجاحها.