المساعدات لمنكوبي سوريا لا تصل إلى الجميع… من المتورّط؟ المصدر: النهار العربي دمشق-طارق علي
شاحنات المساعدات لمنكوبي الزلزال
أكثر من شهر مرّ على الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا فجر السادس من شباط (فبراير) الفائت، ولا تزال تداعياته مستمرةً، ليبرز حالياً السؤال: هل كانت الحكومة على قدر المسؤولية وتمكنت من استيعاب الصدمة وتجاوزها؟
لم تخف الحكومة حجم الكارثة، بيد أنّها ركزت على “شراسة” الحصار على سوريا، و”الذي أفضى الى نقص هائل في المعدات التي كان وجودها سيلعب دوراً حاسماً في الإنقاذ على الأقل”.
وعلى مستوى الحكومة وهبوطاً في سلم السلطة التنفيذية وصولاً الى مجالس المدن، كان الجميع يوماً بعد آخر يبدون أكثر ارتياحاً بعدما تتالت المساعدات الإغاثية العربية والدولية بما هو أكثر من متوقع، حتى باتت التصريحات الرسمية تحمل تطمينات حول الوضع، ما أثار سخطاً أكثر من مرة باعتبار أنّ مدناً منكوبةً لا يمكن علاج آلامها بتصريحات لا تتماشى مع جهد غير مسبوق على الأرض.
وأصحاب هذا الألم يدعمون فكرتهم عبر السؤال عن كيفية تبرير وجود أناس منكوبين لم يحصلوا على مساعدات بعد، فأين ذهبت آلاف أطنان المساعدات العربية والدولية التي لا تزال تصل حتى الآن؟
ومن جهة ثانية، يجدر التساؤل عن جدوى تحميل السلطة التنفيذية المسؤولية كاملة ولوم الحكومة إلى الحد الذي فيه يقال إنها بدت مكبلة وغير متمكنة من معالجة الحال، وهي محكومة بحزم متعددة من العقوبات الغربية.
وبين هذين الرأيين لا يريد الشارع أن يدخل في تفاصيل تبدو أكبر من همومه المعيشية، في ظل بحثه عن أدنى حقوقه المنطقية في الإعانة العادلة التي لا تقف في وجهها قضايا سياسية شائكة، ما لم يكن سوء التنسيق والفساد هما ضلعا أزمة مركبة أفضت بالناس الى الخيام والجوع بعد خسارة أرواحهم وأرزاقهم ومنازلهم.
في وثائقي أعدته قناة “بي بي سي” البريطانية أخيراً ذكرت نقلاً عن الأمم المتحدة أن 11 مليون سوري تضرروا بشكل مباشر من الزلزال، وهناك أساساً 4 ملايين سوري يعيشون على المساعدات الأممية، وبهذه الأرقام سيكون هناك ما يدعو الى قرع جرس الإنذار.
وليكون الحديث على قدر من الدقة والشمولية والوقوف على الحال الميداني الواقعي على الأرض، التقى “النهار العربي” عدداً من رؤساء الجمعيات والمبادرات الإنسانية التي هبت للمساعدة.
“مبادرة أحمد”
“مبادرة أحمد الإنسانية” هو اسم لمبادرة طبية ضخمة تنشط في سوريا منذ ما قبل الزلزال ويرأسها الطبيب أحمد محمد، وقد عنيت بإجراء آلاف العمليات الطبية المجانية أو شبه المجانية للمحتاجين في سوريا خلال السنوات الماضية.
يصف الطبيب محمد استجابة المجتمع المحلي والدولي بالرائعة، مؤكداً عدم وجود شخص في سوريا لم يساهم بالتبرع ولو بأقل الإمكانات، فأحياناً كان هناك من يتبرع بربطة خبز، مشيراً الى أنّ الحالة الإنسانية طغت.
يشرح الطبيب عمل فريقه خلال الكارثة: “عملنا انقسم الى قسمين: الأول هو الشق الأساسي الطبي وتقديم الاستجابة الفورية للمرضى وهو صلب اختصاصنا وتوجهنا الفردي كمبادرة، والقسم الآخر هو الحالة الطارئة التي كانت عبارة عن المساعدات الإغاثية والعينية كاللباس والشراب والطعام والأدوية للناس المتضررين، ورغم ذلك نحن ندرك أنّها ليست كافية على الإطلاق، فالكارثة كبيرة جداً ومواجهتها تحتاج الى تعاون دولي”.
الطبيب الذي يثمن جهود المنظمات والمبادرات والجمعيات التي عملت على دمل جراح المنكوبين لا ينسى أن يشير الى أنّ عمله ذلك ورغم أهميته في المساهمة بالحالة الإسعافية، لكنه غير كاف على المدى البعيد، بمعنى القدرة على الاستمرارية.
ويوضح: “بالنسبة إلى المساعدات وصلت كميات كبيرة من الداخل والخارج، ومن الممكن أنّ هناك مناطق لم تصلها مساعدات، وليس لديّ إثبات أو نفي في هذا الشأن، فأنا لم أزر كل المتضررين، لكنّ الموضوع وارد بشكل أو آخر، وعملياً الآن الأمور تنتظم أكثر ولن يبقى أحد من دون مساعدة والكل سيصل الى نقطة فيها سكن بديل له ولعائلته، وستصله المساعدات إن لم يكن في المرحلة الحالية رغم أهميتها، فلربما في المراحل المقبلة”.
“جمعية نور”
محمد جلبوط، رئيس مجلس إدارة “جمعية نور” للإغاثة والتنمية العاملة في سوريا خلال سنوات الحرب والتي برزت أكثر في واقع استجابتها للزلزال المدمر، قال لـ”النهار العربي” إنّ الاستجابة الأولية كانت بالتعاون مع “جمعية الشباب الخيرية” ومحافظة دمشق،حيث تم توزيع سلال غذائية مباشرة وفرشات وحرامات وحليب أطفال على مراكز الإيواء.
ويضيف: “انقسم عمل الجمعية على الأرض الى ثلاثة محاور رئيسية، الطبي وكان عبارة عن عيادات متنقلة في كل من جبلة وحلب تعمل 24 ساعة فيها عيادات نسائية وأطفال وداخلية إضافة الى صيدلية توزع الأدوية، والمحور الثاني هو الإغاثي الذي كان عبارة عن سلال غذائية متنوعة من معلبات ورز وسكر وغيرها وزعناها على مراكز الإيواء المعتمدة وأيضاً على مستحقيها، وأطلقنا منصة الكترونية يسجل فيها المتضررون ونحن نوصل المساعدات للناس الذين كانوا عند أقاربهم مثلاً”.
أما المحور الثالث فكان الدعم النفسي، عبر تقديم جلسات دعم نفسي للنساء والأطفال في مراكز الإيواء.
يوضح جلبوط، وهو ما يتفق معه عليه معظم العاملين في الجمعيات الإغاثية المحلية، أنّ الأيام الأولى كانت تشوبها الفوضى وعدم التركيز، ولكن كان الهدف هو الوصول الى أكبر عدد ممكن من المتضررين.
ويفيد في الإطار أنّ العقوبات على سوريا عقدت العمل على مستويات أبسطها صعوبة تأمين الوقود للآليات العاملة وسواه من المستلزمات.
سوء تنسيق أم تآمر؟
وفي الإطار لا يمكن اتهام الجمعيات الأهلية بالتقصير في أداء مهمات بدت أكبر بكثير مما كان متوقعاً في أسوأ السيناريوات، فالبلد ذو البنى التحتية المدمرة أساساً، وجد نفسه أمام مئات آلاف المشردين من جديد. مشردو الزلزال لا الحرب هذه المرة.
وفي إطار ما رصده “النهار العربي” في هذا السياق فإن الكثير من الأسر والأفراد لم يصلهم حتى اليوم أي شكل من الإغاثة على أي صعيد أو مستوى، هذا عدا عن الحديث عن ملف تأمين السكن البديل الذي لا يزال “مبهماً”.
فإذا كانت الأمم المتحدة قد أوضحت في ميثاقها عن حاجتها لوقت يراوح ما بين 12 إلى 48 ساعة لتنسيق المساعدات في الكوارث التي تتعرض لها أي دولة، فهذا ما يحيلنا إلى الانتقال الى الدور الحكومي العام المطابق في دراسة تداعيات الكارثة وتنسيقها التي يبدو أنّها عجزت عن تنسيق كل جوانبها.
وفي المقابل لم تشرح حكومة دمشق حتى الآن آلية توزيع تلك المساعدات بشفافية مطلقة، رغم احتمال امتلاكها مبررات تتعلق بصرف المواد الإغاثية، ولكن الصمت لا يزال مخيماً على الملف، وحتى تبيان القصة الكاملة، بمعنى هل كانت تلك المساعدات كافية أساساً؟ أم غير كافية؟ هل تحتاج سوريا المزيد، وهذا مستبعد؟ وحتى ذلك الحين، وفق ما رصدناه، ثمة أناس يفترشون الحدائق حالمين بسقف جديد يستظلون به، وبوجبة غذاء في اليوم، وإن كانت وجبة واحدة فحسب.