
من تكون سيدة سوريا الأولى لطيفة الدروبي؟ السؤال تجيب عنه الطبيبة السورية ريم البزم التي التقت ضمن الوفد النسائي السوري الأميركي رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع بحضور زوجته.
من تكون سيدة سوريا الأولى لطيفة الدروبي؟ سؤال يأخذ في محركات البحث الى اسم الطبيبة السورية المغتربة ريم البزم، منذ أطلت إعلامياً لتحكي عن لقاء جمعها ضمن الوفد النسائي السوري الأميركي برئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وزوجته ووزير الخارجية السورية في حكومة تصريف الاعمال أسعد الشيباني.
“النهار” تواصلت مع طبيبة القلب العائدة الى سوريا برفقة مغتربات، ضمن مهمة أخذها على عاتقه “التحالف الأميركي – السوري للسلام والازدهار”، بغرض المساهمة في رفع العقوبات عن البلد القابع تحت خط الفقر. فماذا تقول عن لقائها السيدة الأولى، وماذا أخبر الشرع الوفد النسائي، وأية أوراق بصدد تسليمها الى الكونغرس الأميركي؟
“كيف وجدت سيدة سوريا الأولى؟”، سؤال تجيب عنه الناشطة التي نجحت عام 2018 بإقناع الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب، بتأمين الحماية لمدينة إدلب التي كانت محاصرة من فصائل موالية لإيران وقوات روسية، منطلقة من ثوابت المجتمع السوري: ” تشبه نساء الشام. لطيفة، هادئة، جميلة، غير منقبة، واثقة ومثقفة، وقد قدمها إلينا الرئيس بالكلمات الآتية: زوجتي الوحيدة وأحبها كثيراً”.
تربط الطبيبة المغتربة رقي تقديم الشرع لزوجته الى الوفد الذي ضم نساء سوريات من أوروبا وأميركا، بموروث التقاليد السورية التي لا تشبه ما قدمته السينما عن “الزوجة التابعة والتي تقول على الدوام أمرك ابن عمي”، فالحقيقة أنه: “كل من اختبر العيش في سوريا يعرف أن المرأة عماد أسرتها: تخطط وتربي وتنظم النفقات وتثابر لتفوز بدرجات علمية رفيعة”. تبتسم جراحة القلب ممازحة: “عندنا في سوريا الرجل يسمع كلام زوجته”.
في سن العشرين غادرت ريم سوريا لدراسة الطب من دون أن تهمل واجباتها حيال وطنها. ناصرت ابنة الشام الثورة، فأدرج اسمها في فرع فلسطين والمخابرات الجوية والمعلوماتية، لتمنع بعدها من زيارة عائلتها. وتأتي زيارتها الأولى بعد سقوط نظام الاسد أول من أمس، ضمن المساعي الخاصة التي يقوم بها التحالف النسائي لرفع العقوبات الأميركية عن سوريا، موضحة: “من المسلّم به أن الإدارة الأميركية تعنيها المصلحة القومية بالدرجة الأولى. فكان لابد من أن ننطلق من فكرة أعمق من مجرد توجيه رسالة من بلد نام الى الرئاسة الاميركية التي لديها ما يكفي من مشاغل واهتمامات حول العالم. وهكذا خططنا للزيارة التي ستكون موثقة بأفلام فيديو تنقل بواسطة “درون” حجم الدمار في البلاد. ومن خلال الفيديو الذي نتوجه به الى الكونغرس الأميركي، ننطلق من فكرة أنه إذا كان الرئيس ترامب يريد عودة المهاجرين الى بلادهم، وبالتالي استقرار الشرق الوسط، فعليه أن يرفع العقوبات عن سوريا التي تعيش تحت خط الفقر من أجل البدء بإعادة الإعمار، وبالتالي عدم تشكل جيل متطرف قد ينشأ نتيجة ظروف العيش المعدومة في مخيمات تفتقر الى أدنى المقومات”.
وخلال جولات الوفد الذي يضم نساء يمثلن مختلف الطوائف السورية، كانت الصدمة كبيرة بعد زيارة حي جوبر الدمشقي الذي دمره نظام الأسد، مرغِماً نحو 300 ألف شخص على المغادرة، بعضهم إلى بلدان اللجوء أو إلى مخيمات تفتقد أدنى مقومات العيش، علماً أن حي جوبر يقع على بعد 5 أميال عن العاصمة السورية. وقد وثق الوفد التجارب المرّة للسوريين: “لم يتوقف النظام المخلوع عند تدمير الحي الدمشقي الجميل، بل أنه كلف جهات جمع خردة الحديد والتربح من خلال بيعها لمصلحة المسؤولين”.
تضيف الدكتورة ريم: “وثقنا بالصورة الرعب الذي خلفه سجن صيدنايا في النفوس، وقصدنا الكنائس لنعرف من رجال الدين ما أولوياتهم في ظل الادارة الجديدة، وكذلك الحال ذهبنا الى الساحل السوري، وجاءت المطالب متشابهة: رفع العقوبات لعودة كل مواطن سوري الى بلدته ومحافظته والدخول في مرحلة إعادة الاعمار”.
وعلى رغم وجع الداخل السوري، في ظل مشاهد الدمار والفقر والافتقار الى الكهرباء وغيرها، تشدد ريم على أهمية التكاتف المجتمعي وعدم تغييب أي طائفة من أجل الانطلاق بسلام بعيداً عن الضغائن في رحلة البناء التي ستكون حتما مضنية، تقول: “الحفاوة التي استقبل بها الوفد في المطار من رجال الأمن عززت لديّ الاحساس بالحرية والكرامة اللذين افتقدتهما في السابق”، لافتة الى أنه “صودف وصول وفد من رجال الاعمال الى سوريا بالتزامن مع وصولهن. الوفدان استقبلا بحفاوة، لكن الوفد الأول نقل في حافلات سياحية الى الفندق، في حين حرص الرئيس الشرع على نقل المشاركات ضمن الوفد النسائي بواسطة سيارات القصر الجمهوري وهذه مبادرة خير لجهة تكريم المرأة”.
تضيف: “نعرف أنه من أجل رفع العقوبات عن بلدنا يجب تحقيق الآتي: “حقوق المرأة، حقوق الأقليات، محاربة الارهاب و التأكد من عدم وجود مخاطر ناجمة عن أسلحة كيميائية”. وفي هذا السياق، رأى الشرع خلال لقائه الوفد أن لا مبرر للاستمرار في العقوبات كونها فرضت في ظل النظام البائد، مؤكداً على الكفاءة في التعيينات المقبلة من دون التفرقة على الهوية: “نحن بلد فيه من مختلف الطوائف التي تعايشت مع بعضها مدى 1400 عام، ومنا أخذ الغرب معنى المواطنة. لا أحبذ استخدام مصطلح الاقليات لأنه يساهم في التفرقة والمطلوب منا في الآتي من الأيام مزيد من التلاحم بغرض ردم الخنادق ومخلفات الحرب التي أتت على اقتصاد البلد”
تأمل الطبيبة ريم أن يحمل الوفد ما يكفي من أدلة لإقناع الكونغرس الأميركي برفع العقوبات عن سوريا، البلد الذي تخبئ منه في ذكرياتها تجارب حلوة ومرة تدّخرها لأيام اغترابها. فهل تفكر في العودة؟ تجيب: “أصنف نفسي ناشطة ولا علاقة لي بالشأن السياسي كوني مرتبطة عاطفياً بمرضى القلب الذين أشرف على وضعهم الصحي في نيوجرسي وغيرها من الولايات. لا يمنع كوني طبيبة أن أوظف علاقاتي لما فيه خير البلد، ولست وحدي أناضل في الميدان، إذ ترافقنا سيدة أصرت على مرافقتنا على رغم تزامن الزيارة مع حفل زفاف ابنتها. وهناك سيدة اضطرت الى أن “تفطم” ابنها الصغير. الوطن غال على قلوبنا، ولأجله تركنا عائلاتنا وأشغالنا لمهمة سامية من شأنها أن تنقذ بلداً بحاله من الفقر والبرد والجوع”.
وإذ تأمل تجاوب الكونغرس الأميركي مع مطالب الوفد النسائي، والتي ستكون مرفقة بأدلة ميدانية، تبني على خير الآتي من مرحلة يستتبعها الوفد النسائي بمؤتمر ضخم في الولايات المتحدة لمناصرة سوريا.