–
تشير حالة الاستقطاب الحاد التي أفرزتها أحداث محافظة السويداء منتصف الشهر الحالي، وما تبعها من تداعيات، إلى وجوب التوصل إلى حل سياسي يعيد الاستقرار للمحافظة، وينهي حالة الصراع المسلح التي تودي بالسويداء نحو اتجاهات خطيرة ليس أقلها تدويل قضيتها، والذهاب نحو صراعات طائفية، يساهم في تأجيجها أداء غير متوازن من طرف الحكومة، تقابله مطالب متطرفة من أصوات داخل المحافظة وصلت إلى حد طلب الحماية من إسرائيل. ولم تعتمد الحكومة السورية عقلية الدولة في التعاطي مع السويداء، إذ سمحت لمسلحي العشائر بالتوجه نحو السويداء نصرة لعشائر البدو من أبناء المحافظة الذين ارتكبت فصائل ما يعرف باسم “المجلس العسكري” انتهاكات بحقهم، متخذة دور الطرف المناصر لفئة ضد أخرى من السوريين، الأمر الذي أفقدها دورها دولةً، وساهم بإفساح المجال لتدخل الاحتلال الاسرائيلي بذريعة الدفاع عن الطائفة الدرزية. كذلك إن غياب الشفافية في مسألة التفاوض مع الجانب الإسرائيلي وعدم الإفصاح عما جرى التوافق عليه ساهما في فقدان الثقة وترك الأمر للتكهنات.
في الجانب الآخر، ذكرت وكالة الأناضول التركية، نقلاً عن مسؤول سوري لم تسمه، أن الشيخ حكمت الهجري، طلب عبر إسرائيل فتح معبر لمحافظة السويداء مع الأردن، وطالب بإقامة كانتون مستقل في السويداء محمي من إسرائيل. وتزامن نشر هذه الأخبار مع خروج مجموعات من مؤيدي الهجري بتظاهرة تطلب حماية من إسرائيل وتشكر رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، وظهر عدد من الاشخاص يحملون العلم الإسرائيلي ويجوبون به شوارع السويداء.
تطورات أزمة السويداء
وفي جديد التطورات في السويداء، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا، في تصريحات أمس، إن “مزاعم حصار محافظة السويداء من قِبل الحكومة السورية محض كذب وتضليل”، موضحاً أن الحكومة “فتحت ممرات إنسانية لإدخال المساعدات لأهلنا المدنيين داخل المحافظة بالتعاون مع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية”. وأوضح أن الممرات فُتحت لـ”تسهيل الخروج المؤقت لمن شاء منهم خارج مناطق سيطرة المجموعات الخارجة عن القانون”. في المقابل، قال رئيس غرفة تجارة وصناعة السويداء أبو عدي نبيه بكري في تصريح لشبكة محلية إن المحافظة “محاصرة بكل شيء”، وما يدخل من مساعدات “ضئيل جداً”. كذلك قالت المحامية ديانا مقلد الموجودة في مدينة السويداء لـ”العربي الجديد”، إن الوضع الأمني مستقر في المدينة، حيث لم تعد تسمع أصوات إطلاق نار، أما في الريفين الغربي والشمالي من المحافظة، فما زالت تنتشر مجموعات من قوات العشائر. وأضافت أن المدينة تخضع للحصار، حيث لا يوجد بنزين ولا أدوية ولا أي نوع من الخدمات برغم دخول بعض قوافل المساعدات.
محمد صبرا: لتشكيل لجنة تحقيق عليا ذات ولاية وقادرة على المحاسبة للتحقيق في كل ما حدث، وإعلان مسؤوليات الأطراف
وعن أزمة السويداء، رأى المحلل السياسي والحقوقي محمد صبرا، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه لا يمكن التفكير في حل من دون تفكيك المشكلة وإعادتها إلى حجمها الطبيعي، مشيراً إلى أن الخطوة الأولى في هذا الصدد، أن تتوقف كل حملات التحريض والتجييش والتخوين من كل الأطراف، بالإضافة إلى ضرورة تشكيل لجنة تحقيق عليا ذات ولاية وقادرة على المحاسبة للتحقيق في كل ما حدث، وإعلان مسؤوليات الأطراف. وأضاف: بعد ذلك علينا أن نحدد ما هي الطلبات التي يتبناها الفاعلون في الصراع في هذه الأزمة، ومحاولة الوصول إلى مقاربة تلبي هذه الطلبات من دون الانزلاق إلى اعتبار الحكومة طرفاً مقابل طرف آخر يمثله حكمت الهجري أو “المجلس العسكري”، وهذا خطأ ارتكبته الحكومة منذ البداية عندما وضعت نفسها طرفاً مقابلاً لطرف محلي في السويداء.
ورأى صبرا أن الحكومة من وجهة نظرها تريد بسط سلطات الدولة على كامل التراب السوري، ومنها محافظة السويداء، وهذا بحد ذاته مطلب حق، لكن الوصول إليه لا يكون عبر العنف ولا عبر استرضاء الطرف المحلي للقبول بهذه السلطة. واقترح لحل هذه الإشكالية أن تعود السلطة إلى المبدأ القانوني البسيط، وهو انتخابات الإدارة المحلية، موضحاً أن هذا ليس حلاً في السويداء وحسب، بل يمكن تطبيقه في كل المحافظات السورية على مراحل تنتهي في نهاية العام، أي في نهاية السنة الأولى من المرحلة الانتقالية. وشدد صبرا على أن بناء مجالس محلية منتخبة في هذه الظروف بات أكثر من ضرورة، لأنه عملياً يعيد النقاش والصراع إلى حيز السياسة والقانونية، ويسحب الذرائع من كل الأطراف المغامرة، سواء الداخلية أو الخارجية، وما حدث في السويداء وقبلها في الساحل يثبت أن إشراك المجتمع المحلي في قيادة المرحلة الانتقالية وتوجيهها، هو الضامن حقيقة لسير هذه المرحلة وفق الأسس الصحيحة المنتجة.
أهداف إسرائيل
من جهته، رأى المحلل السياسي فراس رضوان ببيلي، أن ما تريده إسرائيل من أحداث السويداء، عدة أمور، أبرزها إيجاد شخصية درزية خاصة بها تستطيع من خلالها أن تشق صف القيادات الدرزية في سورية ولبنان، ومن الواضح أن حكمت الهجري يتماشى مع هذا السياق. وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد” أن إسرائيل تسعى لأن تكون جزءاً من سورية القادمة وأن يكون لها أحزاب وأجسام سياسية في داخل المكون السوري يساعدها في التفاوض. وأشار إلى أن إسرائيل تستفيد من أحداث السويداء في المفاوضات التي تجريها حالياً مع القيادة السورية وتضع المسدس على الطاولة.
أدهم القاق: لا الجغرافيا ولا التاريخ ولا الاقتصاد ولا الحياة الاجتماعية ولا السياسية تسمح بأن تأخذ السويداء أي قدر من الاستقلال عن الدولة السورية
أما الباحث السياسي أدهم مسعود القاق، فقال في حديث لـ”العربي الجديد”، إن قرابة نصف السوريين الدروز يقيمون في ريف دمشق بين جرمانا والأشرفية وصحنايا، وبالتالي لا يجوز أن يقامر الهجري أو غيره على قضية السوريين الدروز الذين يتعايشون مع غيرهم من الطوائف السورية. وأكد القاق أنه لا الجغرافيا ولا التاريخ ولا الاقتصاد ولا الحياة الاجتماعية ولا السياسية تسمح بأن تأخذ السويداء أي قدر من الاستقلال عن الدولة السورية. وأكد أن وهم إنشاء دولة درزية أو حتى كانتون أو إدارة ذاتية للدروز في سورية التي يفكر فيها الهجري لا يمكن أن يتحقق، مضيفاً أن هدف إسرائيل من استغلال أحداث السويداء والتدخل، إضعاف الدولة السورية الناشئة وعرقلة مسارها. وانتقد القاق إرسال الحكومة السورية العشائر والفزعات والتغاضي عن أعمالها الخارجة عن القانون، ولا سيما حرق القرى والمنازل والممتلكات التابعة للسكان الدروز. وأكد أن على الدولة حالياً أن تفتح باب المساعدات الإنسانية وجبر الضرر لأهالي السويداء وتعويضهم والبدء بإنعاش السويداء وفتح حوار وطني شامل.