ملخص
في إطار محادثات الأوروبيين تطرح إيران شروطاً أخرى لقبول الأوروبية منها وهي رفع العقوبات قبل تعاونها مع الوكالة وعدم زيارة المنشآت المدمرة، بل زيارة محطة بوشهر للطاقة ومفاعل طهران للأبحاث والمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، بل تتصاعد أصوات داخل إيران تطالب كذلك بربط هذه المسألة باعتذار “الترويكا” الأوروبية والولايات المتحدة من الهجمات على المنشآت النووية ودفع التعويضات.
مجدداً عاد الضوء لملف النووي الإيراني من قبل الغائبين الأوروبيين وموقف روسي داعم لطهران بعد خذلان حرب الـ12 يوماً، وفي ما بين عودة الدورين بقوة حديثاً تظهر أسئلة أخرى تبحث عن إجابات ضمن مفاوضات منتظرة لا يظهر من قمة الجبل فيها إلا الملف النووي الإيراني.
وفي إطار الجدل حول الملف النووي الإيراني وعودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتهديد إيران بإمكان تعرضها لضربات مرة أخرى، جاءت تصريحات روسية مساندة للموقف الإيراني. ويأتي ذلك بعد إثارة جدل داخل إيران حول الموقف الروسي غير الداعم لطهران خلال حرب الـ12 يوماً بين إيران وإسرائيل، سواء على مستوى الدعم السياسي وجهود إيقاف الحرب أو حتى التسليح العسكري الذي كانت تقدمه روسيا لإيران وتقييم مدى فاعليته في دعم منظومة الدفاع الجوي الإيراني الذي ثبت ضعفه وفشله في مواجهة الضربات الإسرائيلية.
ولأن العلاقات الإيرانية- الروسية توصف بأنها نمط علاقة “الأعدقاء”، يبدو أن التصريحات الروسية الأخيرة تصب في هذا الاتجاه وليس على طهران إلا أن تستفيد من موقف موسكو الحالي انطلاقاً من واقعية براغماتية وليس من قناعة بأن روسيا حليف وشريك استراتيجي لإيران.
فقد أكدت روسيا أن موقفها ثابت تجاه إيران بالنسبة إلى حقها في امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية ورفض الشرط الأميركي الخاص بفرض التخصيب الصفري، واعتبرت موسكو أن الشرط مجحف وغير موجود في معاهدة حظر الانتشار النووي التي وضعت بصورة مشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عامي 1967 و1968، ولا توجد قيود على التخصيب وإعادة المعالجة فيها، لكن يجب أن تبقى جميع الأنشطة النووية تحت إشراف الوكالة وفي إطار الاستخدامات السلمية، فضلاً عن تأكيد روسيا رفضها التهديدات الأميركية والإسرائيلية.
وأشارت موسكو إلى أن مسألة تخصيب اليورانيوم في إيران حُسمت بالفعل في خطة العمل الشاملة المشتركة التي نصت على أن طهران قادرة على تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 3.67 في المئة، وهي النسبة اللازمة لبرنامج سلمي، وأن احتياطات اليورانيوم المخصب في البلاد يجب ألا تتجاوز 300 كيلوغرام وأن يصدر فائضها إلى الخارج، وتولّت روسيا حفظ المخزون الزائد.
الموقف الروسي أخيراً والناقد لموقف واشنطن وتل أبيب يعد داعماً لطهران، لكنه في الوقت نفسه يعكس حقيقة توظيف موسكو للملف الإيراني بصورة عامة كإحدى أوراق المساومة مع واشنطن، فتوتر العلاقات بين روسيا وأميركا وتهديد ترمب ومنحها مهلة لوقف الحرب على أوكرانيا والتهديد بفرض رسوم جمركية عليها، دفع موسكو إلى الاصطفاف إلى جانب طهران في الملف النووي، ولا سيما أن جميع الأطراف تعي رغبة ترمب في إنجاز اتفاق مع إيران.
ويتناقض الموقف الروسي مع تقاعس موسكو عن دعم إيران خلال الحرب وتضاؤل فاعلية أنظمة الدفاع الجوي الروسي التي حصلت عليها إيران وموقف روسيا تجاه مسألة التخصيب الصفري من قبل، فقد سبق وخرجت تقارير إخبارية تتحدث عن تأكيد روسيا لمبدأ التخصيب الصفري في أى اتفاق مع إيران.
ولا ترغب روسيا في اتفاق بين إيران والقوى الغربية وإنهاء عزلة طهران، إذ استفادت من هذا الوضع، وفي الوقت نفسه أتاح رفض إيران التحدث مباشرة مع الولايات المتحدة فرصاً لروسيا لتوظيف الورقة النووية.
من جهة أخرى، تصدر الطرف الأوروبي المشهد المتعلق بالنووي الإيراني بعد تجاهل دور الأوروبيين منذ مجيء ترمب وعقد خمس جولات من المحادثات بين طهران وواشنطن، وهنا التساؤل حول طبيعة الدور الأوروبي وقدرته على حل الخلالفات بين إيران وواشنطن أو الإسهام في التوصل إلى اتفاق نووي.
وتعد آلية “سناب باك” المدخل الباقي لأوروبا للمشاركة في ملف النووي الإيراني، فالأوروبيون هم من يمكنهم تقديم عرض لطهران بتأجيل تفعيل الآلية، لكن ضمن شروط محددة هي أن تظهر إيران تفاعلاً دبلوماسياً جاداً والعودة للمحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة وتتعاون بالكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأن تعالج المخاوف حول مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة عالية وعودة المفتشين الدوليين.
تأثير الهجمات الإسرائيلية في إيران
وفي إطار ما سبق، تعي إيران أن مصير آلية “سناب باك” أو “آلية الزناد” يعتمد على موقف الولايات المتحدة، ولن يتصرف الأوروبيون ضد رغبات واشنطن.
وفي إطار محادثات الأوروبيين، تطرح إيران شروطاً أخرى لقبول الشروط الأوروبية وهي رفع العقوبات قبل تعاونها مع الوكالة وعدم زيارة المنشآت المدمرة، بل زيارة محطة بوشهر للطاقة ومفاعل طهران للأبحاث والمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، بل تتصاعد أصوات داخل إيران تطالب كذلك بربط هذه المسألة باعتذار “الترويكا” الأوروبية والولايات المتحدة من الهجمات على المنشآت النووية ودفع التعويضات.
لذا تعي إيران ضعف الموقف الأوروبي لأن الأوروبيين لا يمكنهم تحديد إمكان استئناف محادثات إيرانية- أميركية من عدمه، فالأمر يعود لواشنطن، ومن ثم التصريحات الأميركية هي المعيار، والأمر الآخر حتى لو مددت “الترويكا” الأوروبية تفعيل آلية “سناب باك” ستة أشهر أخرى كمهلة لإيران وبعدها أُقرّ رفع العقوبات الأممية، فهناك الـ”فيتو” الأميركي ينتظر قرار رفع العقوبات، لذلك تعد واشنطن هي الطرف الأساس في المعادلة لدى الإيرانيين.
لذا فإن نجاح أو فشل المحادثات بين إيران والـ”ترويكا” الأوروبية ليست محدداً لاستئناف المحادثات مع واشنطن أو لا، لكنها مرحلة يمكن من خلالها تمرير ترمب تصريحات عدة في مواجهة إيران.
وفي إطار الشروط الإيرانية مقابل الشروط الأوروبية، فإن حل مسألة التخصيب المحلي هي التي ستحدد ما إذا كان من الممكن استئناف المحادثات مرة أخرى بين واشنطن وطهران أو لا، ولكن هنا تطرح أسئلة أخرى ترتبط بدور المفاوضات المنتظرة بينهما، فهل ستدور حول الملف النووي فقط أو تشمل ملفات إقليمية أخرى كانت إيران ضالعة فيها بحكم سياسة تشبيك الملفات التي انتهجتها على مدى أربعة عقود، فهل يشمل التفاوض مستقبل حركة “حماس” والتأثير الإيراني في دورها وهل سيجري التفاوض حول ضمانات إيرانية بعدم التدخل في سوريا وموقف “حزب الله”؟ فمن غير المتوقع أن تغيب التفاهمات حول الملفات الإقليمية المشتعلة عن أية محادثات مع إيران، ولماذا لا يسلط الضوء حول هذه القضايا في ظل التصريحات المتبادلة بين واشنطن وطهران؟