ملخص
يفترض أن لتلك الجريمة دروساً وعبراً، فهل تعلمنا الدروس؟ وهل استخلصنا العبر؟ المشهد العربي اليوم يجيب أن التشرذم والفرقة والحروب والنزاعات الداخلية العربية تجري على قدم وساق، وأن الصدّامية الحمقاء الدامية ما زالت حية تنبض وباقية وتتمدد وإن بوجوه مختلفة.
أجد من واجبي الإنساني والأخلاقي والعروبي أن أسطر دروساً وعبراً لكارثة الغزو العراقي للكويت الذي يصادف يوم غد السبت الثاني من أغسطس (آب) الجاري الذكرى الـ35 لذلك اليوم المشؤوم.
ثلاثة لا يريدون التذكير بذلك اليوم المدلهم، واحد انحاز إلى الغدر والعدوان ولم يتحقق ما يتمناه بضرب “صدام بالكيماوي من الخفجي إلى الدمام”، فلم ينتصر المعتدي الغادر ولا يريد أن يستذكر مواقف الخزي التي وقفها في حينه، ولا يريد أن يعترف بالانحياز إلى الظلم والاعتذار من ذلك الموقف الجبان.
وثانٍ خجول يشعر بمرارة عروبية صادقة لا يريد تذكرها والعودة لها، أملاً في تجاوزها ومسحها من ذاكرة العروبة، مطالباً بالقفز على الحدث المزلزل لعل القفز على الحدث ينسيه هوله ويزيل ندباته وجروحه الدامية.
وثالث ما زال يلوك سيناريوهات المؤامرات التي “غرّرت” بصدام حسين المسكين الذي “ضحكوا عليه” وأعطوه “الضوء الأخضر” بغزو الكويت كي يورطوه، فتورط ووقع بريئاً “ساذجاً” في شراك الهزيمة والدمار. فينادي بالتناسي بذريعة التركيز على مآسي الحاضر وكوارثه، متناسياً في الوقت نفسه أن جزءاً هائلاً مما نعيشه اليوم من تردي أحوال الأمة إنما هو نتاج لحقبة صدام حسين وجرائمه.
احتل صدام حسين الكويت في الثاني من أغسطس عام 1990، وسماه العالم العربي والإسلامي والدولي “احتلالاً”، فلم يسبق لدولة عضو في الأمم المتحدة أن مسحت دولة عضواً آخر من الخريطة منذ قيام المنظمة الدولية. وكل الحجج التي ساقها صدام حسين ومن وقف معه مؤيداً للعدوان، سقطت أمام الحق الأبلج، وكل الذرائع وهنت أمام العقل والمنطق والعدل وبديهيات الأمور.
السودنة بالسودان والمسودن بالعراق!
لو تجاوزنا الخسائر البشرية والمادية، وما أكبرها وأبشعها وأثخنها، لوجدنا أن الخسائر المعنوية والجيوسياسية التي ترتبت على تلك الجريمة المتوحشة أكبر من أن تخطها مقالة في صحيفة، لكن أهمها تلاشي التضامن العربي ولخبطة الأولويات القومية والتقوقع القُطري والتمزق العربي والتغول الإسرائيلي والهيمنة الإيرانية على العراق الذي لا يزال يئن ألماً، وينز قيحاً ودماً من تبعات تلك الجريمة الشنعاء التي قادت إلى دمار العراق، ثم إلى حصاره، وتبعها غزوه واحتلاله الأجنبي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبمباركة من بعض أبناء العراق الذين يحكمونه اليوم، وقاموا بتسليم الشأن العراقي إلى إيران التي تتحكم بمفاصله وقراره.
ديكتاتور أحمق مصاب بجنون العظمة والجهل صحا من النوم وقرر أن يغزو جاره الشقيق بجيش عرمرمي كان الضحية قد أسهم في بنائه وتسليحه، وراح يسوق الذرائع للغزو، فادعى أن سرق الكويتيون النفط العراقي وأغرقوا والإماراتيون السوق النفطية لتدمير الاقتصاد العراقي. ثم زعم قيام ثورة في الكويت تدخّل لمناصرتها، ثم أعلن في اليوم الرابع انسحابه بعد انتصار “الثورة الكويتية”، ثم اكتشف أن الكويت جزء من العراق وأن الفرع قد عاد للأصل! وبقية الرواية معروفة لمن عايش الحدث أو تابعه وقرأ عنه.
يفترض أن لتلك الجريمة دروساً وعبراً، فهل تعلمنا الدروس؟ وهل استخلصنا العبر؟ المشهد العربي اليوم يجيب أن التشرذم والفرقة والحروب والنزاعات الداخلية العربية تجري على قدم وساق، وأن الصدّامية الحمقاء الدامية ما زالت حية تنبض وباقية وتتمدد وإن بوجوه مختلفة.