تختلف ظروف المهمة التي يضطلع بها المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف في إسرائيل هذه المرة، عن المهمات السابقة على مدى الأشهر السبعة الماضية. فالأوضاع الإنسانية المتدهورة في غزة بفعل انتشار الجوع، حملت حلفاء أميركا على الذهاب نحو مسار الاعتراف بدولة فلسطين، بينما شركاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الائتلاف الحكومي يدفعونه إلى الرد على مد الاعترافات بضم قطاع غزة وإحياء الاستيطان فيه.
سبقت وصول ويتكوف، ملاحظات بعثت بها الحكومة الإسرائيلية على رد “حماس” على آخر اقتراح تقدم به المبعوث الأميركي نفسه الشهر الماضي، قبل أن يعلن الأسبوع الماضي انسحابه من الوساطة لأن الحركة لم تقبل بالاقتراح كما ورد، وتمسكت بأن تتولى وكالات الأمم المتحدة توزيع المساعدات الإنسانية في القطاع، فضلاً عن تعديلات في خريطة الانسحاب الإسرائيلي.
الأولوية الأميركية في ظل اتساع رقعة الدول التي تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في أيلول/سبتمبر، هي كيفية إبطاء هذه الاعترافات أو صرف النظر عنها. ولجوء الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التلويح برافعة الرسوم الجمركية، كما هو الحال مع كندا لمنعها من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لن تكفي وحدها، إذا لم توقف إسرائيل الحرب في غزة، ولو موقتاً، ريثما تكون عاصفة الاعترافات قد هدأت.
لكن إسرائيل تفعل العكس، فتهدد بالتصعيد في حال نفذت فرنسا وبريطانيا وكندا ودول غربية أخرى قراراتها بالاعتراف بدولة فلسطين، وتعتبر أن الخطوات المزمع اتخاذها في هذا الشأن لا تساعد الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف للنار في غزة. وبحسب القناة الـ12 في التلفزيون الإسرائيلي، فإن 22 وزيراً ونائباً من الائتلاف الحاكم طلبوا من وزير الدفاع يسرائيل كاتس السماح لهم بجولة في شمال غزة، في إطار التحضير لإعادة احتلال القطاع.
وكلما طالت الحرب وارتفعت أعداد الضحايا من الفلسطينيين بسبب القصف والجوع، فإن التصدعات في موقف الدول الغربية التي اعتادت الوقوف إلى جانب إسرائيل ستتسع، لأن الرأي العام في هذه الدول يعارض الحرب بشدة. وعلى سبيل المثال، أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “يوغوف”، أن 45 في المئة من البريطانيين يؤيدون الاعتراف بدولة فلسطين في مقابل معارضة 14 في المئة فقط.
وإذا كان الفيتو الأميركي سيحول دون منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، فإن سيل الاعترافات الجديدة من دول تتمتع بوزن ديبلوماسي وتاريخي في الشرق الأوسط، على غرار فرنسا وبريطانيا، سيساعد فلسطين على الانضمام إلى مزيد من المنظمات والمنتديات الدولية، فضلاً عن أنه يشير إلى “تغير في الموقف الدولي إزاء إسرائيل”، وفق ما يرى رئيس برنامج أوروبا في “المعهد القومي للدراسات الأمنية” الذي يتخذ تل أبيب مقراً له ريمي دانيال.
أمام هذا الواقع الدولي المتغير، بدأ الانقسام يتسلل إلى الكونغرس الأميركي. وعلى رغم عرقلة مجلس الشيوخ قرارين تقدم بهما السناتور المستقل بيرني ساندرز يدعوان إلى حظر مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل رداً على سقوط ضحايا مدنيين، فإن 24 سناتوراً ديموقراطياً أيدوهما، بينما اقتصر التأييد لمشروعي قرارين مماثلين في نيسان/أبريل على تأييد 15 سناتوراً ديموقراطياً. وهذا دليل بحسب ساندرز على “أن الشعب الأميركي لا يريد إنفاق مليارات الدولارات لتجويع أطفال غزة”.
إلى أي مدى ترامب مستعد لممارسة ضغوط على إسرائيل، كي توقف الحرب؟ حتى الآن، هو يلقي بالمسؤولية على “حماس” في الطريق المسدود الذي تواجهه مساعي وقف النار. بيد أن الحروب الإسرائيلية الأبدية تزيد من حراجة الموقف الأميركي، وتثقل من المسؤولية الأخلاقية التي تتحملها واشنطن بعدم التحرك جدياً لوقف الحرب.