ثمة تغير سياسي دولي هو غاية في الأهمية لمصلحة الفلسطينيين، إذ ستؤيد أربع دول تمتلك حق النقض “الفيتو” قيام دولة فلسطينية.
بعد وعد فرنسا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة (في أيلول/سبتمبر القادم)، وتأكيد رئيس وزراء المملكة المتحدة، ووزير خارجيتها، السير في هذا الاتجاه، بات واضحاً أن الاستقطاب السياسي الدولي الذي تديره فرنسا والسعودية سيتركز، في الشهرين المقبلين، على دعم حق الفلسطينيين بإقامة دولة لهم في الضفة وغزة، في إطار تسوية شاملة تتضمن أيضاً وقف حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، خصوصاً في قطاع غزة، وفتح مسار التطبيع العربي – الإسرائيلي، وإصلاح السلطة الفلسطينية.
هكذا، ثمة تغير سياسي دولي هو غاية في الأهمية لمصلحة الفلسطينيين، رغم ظروفهم الصعبة، ورغم حرب الإبادة التي تشنهّا إسرائيل ضدهم، منذ قرابة عامين، إذ ستؤيد أربع دول تمتلك حق النقض “الفيتو”، هي الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا، قيام دولة فلسطينية.
طبعاً، تبقى الولايات المتحدة وحدها (كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن) مستثناة من هذا التحول، حتى الآن، ومن الصعب تحديد السياسة التي ستنتهجها للتعامل معه، مع قيام دولتين غربيتين بحجم بريطانيا وفرنسا بإنجاز هذه النقلة غير المألوفة التي تشق التحالف الدولي المؤيد للسياسات الإسرائيلية.
في تلك الحالة، ستكون الولايات المتحدة أمام أحد خيارين: استخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي لإجهاض أي قرار في هذا الاتجاه، أو الامتناع عن التصويت وتمرير القرار، وهذا غير مستبعد، بالنظر إلى التصريحات المرنة التي أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً تعقيباً على هذا الموضوع. وربما يجدر بنا التذكير بأن الولايات المتحدة سبق أن دعمت القرار الأممي الرقم 1397 لعام 2012، في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وقد نصّ على حقّ الفلسطينيين بإقامة دولة لهم.
في هذا الإطار، تُفيد ملاحظة التمييز، أو الفرق، بين استصدار قرار بشأن الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم والاعتراف بها من الجمعية العمومية للأمم المتحدة، واستصدار مثل ذلك القرار من مجلس الأمن الدولي؛ إذ ثمة 145 دولة تعترف بفلسطين كعضو مراقب، لكن المشكلة تكمن في عدم التوافق بين الخمسة الكبار، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، مع معارضة الولايات المتحدة هذا التوجه، واستخدامها “الفيتو” لإجهاضه.
معلوم أنه في التصويتات السابقة على مشاريع قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تمت الموافقة من قبل أكثر من ثلثي الدول الأعضاء، فيما اعترضت تسع دول فقط، هي: الأرجنتين، الجمهورية التشيكية، هنغاريا، إسرائيل، ميكرونيزيا، ناورو، بالاو، بابوا غينيا الجديدة والولايات المتحدة؛ فيما امتنعت 25 دولة عن التصويت.
في أي حال، واضحٌ أن هذا الدفع باتجاه الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم يأتي تعبيراً عن التعاطف مع الشعب الفلسطيني، وانكشاف إسرائيل على حقيقتها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية، وكردة فعل على حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة، أي كنتيجة عكسية لما تحاول أن تفرضه حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير في شأن شطب الشعب الفلسطيني من المعادلات السياسية، وفرض السلام بالقوة، أو التطبيع من دون أن تقدم إسرائيل أياً من الاستحقاقات المطلوبة منها.
المشكلة الآن هي أن هذه الاعترافات كلها تحتاج إلى موقف أميركي إيجابي، أو على الأقل عدم استخدام “الفيتو”. بيد أن هذا الضغط، أو الزخم، الدولي يحتاج إلى ترتيبات على أرض الواقع أيضاً، لتمكين الفلسطينيين من حقهم، ويأتي في مقدمة ذلك، أولاً، الضغط إلى الدرجة المناسبة على إسرائيل لوقف الحرب في قطاع غزة، والتمكّن من إعادة إعماره، وإدخال المساعدات إليه. ثانياً، وقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس وإيجاد حل لمشكلة المستوطنات والمستوطنين الذين باتوا يشكلون ميليشيا مسلحة تعمل ضد فلسطينيي الضفة. وثالثاً، تمكين الفلسطينيين من إدارة أحوالهم واستثمار مواردهم.
مع ذلك، يبقى أن على الفلسطينيين ملاقاة هذا الجهد العربي والدولي في منتصف الطريق، بإعادة تأهيل الكيان السياسي الفلسطيني المتمثل في السلطة الفلسطينية وتعزيز شرعيتها، وهذا أمر يفترض بالفلسطينيين إنجازه، لأنه يشكل عاملاً أساسياً في مواجهة التحديات والسياسات الاحتلالية الإسرائيلية.
مع ذلك، يُفترض بالفلسطينيين ملاحظة أن الدولة الفلسطينية الموعودة تختلف كثيراً عن الدولة المنشودة، أو التي حلموا بها، بسبب اختلاف موازين القوى لمصلحة إسرائيل، والمعطيات الدولية غير المواتية لهم، وأيضاً بسبب ضعف كياناتهم واختلافاتهم.