كان وقع ترك المبعوث الأميركي إلى سوريا توم بارّاك الملفّ اللبناني وعودة المبعوثة الأميركية مورغن أورتاغس لتسلّمه قويّ جدّاً على الساحة السياسية اللبنانية. فبارّاك الذي كان قد حسم أنّ زيارته الأخيرة لبيروت هي آخر فرصة يعطيها للسلطة اللبنانية.
لا ورقة يجيب عليها بارّاك بعد اليوم. وكلّ الكلام عن أنّ الخارجية الأميركية تدرس ورقة الردّ اللبنانية هو كلام مبالغ فيه. فالورقة الأساسية التي قام عمل بارّاك عليها مبنيّة على تعاون بينه وبين أورتاغس، وهما للدقّة مقرّبان وليسا متخاصمين. وبالتالي ما ستتّجه إليه الساحة اللبنانية هو عودة المبعوثة الأصيلة التي ابتعدت لظروف تتعلّق بالإدارة الأميركية أوّلاً، ثمّ تولّت مهامّ أساسية في الأمم المتّحدة، وها هي تعود إلى الإمساك بالملفّ اللبناني من موقعها، على أن تتعاون مع السفيرة ليزا جونسون ثمّ السفير ميشال عيسى.
مفاجأة أورتاغس وجلسة الثلاثاء
بينما كانت القوى السياسية تستعدّ لجلسة الثلاثاء باحثة عن صيغة ترضي كلّ القوى المشاركة في الحكومة، جاء خبر عودة أورتاغس مفاجئاً لها. تخبّطت بدايةً وعجزت عن التصديق قبل أن تكتشف أنّ الخبر صحيح. ولكنّ في الخلاصة ما هو مطلوب من الحكومة اللبنانية في زمن بارّاك هو نفسه مطلوب بعده لأنّ هذا نهج الإدارة الأميركية، لا سيما أنّ بارّاك قد حدّد الأوّل من آب مهلة لوضع البند على طاولة مجلس الوزراء، ورئيس الحكومة نوّاف سلام سمع من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّ المهل لم تعد مطّاطة.
“الحزب” بحسب مصادره لن يحضر الجلسة في حال عدم الاتّفاق على صيغة واضحة
عاد سلام وسارع إلى تحديد جلسة قبل الأوّل من آب صودف أنّها في موعد الجلسة التشريعية نفسه فتمّ تحديدها يوم الثلاثاء المقبل. حتّى كلمة رئيس الجمهورية في عيد الجيش استبقت الموعد السنوي للمناسبة، فجاءت في 31 تمّوز. أقرّت الجلسة التشريعية قانونَي استقلاليّة القضاء وإعادة هيكلة المصارف على توقيت بارّاك أيضاً. إلّا أنّ كلّ ذلك، بما فيها الكلمة التي قالها الرئيس عون والتي رفع فيها السقف، لم يكن كافياً. فالفرصة الحقيقية لم تعد في الكلام بحسب مصادر دبلوماسية لـ”أساس”، بل بما ستقرّره الجلسة يوم الثلاثاء بالإجماع وليس بأيّ شكل آخر.
اتّصالات قبل الجلسة: ما هي الصّيغة؟
لم يتمّ تحديد الجلسة بناء على اتّفاق مسبق. إنّ الخضّة التي حصلت للساحة السياسية بسبب الإنذار الأخير جعلت الجميع يستعجلون. وبحسب معلومات “أساس”، حدّد نوّاف سلام الجلسة، ومن بعد ذلك بدأت الاتّصالات للاحتواء.
الحزب
زار النائب محمد رعد رئيس الجمهورية بعد لقاء جمعه بالرئيس برّي على هامش الجلسة التشريعية في مجلس النوّاب. وفي معلومات “أساس” جرى الاتّفاق على إيجاد صيغة ترضي المجتمع الدولي وتجنّب لبنان الانزلاق إلى ما هو مجهول.
من جهة أخرى “القوّات اللبنانية” و”الكتائب” و”الاشتراكي” يسعون إلى إقرار البند وفق جدول زمني. وهو أمر بحسب معلومات “أساس”، لا يوافق عليه “الحزب”. فـ”الحزب” يبحث عن صيغة لا تتضمّن جدولاً زمنيّاً يحاكي الشروط الإسرائيلية. وهو بحسب مصادر مقرّبة منه يوافق على أيّ صيغة تؤكّد حصر السلاح بيد الدولة البنانية وفقاً للبيان الوزاري وخطاب القسم وليس وفقاً لورقة بارّاك.
لا ورقة يجيب عليها بارّاك بعد اليوم. وكلّ الكلام عن أنّ الخارجية الأميركية تدرس ورقة الردّ اللبنانية هو كلام مبالغ فيه
حتّى هذه الساعة، تقول مصادر حكومية إنّه جرى الاتّفاق على عدم تفجير مجلس الوزراء. فـ”الحزب” بحسب مصادره، لن يحضر الجلسة في حال عدم الاتّفاق على صيغة واضحة، ومستعدّ مع وزراء حركة أمل أن ينسحبوا من الحكومة ويقاطعوا جلساتها في حال ذهبت القوى إلى إقرار جدول زمني يحاكي الشروط الإسرائيلية.
بالنسبة إلى الخارج، مصادر دبلوماسية قالت لـ”أساس” إنّها تترقّب أن تكون جلسة الثلاثاء ساخنة. والإدارة الدولية لن توافق على صيغ مطّاطة لا تعلن صراحة حصر السلاح مع جدول زمني مع موافقة علنيّة من وزراء “الحزب”، وهو شرط كان “أساس” أوّل من كشف أنّه شرط دوليّ أساسيّ جاء به توم بارّاك إلى القصر الجمهوري.
تصعيد في الأفق… ولا صيغة نهائيّة بعد
في الوقت الذي لم يتمّ التوصّل فيه إلى صيغة نهائية لوضعها على الطاولة ، وسط تصعيد سياسي وإعلامي بدأ يسترجع جلسة الخامس من أيّار بما يوحي بالتمهيد لأحداث السابع من أيّار، تقول مصادر مقرّبة من الثنائي إنّه لا إرادة للعودة إلى عدم الاستقرار الداخلي، لكنّها تخاف من انزلاقات غير محسوبة، وإنّ المطلوب وحدة موقف رسمي في وجه كلّ التهديدات بتصعيد مقبل لن يكون أحد بمنأى عنه، لا “الحزب” ولا الدولة اللبنانية التي أصبحت اليوم في موقع مسؤوليّة أمام المجتمع الدولي، مثلها مثل “الحزب”.
هنا يحضر سؤال في الكواليس السياسية عمّا يريده “الحزب” حقّاً؟ هل يريد الانتحار ويريد للبنان أن ينتحر معه؟ سؤالٌ تحتاج الإجابة عليه إلى نقاش لاحق.